استراتيجيات الإعلام الغربي في 'عقول خفية'

المؤلف خالد غازي يحذر في كتابه العرب من الحروب النفسية وحروب الجيل الخامس، ويطالب بصحوة علمية.

أصدرت وكالة الصحافة العربية (ناشرون) بالقاهرة 2024، كتاب "عقول خفية... استراتيجيات الاعلام والحرب النفسية" للدكتور خالد محمد غازي، ويقع الكتاب في 297 من القاطع الكبير، ويتميز بأنه يحتوي على شرح القواعد الأساسية لعمليات التأثير في الآخر عبر الإعلام؛ لصناعة التحول الجماهيري سياسيا واقتصادي وعسكريا وثقافيا، ويشير المؤلف إلى أن الحروب النفسية التي تشنها القوى المعادية ضد الدولة الوطنية؛ عادة ما تستهدف العقل، وتتسم بالمزواجة بين توظيف التكنولوجيا واستخدام الوسائل السيكولوجية والمعنوية وأساليب الدعاية، للتأثير في معنويات المتلقي، أو بهدف تغيير اتجاهات الفرد أو الجماعة، وعندما يقتنع المستهدفون بما يزرع في عقولهم من قناعات، تحدث الهزيمة، ويتغير السلوك، حيث تشعر الجماهير بأنه لا جدوى من الاستمرار في المواجهة وأن الاستسلام هو الحل. ويأتي ذلك من خلال ما يعرف بالقتال المعنوي، الذي يستهدف الفكر والعقيدة والثقة والشجاعة والمشاعر، كما أن الحروب النفسية تتسم بأنها حرب دفاعية وهجومية لمواجهة نفس الوقت.

أسلوب الهجوم على الخصم:  يقوم  الغزو الثقافي على الدعاية التي تخلق إحساسًا بأن الآراء التي يتم اعتناقها نابعة من القناعات الشخصية، دون أن يدرك الفرد أنها تأثرت صناعية، وعادة ما يلجأ القائم بعملية الاستهداف بالاعتماد على استراتيجية معينة؛ لضمان وصول الرسالة بشكل فعال، حيث يقوم المرسل، أو القائم بالاتصال، بصياغة الرسالة وما تحتويه من الأفكار، حتى تمر إلى وجدان المستقبل بسهولة، وبعد ذلك تتم دراسة ردود الأفعال ومدى الاستجابة، وهذا يمكن صناع الاستراتيجية من تصحيح الطريقة التي يتم به بث المحتوى، وإزالة كافة أنوع التشويش أو العوائق؛ التي يمكن أن تعرقل وصول المضمون إلى الفرد أو الجماعة. وتتباين الدعاية بحسب الأنظمة السياسية والأيديولوجية المختلفة في العالم، ويمكن أن تستخدم لأغراض إيجابية أو سلبية، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام المعلومات الصحيحة لرفع الوعي حول القضايا الاجتماعية المهمة، كذلك يمكن أيضًا استخدامها في نشر المعلومات المضللة.

فن تغير القناعات الفردية: يعتمد هذا الفن على التأثير على أفكار الأفراد أنفسهم، وتغييرها بطرق غير أخلاقية، وهذا أسوء ما تمارسه الدول الغربية عندما تقوم بتجنيد العملاء بهدف هدم الهوية بالدول العربية.  حيث يقوم المهاجم بالتلاعب النفسي على عدة محاور أهمها: التضليل، والإيهام، والتلاعب بالمعلومات، والتحكم في الوعي؛ لإقناع المستهدفين بأفكار معينة. وهذا الأمر من أكثر أساليب الحرب النفسية خطورة، حيث يتم إلغاء الإرادة وتجاهل تأثيرات العقل.

 كما أنه يمكن غسل الأدمغة عن طريق الدروس والمحاضرات، والتعبئة العاطفية، وتقديم المكافآت والتحفيز، أو الإرباك، والإيحاء والتلقين باستخدام الشخصيات المؤثرة، حيث تقود كل تلك الوسائل إلى زرع الأفكار الجديدة في عقول الأشخاص المستهدفين. وهذا يختلف عن عمليات الاختراق القائمة على الجانب النفسي، لأن الاختراق يعتمد على المحاكاة والجدل والإقناع.

