الآثار الاقتصادية لقرارات السيد علاوي

تخفيض قيمة الدينار العراقي خيار سهل للمالية العراقية، لكن تداعياته كبيرة على ركود السوق.
خفض قيمة الدينار له أثار مدمرة على الاقتصاد العراقي
القوة الشرائية لمحدودي الدخل وركود الأسواق فرضا حالة من الاحتجاج الصامت أمام القرارات الحكومية المالية

استوحيت فكرة عنوان هذا المقال من دراسة بعنوان "الآثار الاقتصادية لقرارات السيد تشرشل"، كتبها الاقتصادي الشهير جون مينارد كينز ردا على قرارات ونستون تشرشل السياسي البريطاني المعروف حينما كان وزيرا للخزانة البريطانية.

في سنة 1925 أراد تشرشل أن يعيد الجنيه الإسترليني إلى قاعدة ارتباطه بالذهب، وتحديد سعر الصرف إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، بعد أن تخلت بريطانيا عن سعر الصرف مقابل الذهب في زمن الحرب العالمية الأولى، ويرى الكثير من الباحثين الاقتصاديين أن سياسة تشرشل المالية والاقتصادية هي من تسببت بالكساد العالمي العظيم عام 1929 والذي استمر حتى 1939، وسطع بعدها نجم  كينز الذي أدار عجلة الاقتصاد وأنهى عصر الركود والكساد عبر طروحاته الاقتصادية المعروفة، والتي أثبتت فيما بعد نجاعتها وصحتها.

بعد هذه المقدمة البسيطة، لا أريد هنا أن أقارن نفسي أو أُشبهها بالسيد كينز (استغفر الله)، أو حتى أقارن وزير المالية العراقي علي عبدالأمير علاوي بوزير الخزانة البريطاني تشرشل (حاشاه للسيد علاوي!)، إنما غايتي أن أقدم خلال هذه المقالة الآثار المالية والاقتصادية لقرارات حكومة الكاظمي ووزارة المالية في إجراءاتها الأخيرة حول موازنة 2021 والقرارات المرتبطة بها.

الآثار المالية والاقتصادية لقرار خفض قيمة الدينار أمام الدولار

  • ازدياد حالة الركود الاقتصادي للأسواق العراقية بقطاعاتها المختلفة والتي باتت واضحة للمراقب.
  • تزايد التضخم بالأسعار المنعكس على جميع الأفراد، والذي من الممكن أن يثقل على فئات عديدة من المجتمع ويعرضها إلى خطر المجاعة، التي كشف برنامج الأغذية العالمي في تقريره الأخير عن تعرض ما يقارب عشرة ملايين عراقي إلى خطر المجاعة إثر التحديات الاقتصادية والمالية التي يواجهها العراق، ويقصد بالمجاعة مستوى دخل الفرد الذي لا يوفر له كامل احتياجاته من السلع الغذائية بصورة مستدامة، بمعنى آخر أن يكون دخل الفرد الشهري أقل من مستوى خط الفقر والذي يعادل تقريبا 120 ألف دينار شهريا.
  • النفقات الحكومية الإضافية والمعونات التي يمكن أن تُفرض على الحكومة لتلبية احتياجات الطبقات الهشة، والتي قد تكون من 3 إلى 10 ترليونات دينار سنويا.
  • النفقات المفروضة على الحكومة لتغطية طلبات التعويض للشركات التي تنفذ مشاريع لصالح الحكومة (6450 مشروعا) والتي تقدربـ 120 ترليون دينار ويتطلب تعويضها ما يعادل 30 ترليون دينار على مدى ثلاث سنوات بواقع 10 ترليونات دينار سنويا.
  • نفقات أخرى قد تواجهها الحكومة نتيجة تضخم الأسعار الذي ينعكس سلبيا على نفقاتها الجارية المتمثلة بالنفقات الخدمية والسلعية.. الخ، والتي سوف تزداد بمعدل 25 بالمئة أي ما يقارب من 5 - 10 ترليونات دينار سنويا.
  • من الممكن أن يتقدم أعضاء البرلمان بمطالبة رئاسة الوزراء بتطبيق قانون موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لسنة 2008، والذي يفترض في المادة 3 ثانيا: لمجلس الوزراء تعديل مبالغ الرواتب المنصوص عليها في جدول الرواتب الملحق بهذا القانون في ضوء ارتفاع نسبة التضخم لتقليل تأثيرها على المستوى المعيشي العام للموظفين، والتي تفرض أن يعدل السلم الوظيفي للموظفين بالزيادة نتيجة الآثار التضخمية التي افترضها البنك المركزي بما يعادل 12%، أي بمعنى آخر يمكن أن تزداد قيمة الرواتب السنوية المنفقة حكوميا بمقدار 8 ترليونات دينار سنويا، إذا ما طبقت هذه المادة.

