استراتيجية الحكومة العراقية وتكتيكاتها حيال الأكراد بعد أحداث 16 اكتوبر 2017

يقوم الأكراد من كبوة تلي أخرى ليبدأوا من جديد السير على طريق الاستقلال.

يعد احتلال كركوك من قبل الجيش العراقي بقيادة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني بالتعاون مع خونة من الكرد يوم 16-10-2018 نقطة تحول كبيرة في استراتيجية الحكومة العراقية المناهضة للكرد، تلك السياسة التي تبنتها الحكومات العراقية السابقة أيضاً. ومن ابرز مميزات هذه الاستراتيجية بعد عملية الاحتلال تلك السعي وبشكل صارخ لاسيما في الايام والاسابيع الاولى التي تلت العملية الى محو الكيان القومي الكردي ومصادرة كل الحقوق القومية والحريات الديمقراطية في كردستان وفي مقدمتها حرية التعبير عن الرأي والحق في اجراء الاستفتاء واستطلاعات الرأي بعد أن هالها (الحكومة العراقية) تصويت اكثر من 93% من شعب كردستان في الداخل والخارج لصالح الاستقلال وتأسيس الدولة الكردية، علماً ان بغداد لم تعارض استفتاء مماثلاُ جرى في كردستان يوم 15-12-2005 حين صوت 98% من سكان الاقليم لاجل الاستقلال لكردستان. وفي الاستفتاءين فان الشعب الكردي لم يحد عن مطالبته بالاستقلال. وعندي ان اصراره على الاستقلال سيبقى من الثوابت في مطالبه القومية المشروعة ولن يحيد عنها.

لقد استغلت الحكومة العراقية استفتاء الاستقلال للهجوم على الشعب الكردي وقواه السياسية المطالبة بالاستقلال بحيث خيل للبعض، ان اقدام الكرد على استفتاء الاستقلال كان السبب فيما حل بهم من نكسة في 16 اكتوبر 2017 من غير أن يراجعوا امرين وهما: لماذا لم تقدم الحكومة العراقية على مهاجمة شعب كردستان وكيانه الديمقراطي يوم 15-12-2005 عندما صوت كما اسلفنا 98% وفي استفتاء عام اجري في اليوم نفسه للانتخابات العراقية؟ ولماذا لم يؤخذ بنظر الاعتبار حجب الحكومة العراقية رواتب موظفي كردستان وقبل ذلك حجب الرواتب عن البيشمركة عام 2007 وتهربها طوال الفترة وما يزال بين 2005 و2018 من تطبيق المادة (140) والتطبيع في المناطق المتنازع عليها واجراء الاحصاء السكاني؟

مما لايخفى على احد ان العلاقات بين بغداد واربيل ظلت متوترة منذ عام 2005 وبلغت حد التفكير بالانسحاب من الحكومة ومقاطعة العملية السياسية من جانب الكرد، ما يعني ان استراتيجية بغداد للقضاء على المكاسب القومية للكرد كانت سابقة على استفتاء يوم 25-9-2017 وأنها كانت تتحين الفرص طوال الاعوام الماضية للهجوم على الكرد، واستخدمت وسائل كثيرة لاضعاف الكرد وخلق اسباب انهياره من الداخل الكردي. وتراكمت الاسباب غير المباشرة للهجمة على الكرد خلال الاعوام الماضية الى ان حل السبب المباشر، الاستفتاء، والذي كان متوقعاً ان يفضي الى احد احتمالين: اما استقلال كردستان وقيام الدولة الكردية؛ أو دخول الكرد في نكسة كبيرة وقمع من جانب بغداد ضده، ولأسباب داخلية كردستانية وعلى راسها خيانة نفر من الكرد وعدم جدية اطراف كردية اخرى في اسناد مشروع الاستقلال. اضافة الى الموقف غير العادل لبعض من الاطراف الدولية من اصحاب القرار وبالاخص الولايات المتحدة، فان الكرد واجهوا نكسة كبيرة على غرار النكسات الكبيرة الاخرى التي المت بهم في الماضي، منذ اغتيال جمهورية كردستان في نهاية الاربعينات من القرن الماضي وفيما بعد اغتيال ثورة ايلول الكردية 1961 – 1975 في اذار عام 1975 وفيما بعد ايضا عمليات الابادة (الانفال) وتدمير القرى.. الخ والتي اضعفت الكرد وقواه السياسية كثيراً، واخيراً النكسة التي واجهها الكرد في 16 اكتوبر 2017. واذا كان الكرد قد تجاوزوا النكسات الثلاث قبلها، فانهم يقيناً سيتجاوزون نكسة اكتوبر ايضاً بل وتجاوزوها كما سنرى وعلى اعدائهم عدم اغفال هذه الحقيقة وهم منغمسون في مؤامراتهم على الكرد ويواصلون هجمة 16 اكتوبر باشكال مختلفة هي اشبه ما تكون بتكتيكات متعددة ضمن استراتيجية ثابتة لا يبدو أنهم يفكرون بالتخلي عنها.

