ازمة في الأردن

الازمة الأردنية في حاجة الى عدد لا بأس به من الرجال الجدد حول الملك يساعدون في احداث التغيير من دون ان يعني ذلك ان المطلوب تغيير كلّ الموجودين.

لا يمكن الاستخفاف بما يجري في الاردن. تواجه المملكة الهاشمية ازمة داخلية حقيقية، أساسها اقتصادي، تعتبر بين الأخطر منذ نحو نصف قرن في ظلّ ظروف إقليمية غير مواتية، حتى لا نقول معادية. انّه وضع صعب ولكنه غير ميؤوس منه في ظل القدرة التي امتلكتها المملكة على تجاوز المحن، بكلّ أنواعها، من جهة وما لديها من مؤسسات فعالة استطاعت ان تكون في مستوى الظروف من جهة أخرى.

واجهت المملكة الأردنية الهاشمية في تاريخها الحديث مجموعة من التحديات استطاعت دائما الخروج منها بفضل عوامل داخلية وإقليمية ودولية في الوقت ذاته. ما يزيد صعوبة الوضع في المرحلة الراهنة الوضع السوري ووجود ما يزيد على مليون لاجئ في الأردن في ظلّ انهماك الخليج في معالجة ملفات كثيرة، من بينها ترتيب الاوضاع الداخلية في كلّ دولة من دوله، على رأسها المملكة العربية السعودية. يضاف الى ذلك الهمّ اليمني الذي تحوّل الى نوع من حرب الاستنزاف لدول الخليج في ظلّ الحاجة الى مزيد من الجهود لاحتواء الخطر الايراني الذي يهدّد المنطقة كلّها.

ما لا بدّ من ملاحظته في الوقت ذاته، ان العراق لم يعد موجودا كداعم للاردن الذي وقف الى جانبه في حرب السنوات الثماني. ردّ له العراق جميل وقوف الأردن الى جانبه ودعمه بالكثير، بما في ذلك التسهيلات النفطية. عندما كانت تنسد كلّ الأبواب في وجه الأردن، كان هناك دائما العراق الذي اصبح الآن في وضع لا يحسد عليه على كل صعيد. بات العراق الذي كان يشكل اهمّ سوق للاردن واهم مصدر للمساعدات، في مرحلة معيّنة طبعا، بلدا مفلسا مصيره على كفّ عفريت. لم يعد هناك من يساعد في تحمل الأعباء التي وقعت على الأردن وعلى بنيته التحتية. هناك بعض الدعم الدولي في موضوع اللاجئين السوريين، لكنه ليس كافيا بأي مقياس.

كان الأردن قادرا في كلّ وقت على الاستفادة من موقعه الجغرافي المتميّز الذي جعل منه حاجة إقليمية. استطاع الأردن في خمسينات القرن الماضي وستيناته وصولا الى سنة 1970 وما سبقها، عندما حاول الفلسطينيون بفصائلهم المختلفة الاستيلاء على الأردن، التصدي لكلّ الاخطار. الأكيد انّ اكثر ما ساعده في كلّ وقت الدور الإقليمي الذي خلقه لنفسه والذي خلقته الظروف له.

لعلّ اكثر ما يعطي فكرة عن مدى صمود الأردن انّ المدّ الناصري (نسبة الى جمال عبدالناصر) استطاع اطاحة النظام الملكي في العراق في مثل هذه الايّام من العام 1958، لكنّه لم يستطع النيل من الملك حسين في الأردن. ذهب عبدالناصر بسياسته المتهورة التي الحقت اذى ليس بعده اذى بالمجتمعات العربية والتي لم تخدم سوى إسرائيل وبقي الأردن. عمل الملك حسين شيئا من لا شيء. بنى دولة حقيقية في ارض لا تمتلك أي ثروات. لا يزال الأردن الى يومنا هذا يعاني من شحّ في المياه في منطقة اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها غير مستقرّة لا وجود لاي تعاون في الحدّ الادنى بين دولها من اجل انجاز مشاريع مشتركة ذات طابع تنموي. جاء الوجود السوري ليفاقم ازمة المياه وغير المياه في بلد يحتاج الى مساعدات مستمرّة وصار عليه توفير خدمات للقادمين الجدد اليه. يحصل ذلك كلّه على حساب الأردنيين طبعا.

