لماذا لا يهتم الأردنيون بالتعديلات الوزارية

الإصلاح لن يأتي بين يوم وليلة ولكن لا بد من اتخاذ خطوة أولى جادة وصادقة تساهم في تبديد حالة الإحباط العامة المزمنة تجاه التحول الديمقراطي الحقيقي في الدولة التي تحتفل بمرور مئة عام على نشأتها وتصف نفسها دائما بأنها "دولة قانون ومؤسسات".
مؤيدو الحراك في الداخل يحومون حول الحمى ولا يقعون فيه
الأحزاب ليست افضل حالا من الحكومة والبرلمان في عيون الناس

تعوّد الأردنيون ألا يعرفوا دائما لماذا تتشكل الحكومات او يتغير الوزراء، وهم يتساءلون الآن في ظل الأزمة الوبائية الطاحنة عن سبب بقاء حقيبة الصحة بلا وزير أصيل منذ فاجعة مستشفى السلط الحكومي حين أقيل الوزير السابق، وهو أستاذ في الطب ويعد من المختصين في علم الأوبئة.
تعديل وزاري يأتي بعد أن استعادت الحركة الاحتجاجية شيئا من زخمها في الآونة الاخيرة. هذه الحركة التي تطالب بتغيير آلية تشكيل الحكومات وتعيين الوزراء، وهي السلطة المنوطة دستوريا بالملك.
قلة يهتمون بالتعديل مع انه ضروري ولو من الجانب النظري لإنهاء الإشراف على وزارة الصحة من قبل وزير الداخلية، ولتعيين وزير للعمل اثر استقالة الوزير السابق بعد ساعات من أداء اليمين القانونية.
النظام الصحي في الاردن يتعرض في الآونة الاخيرة لضغوط كبيرة مع ارتفاع الإصابات والوفيات الى مستويات غير مسبوقة. ورغم هذا، ظلت وزارة الصحة تدار من قبل وزير الداخلية الذي انضم للحكومة لأول مرة منذ أقل من شهر فقط حين كان ضابطا كبيرا في الجيش.  
في الذكرى العاشرة لانطلاق النسخة الأردنية من "الربيع العربي"، تمكنت أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية من وأد الاحتجاجات المتفرقة التي اندلعت الأسبوع الماضي في مدن عدة واعتقلت العشرات بتهم التجمهر ومخالفة معايير التباعد البدني.
المشهد الاحتجاجي الآن يختلف كليا عما كان عليه في 2011 رغم ان المطالب واحدة وتتلخص بتعديلات دستورية تفضي الى تشكيل حكومات منتخبة من البرلمان.
مخاطر وتداعيات الوباء التي أصابت الحكومة بحالة من عدم الاستقرار، أدت ايضا الى عزوف الكثيرين عن المشاركة في المظاهرات على الارض وصارت وسائل التواصل الاجتماعي الساحة الوحيدة للاحتجاج، وكذلك للتسفيه والتخوين بين مؤيدي الحراك ومناهضيه داخل الاردن وخارجه.
واذا كانت مجموعة المعارضين المغتربين المؤيدين للتظاهر تتفق تماما في الأهداف مع منظمي الحراك في الداخل، غير أن خطابها الذي يراه كثيرون موجها بشكل مباشر ضد الملك عبدالله الثاني، هيمن على النقاش العام ونقله الى ساحة أخرى أبعد ما تكون عن الحراك.
أما مؤيدو الحراك في الداخل فيحومون حول الحمى ولا يقعون فيه. يطالبون بحكومات منتخبة، ولا يتعرضون صراحة للملك. هم عمليا ينادون بسحب سلطة تعيين الحكومات من الملك وإسنادها الى البرلمان، وإن بنبرة مخففة.
الأردنيون الممنوع عليهم الخروج من بيوتهم بعد غروب الشمس، يتسمرون على نوافذ السوشيال ميديا ويراقبون التناقضات والمفارقات حول المصير الذي آل اليه الحراك.
"الملكيون أكثر من الملك" او ما اصطلح على تسميتهم في الأردن بالسحّيجة يهاجمون الحراك ويتهمونه بالخيانة من باب انه يطالب بحكومات منتخبة، وهي ما دعا اليها الملك وسبق أن كتب عنها قبل سنوات ضمن "الأوراق النقاشية" وفي سياق من الاصلاحات السياسية "التدريجية" الموعودة.
الحراك يتهم الرافضين لانتخاب الحكومات بالسفه والتأييد الأعمى او "التسحيج" للملك والحكومة والتبعية للأجهزة الأمنية.
أحد الاتهامات التي يسوقها مناهضو الاحتجاج لحراك "24 آذار" هو تنفيذ "أجندات خارجية" مفروضة على الأردن من الكونغرس الأميركي واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وكلاهما تربطه بالملك علاقات تقليدية جيدة. ويستقبل العاهل الأردني في قصره الكثير من المشرعين الأميركيين النافذين او الأعضاء القياديين في لجنة الشؤون العامة الاميركية الإسرائيلية "أيباك".
معارك السوشيال ميديا تمثل مرآة صغيرة لتحديات الإصلاح السياسي في الاردن قبل الوصول الى هدف الحكومات المنتخبة، وما يحتاجه ذلك من خطوات تشريعية ضرورية تفضي الى تعزيز مبادئ المشاركة في الحكم ونشر الثقافة السياسية في المجتمع.
قبل الخطوة الرئيسية المتمثلة بتعديل الدستور لتقييد صلاحيات الملك في تعيين الحكومات والوزراء، يحتاج الاردن إلى قوانين عصرية خصوصا للاحزاب والانتخاب، فهل يمكن للنواب إقرارها في البرلمان الحالي الذي يمثل اقل من ثلث الناخبين او حتى بعد اربع سنوات في البرلمان المقبل؟
الواقع يقول ان انعدام الثقة بين الناس والحكومات ينسحب على البرلمان الذي يغيب عنه اي تمثيل حزبي، بعد سنوات طويلة ظلت فيها هذه المؤسسة الدستورية شبه معطلة عن واجبها التشريعي وايضا رقابتها على أداء الحكومة. وغالبا ما كان البرلمان محاطا بالانتقادات وأحيانا السخرية ومتهما بالتبعية للحكومة وتوجهاتها.
وصفة الاصلاح تقول ان البرلمان هو الذي يشكل الحكومة من خلال الاحزاب الممثلة تحت قبته. لكن الأحزاب حاليا وفي السنوات الماضية ليست افضل حالا من الحكومة والبرلمان ولا تحظى باهتمام كثير من الناس في المجتمع الذي تغلب عليه الانتماءات العشائرية والمناطقية.
التعديل الوزاري الجديد لن يأتي بجديد ما دام الوزراء يعيّنون دون سبب معروف ويقالون دون الخضوع للمساءلة لا في البرلمان ولا حتى في اطار المنظومة القضائية عن الأخطاء او التقصير الذي ارتكبوه.
الاصلاح لن يأتي بين يوم وليلة ولكن لا بد من اتخاذ خطوة أولى جادة وصادقة تساهم في تبديد حالة الاحباط العامة المزمنة تجاه التحول الديمقراطي الحقيقي في الدولة التي تحتفل بمرور مئة عام على نشوئها وتصف نفسها دائما بأنها "دولة قانون ومؤسسات".