سقوط الشاه في ايران عام 1979 افشل القضاء على الحلم الكردي المشروع في ايران بعد اغتيال جمهوريتهم واعدام القاضي محمد، وشهدت الساحتان السياسية الكردية والايرانية بعد عام 1979 نهوضاً سريعاً للقوى السياسية الكردستانية التي تمتعت اضافة الى اجنحتها السياسية، بأجنحة عسكرية ايضاً. وفي جنوب كردستان ردت انتفاضة الشعب الكردي في اذار 1991 بقوة على نكسة ايلول حين عمت مناطق كردستان كافة وحققت فيما بعد مطلباً اهم من الحكم الذاتي، الا وهو الفيدرالية. وعلى صعيد تدويل القضية الكردية يكفي ان نعلم ان التحالف الدولي برئاسة اقوى دولة في العالم وقف الى جانب الكرد وقام بحمايته في حدود خط العرض الـ 36 وبفضل ذلك قام في كردستان نظام فيدرالي ديمقراطي راح بمرور الايام يحظى باحترام العالم كافة ومثلما تجاوز الشعب الكردي وقواه السياسية نكسات جمهورية كردستان ونكسة ثورة ايلول 1975 وفيما بعد نكسات الثمانينات من القرن الماضي: الانفال، ازالة القرى الكردية، الحرب بالسلاح الكيمياوي، المقابر الجماعية، التعريب.. الخ. وكما رأينا فانه يتجاوز ايضاً وبسرعة مذهلة نكسة اكتوبر 2017، وتمثل تجاوز النكسة بفوز الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الرئيس مسعود البارزاني بانتخابات 12-5-2018، اذ بالرغم من الهجمة الظالمة على الكرد والبارزاني طوال الشهور المحصورة بين اكتوبر 2017 ومايو 2018 والتي اوحت بان الكرد والبارزاني وحزبه مقضي عليهم ولن تقوم لهم قائمة، الا ان الحزب تقدم على جميع الاحزاب الكردية وعلى احزاب عراقية ايضاً في انتخابات مايو 2018، ولولا العراقيل التي وضعت امامه قبل الانتخابات وبعده لكانت المقاعد التي فاز بها تفوق الـ 25 مقعداً.

