اخوان تونس في الخرج الاردوغاني

ما فعله قيس سعيد حين استقبل اردوغان في حمى الصراع على ليبيا انما يقف وراءه الغنوشي.

هناك إشارات غير مريحة صارت تنبعث مثل روائح كريهة من تونس بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المفاجئة.

اخوانيو تونس سينقلبون أو هم انقلبوا على الديمقراطية التي منحتهم خطأً أغلبية غير مطلقة في مجلس النواب.

ذلك الانقلاب الذي لن يكون التحول في الموقف الرسمي من الصراع في ليبيا إلا مقدمة للخطر الذي يمكن أن يقلب حياة التونسيين رأسا على عقب.

فتونس التي كانت إلى وقت قريب قد نأت بنفسها عن ذلك الصراع، من خلال اتخاذها موقفا يستند إلى مسافة واحدة من الطرفين قد تنزلق في أية لحظة إلى الانحياز إلى حكومة الميليشيات في طرابلس.

لن يكون المال القطري هو السبب الرئيس في ذلك وإن كان ذلك المال يمثل ضغطا مغريا لا يمكن غض النظر عنه.

اما الاعجاب باردوغان كونه يمثل بالنسبة لشعبويي الإعلام الاخواني المبشر بعودة دولة الخلافة الصحيحة فإنه هو الآخر لن يكون سببا محرجا.

من المؤكد أن حركة النهضة الاخوانية قد وجدت في حالة التجاذب التي سببها الاتفاق التركي ــ الليبي مناسبة للإعلان عن اصطفافها وراء المحور القطري وهو اصطفاف كان معروفا غير أن خطره هذه المرة يأتي من كونه يتم من خلال الدولة التونسية.

ذلك يعني التضحية بمصالح تونس لغايات عقائدية. وهو ما كان متوقعا من الحركة الاخوانية التي لا تمتلك مشروعا في الحكم بالرغم من أنها نجحت في وضع رئيس في قصر قرطاج، كان الكثيرون قد حذروا من توجهاته الدينية كما نجحوا في الاستيلاء مباشرة على رأس السلطة التشريعية من خلال جلوس الغنوشي زعيمهم على كرسي رئاسة البرلمان.

ومن تتبع ردود الأفعال الدولية على الاتفاق التركي - الليبي يبدو أن الأمور ذاهبة إلى ما هو أسوأ. فهناك أطراف دولية مهمة تجد أن مصالحها قد تضررت بسبب ذلك الاتفاق وهي تخطط للرد عليه وإن تطلب الامر استعمال القوة.

تونس وهي دولة لا تزال تبحث عن مخرج من فوضى الحكم لا تحتاج إلى أن تبحث عن مكان لها وسط تلك المعمعة ما دام الآخرون قادرين على تفكيك اللغم الذي وضعه اردوغان في مكان، لا يمت إلى حماية تركيا بصلة بل هو مكان يعرقل من خلاله حركة الآخرين ويضر بمصالحهم.

لتونس مصلحة في أن يستتب السلام والامن في المنطقة.

ولقد استطاعت بطريقة ما أن تمنع انزلاقها إلى سياسة المحاور وذلك من خلال الحاجز المدني للدولة الذي منع غير مرة صعود التيارات المتشددة، بالرغم من أن تلك التيارات ظلت حية، بسبب اتباعها سياسة المراوغة فكانت تبلع هزائمها من غير أن تخفي شهوتها لابتلاع تونس.

وكما يبدو فإن الانتخابات الأخيرة التي شهدت تشرذما وانقساما في الصوت الانتخابي كانت على مقاس حركة النهضة التي لم تشهد صفوفها انقساما فاستطاعت أن تتصدر الفائزين، بالرغم من أنها خسرت مقاعد كانت لها في الدورات السابقة، في حين وقف أمامها الآخرون موزعين بين كتل لم تكن قادرة على أن تواجهها متحدة.

وإذا ما كانت حركة النهضة في الماضي القريب تجد في الإشارة إلى اخوانيتها ما يسيء إليها وإن كانت لا تعترض على تلك الإساءة إلا بصوت خافت فإنها اليوم وبعد أن صارت على يقين من أنها نجت من الغرق في الطوفان الانتخابي صار في إمكانها أن تفرش خرائط مشروعها السري.     

لن يكون مفاجئا لمَن يعرف حركة النهضة أن يكون انخراطها في المشاريع الاردوغانية أول خطواتها من أجل اشهار ولائها للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.

تلك خطوة ستضع تونس في مكان، سيشهد نهاية ثورتها التي اجتهد الشعب من أجل أن تكون قاعدة لبناء تونس المدنية المستقلة. غير أن الديمقراطية خذلتها هذه المرة. ولكن ذلك لا يعني أن شعب تونس قد فقد المبادرة وخسر رهانه الديمقراطي إلى الأبد. لا يزال في إمكانه أن يستعيد ثورته.

ما فعله قيس سعيد حين استقبل اردوغان في حمى الصراع على ليبيا انما يقف وراءه الغنوشي وحزبه بالتأكيد وهو ما لا يمكن أن يمر على الشعب التونسي الذي يمكنه في أي لحظة أن يقلب الطاولة.

الغنوشي بالرغم من حسه المراوغ لن يتمكن من تبديد طموحات الشعب التونسي.