موجة جديدة قديمة من المشاريع السياسية والتنظيمية للحيلولة دون الانهيار الحتمي للعراق

ماذا فعل 350 حزبا في العراق لكي يمكن أن يفعله تنظيم جديد يحمل الرقم 351 مهما كان مسماه أو من يقف من خلفه؟

في المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم 24-2-2019 للدكتور أياد علاوي رئيس حزب ائتلاف الوطنية العراقية، ورد ان العراق والمنطقة يعيشان حالة من الفوضى والانقسام. هنا لا يسعني الا ان أوافقه على ما قاله وعلى أن داعش في مرحلة انهيار بدأت ملاحمها. لكني اخالفه بقوة في كيفية مجابهة ما ينتظر العراق والمنطقة في اقتراحه تشكيل تنظيم جديد باسم "المنبر العراقي" الذي قال عنه انه ليس حزباً بل كيانا يتحالف مع كيانات ومنظمات واسعة لم يذكرها بالاسم، يتألف منها المنبر العراقي. ومن بين الشخصيات المنضمة الى المنبر وائل عبداللطيف وهو شخصية مرموقه طبعاً، غير ان علاوي شاء أم أبا فان المنبر الذي دعا اليه، حزب أو يكون ظلاً وواجهة لحزبه وربما لاحزاب اخرى تشاركه المسعى وفي تقييم للمنبر العراقي جاء "انه يهدف الى اصلاح النظام القائم في العراق وبناء مؤسسات الدولة!" في وقت لايحتاج فيه العراق الى مزيد من الاحزاب بعد أن تم تسجيل اكثر من 350 حزباً ومنظمة سياسية لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قبل اجراء الانتخابات البرلمانية العراقية يوم 12-5-2018.

لا أريد أن احكم بالموت على المنبر العراقي مثلما حكم عليه السياسي العراقي عزت الشابندر وهو مصيب واقول ان غاية نبيلة تقف وراء دعوته للمنبر العراقي مثلما هي دعوته للمصالح الوطنية التي كمشروع لم يكن يتعدى مشروعاً سياسياً. وليس الدكتور علاوي وحده صاحب مشروع سياسي ويدعو منذ ما يقارب العقد ونصف العقد وبين فترة واخرى، انما هناك اخرون من اصحاب المشاريع السياسية منهم الشيخ جمال الضاري (المشروع الوطني) وخميس الخنجر (المشروع العربي) والسيد عمار الحكيم (التسوية السياسية) والدكتور غسان العطية (موطني).. الخ من المشاريع التي ولدت جميعها ميتة واثبتت فشلها ولم يهتم بها أحد وكأنها لم تكن.عليه فان التوجه لإيجاد وتأسيس تنظيمات جديدة يعد استمراراً وتتمة للمشاريع الخاطئة العقيمة تلك وتؤكد فشل الاحزاب وسياساتها التقليدية في العراق. واستغرب من البون الشاسع بين المشاريع التي ذكرتها وبين الدعوات لتأسيس تنظيمات جديدة. فالمصالحة الوطنية طرحت كمشروع في صيف عام 2003 مثلاً وطرحت المشاريع الاخرى في اوقات متفاوتة.

ان التخبط الفكري والسياسي المتمثل في المشاريع التي ذكرتها كان لا بد ان يجد انعكاساً له في الحياة الحزبية والتنظيمية في العراق، مع توقعي في أن يحذو اصحاب المشاريع تلك حذو د. علاوي في السعي لتأسيس تنظيمات جديدة على غرار المنبر العراقي وان يتحول المسعى الى ظاهرة تجعلنا امام تخبط وتمزق جديدين في حياتنا السياسية والحزبية. اذ تزامنا مع دعوة علاوي دعا رائد فهمي سكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي في ندوة اقيمت له في المانيا واخرى في فرنسا الى "اعادة نشاط التيار الديمقراطي" بعد أن ساق المبررات نفسها للدكتور علاوي، حين قال "باحتمال وقوع انفجارات شعبية لا يمكن السيطرة عليها" و"أن القوى المدنية والديمقراطية مبعثرة".

كلاهما، د. علاوي ورائد فهمي، ومعهما اصحاب المشاريع التي نوهت اليها في محاولاتهم ينطلقون من الاخلاص للشعب والبلاد بلا شك. وغالباً ما نجد المشاريع والصيغ التنظيمية براقة جذابة ولكن السذاجة والجهل تحيطان بها على الضد من المصلحة الحقيقية للشعب والبلاد. ونرى في مساعيهم الدوران في فلك لم يأتِ بجديد. واذكّر الاثنين علاوي وفهمي واصحاب المشاريع السياسية، انهما تأخرا كثيراً في الاعلان عن مسعاهما الخطأ. فقبل اكثر من عامين تردد ان بعضهم عمل جاهداً على تأسيس تنظيم عابر للطائفية، وكأن التنظيمات القائمة جميعها طائفية أو عنصرية وتعليقاً مني على ذلك قلت في حينه وكررت القول بأن الباحثين عن صيغة لعبور وتجاوز الطائفية قد ينجحون في ايجاد وصنع صاروخ عابر للقارات والمحيطات، الا انهم اعجز ما يكون عن تاسيس تنظيم عابر للطائفية. لقد سقطت المشاريع التي تقدموا بها وسقطت الاحزاب الـ 350 التي شكلوها كأحزاب ظل وواجهة والتي تلاشت، تلاشي فقاعة الصابون. واتوقع المصير نفسه للمنبر العراقي وللتيار الديمقراطي، وكل الافكار على غرارهما، ولا شك ان كل حزب ظل أو واجهة، يؤسسه هذا الطرف أو ذاك، حزب كارتوني مزيف لن يحقق اي هدف للحزب الام أو الموجه. واذا تعذر على الاحزاب الام تحقيق تغيير في الواقع السياسي للعراق فان احزاب الظل والواجهة الكارتونية ستظل اعجز عن تحقيقه.

هل فاز حزب الظل أو الكارتوني طوال الاعوام الماضية ولو بمقعد واحد في البرلمانين العراقي والكردستاني؟ وبالكثرة، فأن هذه الاحزاب تثقل كاهل خزينة الاحزاب الام. وأضيف ان احزاب الظل بما فيها المنبر العراقي ستكرس الاحباط في النفوس وتعمق من الفساد والتزوير وهي من اشكال الفساد.

يكفي ما لدينا من احزاب ومشاريع سياسية، واذا اراد السياسيون العراقيون الوصول الى حل ينهي المعاناة العراقية، اشير عليهم أولاً واخيراً يتبني حق تقرير المصير للشعوب العراقية، الكرد والسنة والشيعة واقامة ثلاث دول مستقلة محل الدول العراقية القسرية وليعلموا انه بدون هذا الحل فان كل شاريعهم السياسية والتنظيمية مالها السقوط ومزبلة التاريخ، وان اي مشروع سياسي وتنظيمي يتقدمون به لن يساوي فلساً اذا خلا من هذا الحل.