كل هذه الآثار المالية والاقتصادية والتي من الممكن أن تزيد من نفقات الدولة بمجملها بما يقارب 30 ترليون دينار سنويا في مقابل فروقات سعريْ الصرف لا تتجاوز 10 - 12 ترليون دينار سنويا، أي بمعنى آخر، قد تخسر الحكومة ما بين 18 - 20 ترليون دينار سنويا نتيجة هذا الإجراء.

تغيير جديد قادم في سعر الدولار، والاستقرار على نحو 1300 دينار للدولار الواحد

تجري هذه الأيام مشاورات عدة حول إعادة النظر بسعر بيع الدولار في البنك المركزي العراقي بعد أن شهدت هذه السياسة سلبيات عديدة باتت ملموسة وواضحة، وإن إعادة النظر بسعر الدولار المباع وتحويله إلى 1300 دينار للدولار الواحد، هي إحدى الخيارات المطروحة الآن في نقاشات الحكومة والبنك المركزي والبرلمان.

فرضت القوة الشرائية لمحدودي الدخل وركود الأسواق حالة من الاحتجاج الصامت أمام القرارات الحكومية المالية، وغيرت من معادلات قوة وسلطة الاحتكار، فعلى الرغم  من مرور ما يزيد عن شهر على قرار الحكومة برفع سعر بيع الدولار، إلا أن سعر الدولار في أسواق البورصة المحلية لم يصل إلى عتبة السعر الحكومي المفروض إلا في اليومين السابقين خلافا لكل التوقعات، بالرغم من امتلاك الحكومة والبنك المركزي قوة وسلطة الاحتكار للعملة الصعبة، وحالة التعويم التي شهدتها الأسواق المحلية العراقية بمعزل عن دولار الحكومة!

وقد استطاع الدولار المملوك للتجار والمصارف والأفراد أن يغطي متطلبات السوق بالكامل، وفي اعتقادي أن ظروف السوق الحالية قادرة على أن تمارس مزيدا من تداول العملات (الدولار والدينار) بعيدا عن حاجتها لدولار البنك المركزي ولمدة 6 أشهر قادمة تقريبا، بمعدل ملياري دولار شهريا والتي تمثل تقريبا حاجة السوق القصوى في ظروف الركود الحالية.

إن انخفاض مبيعات البنك المركزي من العملة الصعبة بنسبة تقارب من 90 - 95% في جلسات مبيعاته الأخيرة للأسابيع الثلاثة الماضية، يعد من أهم المؤشرات المالية والاقتصادية التي من الممكن الركون إليها لدراسة حالة السوق ومستويات الركود فيه.

وإن انخفاض المبيعات على هذا النحو الكبير قد يكون هو السبب الرئيس للحكومة والبنك المركزي لإعادة النظر بسعر الدولار المباع من البنك، وإن من الضروري للحكومة والبنك المركزي إعادة إحياء سوق بيع الدولار الرسمي، لإنعاش دورة الحياة المالية والنقدية لمؤسسات الدولة لتكون قادرة على تمويل التزاماتها الإنفاقية وعلى رأسها نفقات الرواتب لموظفي الدولة والقطاع العام، والتي تقارب من 6 - 7 ترليونات دينار شهريا، في حين يعجز البنك المركزي اليوم عن بيع ما يعادل 100 - 200 مليون دولار شهريا، والتي تعادل 145 - 300 مليار دينار ولا تغطي شيئا يذكر أمام التزامات الحكومة الشهرية.

إن البنك المركزي لا يستطيع أن يقاوم توفير تمويل مستدام للحكومة من العملة الوطنية لأكثر من شهرين متتاليين من دون العودة لتنشيط سوق مزاد العملة، ولكل الأسباب التي تم ذكرها أعلاه فإنني أجد خفض سعر بيع الدولار بالمستقبل القريب خيارا إجباريا، على الحكومة والبنك المركزي إقراره، خيارا فرضته قوى السوق واليد الخفية لآدم سميث، وإن أي مزايدة سياسية واستعراض سياسي قبل قرار التخفيض القادم ما هو إلا لأجل الاستعراض السياسي والانتخابي فقط.