تقليص الوزراء والوزارات أم قادة الأحزاب ومقراتها

أساس الفساد في العراق هو الأحزاب وقادتها وأعضاؤها المتنفذون.

صدق محمد الدراجي وزير الأعمار العراقي السابق عندما قال: "البرلمان عبارة عن خليط من السياسيين والقتلة ولا وجود للبرلمانيين 328 بل البرلمان يدار من قبل 9 أشخاص فقط." وقبل اطلاقه لتصريحه الجريء هذا والذي شجعني على كتابة هذا المقال، ما تردد عن تقليص عدد الوزارات في العراق واقليم كردستان إلى 11 وزارة للأخير والذي لا يشك فيه اثنان ان الهدف من وراء تقليص الوزارات يأتي بدوافع مالية واقتصادية عبر تخفيض المصاريف وغيرها من الأمور المتعلقة بها. ما يعني ان العلة في عدد الوزارات والوزراء، في حين انها تكمن اصلا في الأعداد الكبيرة لاعضاء القيادات العليا في الأحزاب المسماة باللجان المركزية أو المجالس القيادية..الخ من التسميات.

أعود إلى الدراجي واقول: اذا كان 9 من البرلمانيين يتحكمون بالبرلمان العراقي والبقية منهم اشبه ما يكونون بالادوات (لا يحلون ولا يربطون) وتتلخص مهمتهم "برفع اليد وتنزيلها، فماذا عن الآخرين؟

سأضيف إلى ما ذكره الدراجي. ففي رصدي للبرلمانيين الكرد من اعضاء التحالف الكردستاني والذي بلغ عددهم نحو 60 نائبا على وجه التقريب في كل دورة برلمانية، فان نحو7-8 منهم فقط كانوا يناقشون ويقترحون في جلسات البرلمان، او يتحدثون فيما يشبه بالنشاط اللاصفي المدرسي، الى وسائل الاعلام خارج البرلمان. وظلت هذه الظاهرة ملازمة للدورات البرلمانية كافة، ناهيكم من انه لم يسجل اي تحرك ميداني لاعضاء البرلمان ومن جميع المكونات الاجتماعية كأن يزوروا ابناء الشعب في احيائهم وقراهم ومحلات عملهم للوقوف على معاناتهم.

إن ما جعلنا نقف على برلمان هزيل وفاشل ومزور مرده تدني ثقافة وشخصية البرلمانيين واسباب اخرى. ولنكن اكثر صراحة. ان هذا الوضع المزري والميئوس منه كان وما يزال للوضع السيئ والميؤس منه في الأحزاب وعلى وجه الخصوص في اللجان القيادية العليا والمتوسطة والقاعدية. ففي الاحزاب العراقية نجد ظاهرة القلة المتحكمة بالاحزاب صارخة للغاية. فمن بين اكثر من 50 قياديا في اللجنة المركزية أو مجلس القيادة الحزب، فإن ما نرى هي قلة جد قليلة ترسم سياسة الحزب وتصوغ قراراتها أو تبرز في اللقاءات التلفزيونية والأذاعية والصحفية. وتكاد القلة المتحكمة بالاحزاب تتمثل بالمكاتب السياسية للأحزاب الذين يبدون وكأنهم طبقة متميزة داخل الحزب. وكما ان معظم البرلمانيين ذوي ثقافات متدنية وجهلة، فان القول نفسه يسري على قيادي الاحزاب كذلك. اذ نادرا ما تجد بحثا او دراسة او تصريحا لافتا لهم في الاعلام بل ان بعضا منهم لا يكلف نفسه حتى مشقة قراءة صحيفة حزبه المركزية. ولو لم يكن معظم قادة احزابنا جهلة لما قبلوا بهذا الكم الهائل من الاعضاء مع فقدان النوعية بينهم، مع ما يترب على الظاهرة من تخصيص رواتب ومخصصات ضخمة لهم ومن أموال الشعب والدولة طبعا.

أدرك بعض من قادة الاحزاب منذ زمن هذه الحقيقة المرة. فالرئيس مسعود البارزاني مثلا وعد باجتثاث الفاسدين ليس في حكومة الأقليم فحسب انما داخل حزبه ايضا. وقبل ايام نعت القيادي البارز في الاتحاد الوطني الكردستاني كوسرت رسول على، قياديين في حزبه بالطفيليين ودعا إلى طردهم من الاتحاد. والحالة نفسها تجدها في الاحزاب العراقية الكبيرة دون استثناء.

عليه والحالة هذه فان التفكير بتقليص عدد اعضاء اللجان المركزية في الاحزاب يجب ان يتقدم على التتفكير بتقليص عدد الوزراء والوزارات ونواب الوزراء او قادة الدولة، والا فان عواقب وخيمة تنتظر خزينة الدولة العراقية والاقتصادية. واذكر ان القانوني الكبير طارق حرب في معرض تناوله لرواتب اعضاء البرلمان كان قد نبه إلى ذلك قبل أعوام. لقد فات حرب امر القادة الحزبيين وعبئهم المالي على خزينة الدولة اذ انهم يحالون على التقاعد بدرجة وزير أو مدير عام أو مستشارين على ملاك الدولة. فتصور العبء المالي الناجم عن احالة اعضاء البرلمان على التقاعد بعد كل دورة انتخابية وتصور ايضاً العبء نفسه لاحالة القادة الحزبيين على التقاعد بعد كل 4 سنوات أو مؤتمر. اضافة إلى ما ذكرت فان مقرات الاحزاب الكبيرة داخل المدينة الواحدة أو المحافظة الواحدة اضعاف مقرات الدوائر الخدمية للوزارات. لهذا يجب إزالة العلة في الاحزاب أولا ثم تتبعها الوزارات والبرلمان. فالعلة انتقلت من الاحزاب إلى البرلمان والوزارات وفي مقال سابق لي قلت أن الحزب رأس الفساد كونه يعين الفاسدين من قادة الدولة واعضاء البرلمان.

لن تستقيم العدالة وامور الحكومة ولن ينقذها تقليص عدد الوزراء والوزارات طالما ان قيادات الاحزاب تكون في منأى عن التفليص وكذلك المقرات الحزبية ان المرء لا يسعه إلا ان يتألم ويرثى لحال الشعب حين يتحكم به هذا الكم الهائل من الجهلة الحزبيين والحكوميين.

اوقفوا هذا الاستهتار بمقدرات الشعب. اوقفوا المهازل الضاحكة على ذقون الشعب. اوقفوا هدر المال العام.