ما الذي يجعل الوضع الأردني في المرحلة الراهنة يرتدي طابع الخطورة؟ هناك قبل كلّ شيء الوضع الإقليمي، خليجيا وعراقيا الذي عمّق الازمة الاقتصادية وجعل الأردن يبحث عن موارد جديدة بضغط من السوريين الذين اقاموا، في معظمهم، في مخيّمات. صار على الاردن البحث عن مصادر جديدة لموازنته. جاءت شروط المؤسسات الدولية، في مقدّمها صندوق النقد، من النوع الذي يستحيل على ايّ حكومة المضيّ به في ظلّ تململ شعبي. عمل الملك عبدالله الثاني كل ما يستطيع من اجل جعل المواطن العادي يتفهّم دقّة المرحلة الراهنة. الحقيقة ان الحكومة لم تساعده كثيرا في ذلك بعدما قصّرت في شرح طبيعة التحديات الجدية للناس العاديين. هذا ما فرض على الملك تغييرها وارسال هاني الملقي الى بيته.

الأكيد أيضا انّ هناك من ساعد في وضع العراقيل في وجه الحكومة والمزايدة عليها. لا يمكن تبرئة الاخوان المسلمين الذين لديهم حسابات يريدون تصفيتها مع الأردن من ذلك. ما لا بدّ من ملاحظته ان الاخوان، الذين ارتبطوا في الماضي بعلاقات مع النظام، انتقلوا الى مرحلة العداء له، خصوصا بعد نجاح عبدالله الثاني في احتواء "الربيع العربي" اردنيا.

لم تكن ايران بدورها بعيدة عن الحدث الأردني، هناك شكوك بدور غير مباشر لها في مجال التحريض على التظاهر. لديها مجموعتها في الأردن وقد ظهر ذلك في 2011 و2012 عندما سعت بالتنسيق مع قسم من الاخوان المسلمين الى تحريك الشارع وافتعال اشتباكات دامية. افشلها وقتذاك وعي القيادة الأردنية لأهمّية تفادي سقوط أي جريح في صفوف الذين نزلوا الى الشارع وحاولوا افتعال صدامات مع قوات الامن. من الواضح ان ايران على استعداد لاستغلال أي نقطة ضعف في الاقليم لإبعاد الأنظار عن ازمتها الداخلية التي تفاقمت مع اعلان الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق في شأن ملفّها النووي.

اعتبرت ايران الاردن في كلّ وقت الحلقة الضعيفة في منطقة المشرق العربي. ارادت دائما ان يكون الأردن جسرا تصل من خلاله الى الضفّة الغربية، تماما كما فعلت في الماضي عندما استخدمت سيناء كي يكون لها وجود في قطاع غزّة. هذا الوجود لا يزال قائما عبر "حماس" كما عبر "حركة الجهاد الإسلامي" ذات الولاء الكامل لإيران.

تبدو الازمة الأردنية في غاية التعقيد. ما يزيدها تعقيدا انسداد كل افاق التسوية فلسطينيا. هناك تعنت إسرائيلي ليس بعده تعنت. وهناك إدارة أميركية لا تأبه بأي انعكاسات يمكن ان يثيرها قرار عشوائي في غير محلّه من نوع نقل السفارة الى القدس. وهناك مرحلة انتقالية تمرّ فيها السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفّة الغربية حيث البحث الجدّي في مرحلة ما بعد "أبو مازن".

نعم، انهّا ازمة اردنية في غاية التعقيد زادها عمقا حال الانغلاق على الذات في عمّان خلال السنوات الأخيرة والتي تجلّت بالعجز عن تسويق الإصلاحات الداخلية التي تطالب بها المؤسسات الدولية. لم يعد لدى الأردن أصدقاء على استعداد للدفاع عنه في المنطقة العربية وخارجها. لم يعد هناك اعلام اردني قادر على ان يكون في مستوى ما يواجه الأردن. نعم الأردن في ازمة حقيقية ذات طابع مختلف عن تلك الازمات التي واجهها في الماضي. مثل هذه الازمة في حاجة الى عدد لا بأس به من الرجال الجدد حول الملك يساعدون في احداث التغيير من دون ان يعني ذلك ان المطلوب تغيير كلّ الموجودين حاليا. من سيقوم بالتغيير على غرار ما حصل في العام 1989 عندما فوجئ الملك حسين بانفجار للوضع الاجتماعي واضطرابات في جنوب البلاد فاقدم على إصلاحات جذرية بدأت بإعادة الحياة الى مجلس النوّاب واجراء انتخابات تشرين الثاني – نوفمبر عبر حكومة كان على رأسها زيد بن شاكر؟