احتفالات دينية ترافق موالد صعيد مصر

مصريون يزورون الأولياء الصالحين في شهر شعبان ويحنون الى ألعاب التحطيب وسباقات المرماح.

يستقبل المصريون في مختلف محافظات صعيد مصر شهر شعبان في كل عام بالموالد الشعبية والكرنفالات الفنية والألعاب التاريخية. 
وتقام في شهر شعبان موالد وإحتفالات دينية وصوفية في معظم مدن وقرى الصعيد الذي يحتفظ سكانها بالعادات والموروثات الشعبية، وفي مقدمتها زيارة موالد الأولياء الصالحين.
وتشتهر مصر بإقامة الموالد الشعبية، وهي مناسبات للاحتفال الديني بيوم مولد أو وفاة ولي من الأولياء الصالحين، والغرض من هذه الاحتفالات تكريم صاحبها وليس البكاء عليه.
ووفقا لكل الدراسات المتخصصة بالفنون الشعبية والتراثية لا يوجد عدد محدد للموالد في مصر، بينما تذهب "الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية" إلى أن عدد الموالد الإسلامية والمسيحية حوالي 2850 مولدا، يحضرها حوالي 40 مليون شخصا، وتنتشر هذه الموالد في كل المحافظات من الدلتا إلى الصعيد والقاهرة والإسكندرية.
وأشهر هذه الموالد "الحسين والسيدة فاطمة والسيدة زينب والسيدة عائشة في القاهرة، والسيد إبراهيم الدسوقي في مدينة دسوق (محافظة كفر الشيخ بدلتا مصر)، والسيد أحمد البدوي في طنطا (محافظة الغربية دلتا مصر)، وعبدالرحيم القنائي (القناوي) في قنا، وأبوالحجاج الأقصري بالأقصر (صعيد مصر).
وتعود مظاهر بعض الاحتفالات التي يشارك فيها مئات الآلاف من المصريين إلى عصور الفراعنة.
وفي مطلع هذا الشهر احتفل أهل الصعيد بمولد سيدي العشي، ومن قبله مولد الشيخ موسى أبوعلي، وقبيل نهايته، يتم الإحتفال بمولد الشيخ العزب، والشيخ أبوالقمصان، والشيخ اللواء أبوظعبوط، وغيرها من الموالد التي تنتشر بصعيد مصر، وينشط فيها باعة الحلوى الشعبية، وتتنوع فيها الألعاب التاريخية مثل لعبة العصى أو التحطيب التي يتبارى فيها شبان، وشيوخ في سن الثمانين، وكل واحد منهم يؤكد براعته في التصدي لضربات العصا التي يوجهها له منافسه ليبرهن على شجاعته وقوته وفروسيته، وهي لعبة تعود جذورها إلى قدماء المصريين، حيث سجلتها نقوش ورسوم تركها الفراعنة على جدران معابدهم ومقابرهم.

ولعبة التحطيب انتقلت من جيل الى جيل، وبقيت منتشرة بين أهل صعيد مصر حتى اليوم، ويتنقل هواة تلك اللعبة من قرية لقرية ومن مدينة لمدينة للمشاركة بما يشبه حلبات المنافسة التي يحيط بها جمهور غفير من الرجال والنساء والأطفال، في كل مولد يقام إحياء لذكرى ولى من أولياء الله.
ولا تغيب لعبة الرماح عن موالد مصر الشعبية في الصعيد، حيث يتم تخصيص ساحة واسعة بكل قرية لما يسمى بالمرماح، وفيه يتجمع الفرسان ممن يقتنون الخيول التي تتسابق فيما بينها على وقع أنغام المزمار البلدي ودقات الطبول وعلى ظهرها الفارس الذي يستعرض مهارته في فنون ركوب الخيل، والتسابق والرقص، وهو يعتلي ظهر جواده وسط دائرة يحيط بها عشرات الآلآف من المشاهدين من رواد الموالد الشعبية والدينية.
 ويقطع الفرسان الذين يُطلق عليهم إسم "الخيالة" مسافات طويلة حاملين خيولهم فوق سيارات تجوب بهم القرى والمدن للمشاركة في كل مولد، فيذهب فرسان وخيالة من الأقصر إلى سوهاج وقنا.
 ويأتي للأقصر فرسان وخيالة من قنا وسوهاج وأسوان، ويقيمون في ضيافة أقرانهم من الفرسان والخيالة بكل قرية ومدينة.
وفيما كان أهل مدينة قنا يستعدون لإستقبال عشرات الآلاف من الزوار الوفدين لحضور الليلة الختامية لمولد قطب الصعيد سيدي عبدالرحيم القنائي يوم الرابع عشر من شهر شعبان، كان مئات الآلاف من أهل الأقصر والمدن المجاورة قد انتهوا من المشاركة في "دورة أبي الحجاج" .
والكرنفال الشعبي والتاريخي يقام في نهاية الاحتفال بمولد سيدي أبوالحجاج الأقصري ويجوب شوارع المدينة مثلما جرت العادة من قديم الزمن، وكان يعرف بإسم "موكب آمون"، أو "موكب الأوبت" الفرعوني، حيث كان يتحرك موكب الإله آمون من معبده في الكرنك متجها إلى الجنوب أين تقيم زوجته الإلهة "موت"، ويصطف الآلاف لمتابعة الموكب المهيب على جانبي نهر النيل.
 وفي مولد ودورة وموكب سيدي ابي الحجاج الأقصر، وفي يومي 13 و14 من شهر شعبان من كل عام يخرج الآلاف إلى الساحة التي تحمل إسم أبي الحجاج، ويقومون بجر "مراكب ابوالحجاج" ويطوفون بها شوارع المدينة التاريخية في تقليد لموكب مراكب آمون.

والمعروف أن سيدى ابي الحجاج الأقصري هو أحد علماء الإسلام الذي ولد ببغداد، وقدم لمدينة الأقصر من المغرب العربي، ودفن فوق ربوة تطل على أحد قاعات معبد الأقصر، وله مسجد يحتوي على قطع أثرية نادرة، وتحول بمرور الزمن الى مزار ديني وأثري فريد من نوعه. 
أصبحت المعتقدات الخاصة بالأولياء جزءا من الثقافة الشعبية المصرية، الشفهية والمكتوبة، التي تجسد عالما ماديا وروحيا لشخص تحول إلى رمز ديني لدى جماعة محلية، اعتمادا على إيمان هذه الجماعة بقدراته الخاصة في تحقيق "خوارق" في بيئتها.
ويرى متابعون ان الثقافة الشعبية للولي تنظر له على أنه "حلقة وصل بين حياة وموت، لأنه حي في الفكر الجمعي، على الرغم من موته في عالم الواقع، يتصلون به من خلال زيارة قبره أو رؤيته في الأحلام، كما يعتقدون في أن خوارقه، التي يطلقون عليها "كرامات"، تمنحهم الغلبة على العجز والمرض، أو تأمينهم من مصير مجهول في المستقبل. لذا، يحرصون على إحياء سيرته ومناقبه بالاحتفال بمولده و"التبرك" بزيارته".