بعد نكسة اكتوبر لجأت بغداد وجماعات من الكرد ايضاً، ويا للأسف، الى الشماتة بحق البارزاني وحزبه والتهجم عليهما واعتبارهما سببا للنكسة تلك، واذا بحزب البارزاني يسجل تفوقاً ملحوظاً في الانتخابات الأخيرة وفي استطلاعات الرأي ايضاً قبل الانتخابات. يذكر انه وبعد نكسة سبتمبر 1975 شمتوا ايضاً بالبارزاني والديمقراطي الكردستاني وكانت شيمتهم واطلقوا مصطلح "اشتبه تال" بحقهما وفيما بعد رأينا كيف ان الشعب والحزب والبارزاني ردوا على شماتتهم وشتائمهم (اشتبه تال) وارهاب الدولة العراقية حين فاز p.d.k باكثرية الاصوات في اول انتخابات برلمانية كردستانية جرت في 19-5-2018 حين فاز p.d.k باكثرية القاعدة وامتد فوزه الى الانتخابات البرلمانية اللاحقة سواء على صعيد كردستان او العراق وتصدر في جميعها نتائج الانتخابات كما فاز الرئيس مسعود البارزاني بجميع انتخابات رئاسة الاقليم. لقد الغيت نتائج انتخابات الخارج التي اكتسح فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني جميع الاحزاب العراقية والكردية في الخارج وكان مقدراً له الفوز باصوات الالوف من النازحين الكرد والموصليين ايضاً لولا الدسائس التي مورست ضده للحيلولة دون احرازه لتفوق مذهل، ولقد كان متوقعاً حسب استطلاعات الرأي العربية (منظمة الرافدين...الخ) والكردية (معهد كردستان) ان يكون حزب البارزاني في المقدمة في اقليم كردستان في انتخابات ايار، ما يعني، ان الاتهامات بالتزوير لا تشمله، واستطلاعات الرأي افضل دليل على ذلك. ان تجاوز الكرد لنكسات: جمهورية كردستان، ثورة ايلول حملات الابادة في التمنيات من القرن الماضي واخيراً نكسة اكتوبر يجب ان يعطي درساً لجميع الذين يعتقدون أنه بامكانهم القضاء على الكرد، وان النكسات مؤقتة وانها اشبه ما تكون بسحابة صيف وان الشعب الكردي وبعد كل نكسة ينهض على قديمه ليحقق مكاسب اضخم واكبر، ونحن اليوم بانتظار الفوز بمكاسب كبيرة بعد النهوض في انتخابات ايار، ذلك الفوز الذي رد بجدارة واقتدار على نكسة اكتوبر.

على حكام بغداد نبذ الحلم بالقضاء على الكرد وطلائعه وقيادته التاريخية والغاء استراتيجية معاداتهم بل والغاء التكتيكات التي تعتمدها هذه الاستراتيجية والتكتيكات كثيرة منها:

  1. ملاحقة مسؤولين كرد في كركوك مثل د. نجم الدين كريم محافظ كركوك السابق وريبوار طالباني رئيس مجلس محافظة كركوك مسؤولين اخرين من امثال العميد سرحد قادر.. الخ.
  2. الكف عن احياء التعريب السيء الصيت، هذا التعريب الذي بدأ بشكل لافت بعد احداث 16 اكتوبر.
  3. صرف رواتب الموظفين في الاقليم وكذلك رواتب البيشمركة وتوزيع الاسلحة بعدالة على القوات المسلحة وبالاخص البيشمركة الذين ما زالوا جزءاً من منظومة الدفاع العراقية.
  4. التخلي عن معاداة حكومة وشعب الاقليم التي تتمثل في سياسات نفطية جائرة والوقوف على الضد من الاتفاق مع شركة روسنفت الروسية النفطية.
  5. السماح للبيشمركة بالعودة الى المناطق المتنازع عليها كافة فهي التي حمت تلك المناطق بما فيها كركوك من احتلال داعش.
  6. فتح الطرق بين مدن الاقليم والمناطق الوسطى من العراق.
  7. الكف عن معارضة حكومة الاقليم والحزب الديمقراطي الكردستاني بالتوجه الى قوى كردية تشكلت حديثاً وبمعاونة بغداد طبعاً. لأن شق الصف الكردي لا يخدم ليس القضية الكردية فحسب بل القضية العراقية برمتها.