اسرار استخدام النساء في المخابرات الروسية

موسكو - من فياتشيسلاف لاشكول
مخرجو السينما لم يذهبوا بعيدا عندما صوروا مغامرات عميلات المخابرات

عند الحديث عن اعمال الاستخبارات الخاصة فان بعض الاختصاصيين يؤكدون بان الاستخبارات ليست شأنا نسائيا. واذا حصل على سبيل المثال استثناء فان ممثلات الجنس اللطيف تلعبن فقط دور "الفخ اللذيذ" حيث تستخدمن من اجل اغراء "الحاملين" لاسرار دولة او اسرار عسكرية.
وهذا الرأي يدحضه كتاب فلاديمير انطونوف وفلاديمير كاربوف "النساء في الاستخبارات" الصادر عن دار النشر الروسية "غيا ايتيروم" والذي كتب على اساس مواد سرية لجهاز الاستخبارات الخارجية الروسية.
ويفتتح الكتاب بنبذة عن ناديجدا بليفيتسكايا المغنية الروسية الشهيرة للاغاني الشعبية والرومانسية. وكانت تتمتع بعلاقات واسعة في طبقة المجتمع العليا كما انها كانت في الوسط المقرب من القيصر نيكولاي الثاني. وبعد الثورة في روسيا انتقلت الى فرنسا ومن هناك ومع زوجها الجنرال نيكولاي سكوبلين كانت تنقل الى المفوضية الشعبية لوزارة الداخلية معلومات غير رسمية عن الخطط العسكرية للضباط الروس المهاجرين.
وبسبب مشاركتها في اختطاف رئيس الاتحاد العسكري العام الجنرال يفغيني ميللر التي نظمتها المفوضية اعتقلت لجنة مكافحة التجسس الفرنسية بليفتسكايا وحكمت عليها بالسجن لمدة 20 عاما مع الاشغال الشاقة. وبعد احتلال الالمان لفرنسا اعدمها الغستابو (وهو البوليس السري الالماني).
ومن بين المخبرين السريين كيتي هاريس البريئة المظهر. فبعد انتقال الفاشيون الى السلطة في المانيا اقامت علاقات مع اكثر العملاء في الاستخبارات السوفيتية الخارجية تقديرا. ومع اتقانها الفائق لاساليب العمل السري واكتشاف المراقبة والاساليب الاستخباراتية الاخرى فقد غيرت عشرات الاسماء ونفذت اكثر المهمات خطورة في الدانمارك والسويد وفرنسا والمكسيك والولايات المتحدة الاميركية. وشاركت في العديد من العمليات لنقل النماذج الجديدة من الاسلحة الحديثة وخرائط التقنيات العسكرية من روما الى موسكو.
وقد داهمتها الحرب الوطنية العظمى وهي في الاتحاد السوفييتي. وفي23 حزيران عام 1941، اي في اليوم التالي لبدء هجوم المانيا النازية على روسيا، كتبت تقريرا الى قائد الاستخبارات الخارجية السوفييتية: "يمكنني العمل على اللاسلكي في الجبهة او خياطة بذات الجنود وبالنهاية لدي خبرة غير قليلة في العمل السري ولا اخشى الذهاب الى مؤخرة العدو".
الا ان الامر جاء بشكل مغاير, فقد عهد اليها بالعمل على جبهة اخرى في المكسيك حيث القي على كاهلها مسؤليات نقل الوثائق المشفرة, ونفذت هذه المهمات الخارجية ايضا بنجاح.
اما مهمة الدولة الفائقة الاهمية التي نفذتها "ناديجدا" في ايطاليا، واسمها الحقيقي يلينا تشيبوراشكينا، فكانت الوصول الى الاراضي الايطالية. وقد تزامنت مع بداية "الحرب الباردة" . فالاراضي الايطالية كانت احدى الساحات الاساسية للعمل العسكري الاميركي في اوروبا الغربية, فمن هناك اعدّ البنتاغون لتوجيه ضرباته النووية الى الاتحاد السوفييتي.
ومع عملها في روما ولمدة طويلة وصلت الى 15 عاما، وهذا يعتبر مدة طويلة بالنسبة لعميل خارجي وحتى لرجل، فان "ناديجدا" اضحت افضل الاختصاصيين بايطاليا وباماكن تمركز القواعد الاميركية وقواعد الناتو عليها. ولم يحن الوقت بعد للحديث عن العديد من العمليات التي شاركت فيها وخاصة وانها بعد عودتها من روما واصلت الخدمة في احدى وحدات الاستخبارات الخارجية المغلقة.
ويسوق مؤلفي الكتاب لتقييم من احد قادتها الذي وصف يلينا بانها شخص يتمتع بـ "الارادة الفولاذية, والصرامة الحديدية والمراقبة الذاتية غير المعقولة".
كما ان هناك شخصية اخرى من شخصيات الكتاب التي حازت على وسام الاشارة الحمراء هي غوار فارتانيان, وهي زوجة الاستخباراتي المشهور, بطل الاتحاد السوفييتي غيفورك فارتانيان.
فقد ذكّر المؤلفان بتفصيل مثير من الحياة العائلية لهذا الزوجي: فقد اعلنا زواجهما ثلاث مرات, مرتان اعلنا زواجهما في الكنيسة في الخارج لان الامر احتاج الى ذلك وفق "الاسطورة". ومرة في الوطن وفق القوانين السوفييتية وحتى ان الاوراق حول تقليدهما الاوسمة كتبت باسماء اخرى بداية وفقط بعد عودتهما النهائية الى الوطن وضعت كل الامور في نصابها.
وحتى الان فان جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية كشف عن عملية واحدة فقط من عمل الزوجي الذي طال لمدة طويلة في عملية مكافحة الاستخبارات لضمان انعقاد قمة طهران لزعماء الدول الكبرى المشاركة في التحالف المناهض لهتلر. وفي الكثير وبفضلهما وبفضل فريقهما تم تجنيب وقوع عملية "القفزة الطويلة" التي خططت لها الاجهزة الامنية الهتلرية والتي كانت تستهدف اغتيال ستالين وتشرشل وروزفلت خلال لقائهم في طهران في عام 1943.
وبعد ذلك قام الزوجي بعمل مثمر طويل في الاستخبارات في دول متعددة من العالم, وانتهت اعمالهم منذ زمن غير بعيد نسبيا.
والزوجي فارتانيان ما زال حيا يرزق حتى الان وقد حضرا حفل تقديم كتاب "نساء في الاستخبارات" الذي كتب ليس فقط مع معرفة دقيقة لعمل الاستخبارات بل ومع الاحساس العميق والاحترام للاشخاص من اصحاب هذه المهنة الذين يعتبر عملهم الخارجي السري مفخرة لبلادهم.