إيران على طريق مجهولة

الولايات المتحدة عزمت أن تملي بالقوة ما كانت تسعى أن تتوصل إليه عن طريق المفاوضات وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنها وصلت هي الأخرى إلى طريق مسدودة.

بعد الضربات العنيفة التي تلقتها إيران من قبل الولايات المتحدة صار واضحا أن أيّ عودة إلى الوراء لن تكون ممكنة.

ما تطلبه الولايات المتحدة لا يقل عن إعلان إيراني بالاستسلام والذهاب إلى مفاوضات، شرطها الوحيد التخلي عن أيّ رغبة في الدخول إلى النادي النووي.

من الطبيعي أن ترفض إيران ذلك الطلب وهي التي هددت باستهداف المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة إذا ما شاركت الولايات المتحدة في الحرب.

وعلى الرغم من ذلك التهديد فإن إيران لم تكن تتوقع أن تتلقى منشآتها النووية قصفا أميركيا مباغتا. كان لديها أمل في الأسبوعين وهما المهلة التي حدد الرئيس دونالد ترامب سقفها الزمني. وهو ما اعتبرته خدعة.

بعد القصف الأميركي تجد إيران نفسها على طريق مجهولة. لا ثقة لها بالوساطة الأميركية من أجل التهدئة مع إسرائيل. ولا ثقة لها أيضا بأن يقوم وسطاؤها بالتدخل لدى الولايات المتحدة من أجل وقف التصعيد.

لقد عزمت الولايات المتحدة أن تملي بالقوة ما كانت تسعى أن تتوصل إليه عن طريق المفاوضات. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنها وصلت هي الأخرى إلى طريق مسدودة.

وهنا ينبغي أن نفرق بين الحساب الإسرائيلي والحساب الأميركي في هذه المسألة الحساسة. فهما ليسا حسابا واحدا كما تحاول الدعاية الإيرانية أن تصوره.

كانت لدى إسرائيل مخاوف مشروعة من البرنامج النووي الإيراني. تجلت تلك المخاوف في الحرب السيبرانية التي شنتها في سنوات سابقة من أجل إيقاف ذلك البرنامج أو على الأقل تأخيره.

أما أنها وقد اندفعت إلى الحرب المباشرة فإن ذلك لم يقع إلا بتأثير الصدمة التي أحدثتها هجمات السابع من أكتوبر 2023 التي كانت إسرائيل متأكدة من مسؤولية إيران عنها وبالأخص بعد مشاركة حزب الله في إطار مبدأ وحدة الساحات الذي وضعته إيران برنامجا لتكامل عمل ميليشياتها في إطار ما تسميه بـ"المقاومة الإسلامية".

ذلك هو الحساب الإسرائيلي، أما الحساب الأميركي فإنه يتعلق بميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط. لقد وُهبت إيران زمنا طويلا للاسترخاء فاستغلته في اتجاهين. في توسيع نفوذها وتثبيت تمددها في المنطقة أولا وثانيا في تطوير وتحصين مشروعها النووي وصولا إلى تخصيب اليورانيوم إلى الدرجة التي تؤهلها لإنتاج السلاح النووي. ذلك ما أشعر الولايات المتحدة بالخطر الذي كان نتيجة لكسلها وإهمالها وتواطؤ عدد من السياسيين الأميركان.

ضربُ إيران ومشروعها النووي كان ضروريا بالنسبة إلى الطرفين ولكن لأسباب مختلفة. ولكن السؤال الذي سيكون بمثابة صناعة مصير هو "ما الذي تجده إيران ضروريا لكي تتمكن من البقاء، نظاما سياسيا ومشروع نفوذ وبرنامج تسلح؟"

إيران التي كانت في أوقات سابقة تفلت من المواجهة في آخر لحظة وضعها مزاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في موقف محرج. أن تضربها إسرائيل فذلك أمر متوقع ومقدور عليه أما أن تُضرب من قبل الولايات المتحدة فذلك معناه أن المواجهة صارت أكبر من قدرتها على التحمل. لإيران خبرة مشاركة في حرب العراق.

صحيح أن العراق يوم حدث الغزو الأميركي عام 2003 كان دولة ضعيفة عسكريا وممزقة اجتماعيا ومنهارة اقتصاديا، غير أن القوة التي استعملتها الولايات المتحدة في تدمير العراق كان في إمكانها أن تدمر مئة دولة شبيهة به. لذلك فإن إيران لن ترغب في الدخول إلى ذلك الامتحان الصعب. وهو امتحان لن تخرج منه سالمة وبالأخص على مستوى نظامها السياسي الذي هو وصية الخميني.

إيران التي يقودها علي خامنئي هي نظامها السياسي الحاكم فإذا سقط ذلك النظام فإن شيئا منها لن يبقى. ذلك يعني أن أكثر من خمس وأربعين سنة من شعارات الصمود والمقاومة ستذهب هباء والأهم من ذلك أن الحلم باستعادة المكانة الإمبراطورية سيتحول إلى مجرد وهم. ولكن ذلك كله لا يعني أن إيران قررت الانتحار دفاعا عن مبادئ الخميني. لقد اعتمدت إيران دائما على سياسة ذرائعية، تقدم المنفعة على المبادئ. ذلك ما يجعلها اليوم تتأخر في ردود أفعالها بالأخص في ما يتعلق بالصراع مع الولايات المتحدة. وما ردها الرمزي باستهداف قاعدة العديد في قطر إلا محاولة للتذكير بأنها لا ترغب في التصعيد. ذلك لأن القاعدة سبق وأن تمّ إخلاؤها كما أن إيران أخبرت قطر مسبقا بموعد القصف الصاروخي. وهو ما فعلته عام 2020 يوم أخبرت الولايات المتحدة بأنها ستقصف قاعدة عين الأسد في العراق.

لقد وضعتها الضربات الأميركية على طريق مجهولة. صار واضحا بعد الضربات الأميركية أنها لن تتفاوض إلا مع عدو وهو عدو مصمم على تركيعها وإجبارها عل القبول بشروطه التي تنسف جهود أكثر من خمس وأربعين سنة وتحرق التريليونات من الدولارات.

إيران اليوم وهي في طريقها المجهولة حائرة بين أن تسدد ثمن حربها على العالم أو تحافظ على نظامها السياسي بشرط أن تتخلى عن حلمها الإمبراطوري.