وتقوم الدعاية المؤثرة على إجراء دراسة دقيقة للعادات والخصائص والميزات الفردية لكل شخص يتعين التأثير فيه؛ ثم بمداعبة العواطف الفطرية لدى الإنسان، مثل الخوف والجوع؛ بوصفها من أقوى طرق التأثير على الجمهور. حيث يتم بناء الاستراتيجيات الدعائية على تعويض القصور في الأحكام العقلية، وخاصة أن الفرد يعيش متأرجحًا بين الخيارات، مما يجعله غير قادر على اتخاذ القرار النهائي. ومن هنا تنطلق الدعاية إلى ترجيج بعض الآراء في عقول الناس، من خلال الاعتماد على تحفيز العواطف والتوجيه نحو الاستجابة المرغوبة، يتحقق الهدف.

الحقيقة نقطة انطلاق الدعاية جيدة: ومن خلال التكرار، يتم استخدام بعض الحقائق؛ لبناء منظومة الدعاية الناجحة، وذلك بشرط اختيار التوقيت المناسب لبث الرسالة، حيث يجب على الداعية ألا يفوت فرصة استغلال أي حدث ذو أهمية، حتى لو كان هذا الاتجاه يتعارض مع توزيع الزمن الذي خطط له كجزء من استراتيجيته. وتتنوع أساليب الدعاية حسب ثقافة ومهنية القائمين عليها، ومن أساليبها الإقناع المنطقي لإقناع الجمهور بالفكرة، أما الأسلوب الاحتيالي، فهو يعتمد على استخدام الإيحاء والتلاعب بالمشاعر والعواطف، وقد يتضمن استخدام معلومات زائفة، ويمكن استخدام الضغط النفسي أو الاجتماعي لتحقيق هذا النوع من التأثير، أو استخدام المال.

وتتنوع الموضوعات التي يحاول الخصوم نشرها على الساحة الدولية، أو بالعالم العربي، كما أن الدعاية السياسية؛ تمثل قمة الهرم في عمليات الغزو الثقافي، لأنها تبث بتكتيك محكم ومدروس من قبل أي طرف يريد تغيير السلوك الجماعي لتحقيق أهداف محددة. وفي حال فشل التأثير الناعم على الآخر، وعادة ما يتم ممارسة الحرب النفسية، التي تسبق العمليات العسكرية بهدف إضعاف معنويات قوات العدو وإزالة رغبتها في القتال، مما يدفع الجيش نحو الاستسلام.  أما الاتجاه الآخر لاستخدام مبادئ علم النفس فهو ذو طابع تحفيزي، يستخدم إما لترويج الجهود العسكرية أو لرفع الروح المعنوية للجيش المهاجم.

تطوير الحروب الحديثة: لم تتوقف الدول الكبرى التي توصف نفسها بأنها ديمقراطية، عن نشر الدعايات والحروب النفسية المضللة بكافة المجالات.  وتتميز الحروب السيبرانية بأنها تسعى إلى احتلال العقول، وخلق تناقضات بين الدولة والمجتمع، باستخدام العنف غير المسلح والهجمات الإلكترونية، بهدف استنزاف الدول، وتخريب المؤسسات الاقتصادية؛ مثل محطات الكهرباء، وغيرها، وقد تصل قيمة الخسائر إلى مئات المليارات من الدولارات.

وتمثل عملية إغراق دولــة معينــة بالمخــدرات، وسيلة مادية لتدمير النسيج المجتمعي بها، وقد انتقلت بعض الدول الكبرى من مرحلة استخدام القوة الصلبة التقليدية، إلى مرحلة التهديدات باستخدام أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة النووية، ومثال ذلك التهديدات النووية بين روسيا وحلف الناتو باستخدام هذه الأسلحة منذ بدأ الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

ويتطلب الأمن القومي العربي ضرورة مسايرة التطورات التكنولوجيا الجديدة؛ بهدف تحليل الوضع والظروف التي يجب التعامل معها، من خلال دراسة المستهدفين وثقافتهم، ووضع الخطط لإدارة الحرب النفسية المضادة، وتحديد الخطوات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، والرسائل الاستراتيجية التي تريد الدولة إيصالها، وذلك من خلال أدوات التواصل مع الشعوب، كالإعلام، والإنترنت، والفنون المختلفة، وعلى المدى المتوسط تمثل التنمية الشاملة، ومكافحة الفساد الإداري، من أهم أدوات متخذ القرار في حماية الوطن.