الأذان في تركيا بين البعد الديني والتوظيف السياسي

في تركيا التي تضم سكانا غالبيتهم الساحقة من المسلمين فيما تعتمد نظاما علمانيا، ساهم إضفاء الطابع السياسي للأذان في جعلها مزعجة للبعض، في وقت أعطى فيه أردوغان الذي بنى أكبر مسجد على تلة تشامليجا في اسطنبول وحوّل كنيسة أيا صوفيا السابقة إلى مسجد عام 2020، بعدا سياسيا بارزا للصلاة.

أدرنة (تركيا) - في يوم صيفي، يتنافس خمسة مؤذّنين في داخل المسجد القديم الذي أُنجز بناؤه سنة 1414 بمدينة أدرنة التركية، للوصول إلى نهائيات مسابقة لأفضل مؤذن، في بلد بات فيه النداء إلى الصلاة يأخذ أحيانا بعدا سياسيا.

ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2003 كرئيس وزراء بداية، شُيّد رجب طيب أردوغان نحو 15 ألف مسجد جديد في مختلف أنحاء تركيا، أحدها في ساحة تقسيم الشهيرة باسطنبول التي تمثل رمزا لتركيا العلمانية ونُظمت فيها سنة 2013 احتجاجات مناهضة للحكومة لم يسبق لها مثيل.

وأعطى أردوغان الذي بنى كذلك أكبر مسجد في تركيا على تلة تشامليجا في اسطنبول، وحوّل كنيسة أيا صوفيا السابقة إلى مسجد عام 2020، بعدا سياسيا بارزا للصلاة.

وفي ليلة 16 يوليو/تموز 2016 التي جرت فيها محاولة للانقلاب على السلطة، حضّ أئمة ومؤذنون من نحو 90 ألف مسجد في تركيا عبر مكبرات الصوت الخاصة بالمآذن، المسلمين المؤمنين على صد الانقلابيين، في خطوة تلت ظهوراً للرئيس التركي عبر تطبيق "فايس تايم".

ويقول مفتي أدرنة "أدركنا في تلك الليلة القوة التي تتمتع بها الأذان فبفضلها دعينا الشعب للنزول إلى الشوارع وأنقذنا البلاد" من محاولة الانقلاب.

ويتهم أردوغان الذي سيسعى لإعادة انتخابه رئيسا في يونيو/حزيران 2023، خصومه برغبتهم في إسكات المساجد. وقال في مناسبات عدة "لن يتمكّنوا من إسكات الأذان!"، مع أنّ هذه الخطوة لم تبرز في أي من برامج الأحزاب السياسية.

وفي تركيا التي تضم سكانا غالبيتهم الساحقة من المسلمين فيما تعتمد نظاما علمانيا، ساهم إضفاء الطابع السياسي للأذان في جعلها مزعجة للبعض.

ويشير إرول كويمن وهو طالب ما بعد الدكتوراه في علم موسيقى الشعوب في جامعة شيكاغو، إلى "شعور سائد لدى العلمانيين بأنّ مستوى صوت الأذان ارتفع منذ محاولة الانقلاب، في إطار محاولات تجريها السلطة الحالية لتغيير المساحات العامة".

ويضيف الباحث الذي تولى إعداد دراسة عن دور الأذان في صدّ محاولة الانقلاب الفاشلة سنة 2016، أنّ هذه المحاولات "أدت إلى رفض متزايد للأذان (بين أوساط العلمانيين)".

ومنذ سنة 2017، تطلب مديرية الشؤون الدينية التي تتمتع بسلطة قوية من المساجد "عدم تجاوز مستوى ثمانين ديسيبيل" أثناء بث الأذان، وهو رقم يعتبر بعض الأتراك أنه مرتفع جداً، فيما يؤكد آخرون أنّ المساجد لا تحترمه.

وبعد الأمر الذي وجّهته الحكومة السعودية في السنة الماضية للمساجد بتقليص حجم مكبرات الصوت فيها إلى ثلث سعتها القصوى، بحجة تأثيرها على صحة الأطفال وكبار السن، علت أصوات في تركيا تنادي بأن تحذو بلادهم حذو المملكة.

وداخل مسجد أدرنة القديم، يعرب المفتي ألتين بوزكرت عن استيائه من إرادة البعض إسكات المساجد ويشدد على أنّ "الأذان حق شرعي!".

ويضيف "ينبغي أن يتمكّن المسلمون من الاستماع إلى الأذان على غرار المسيحيين الذين يسمعون بسهولة صوت أجراس كنائسهم".

ويتقدم أحد المنافسين في مسابقة الأذان نحو المذياع مرتديا لباسا أسود ومعتمرا عمامة بيضاء ليطلق ببطء التكبير وهو يضع يديه على أذنيه فيما يثبّت مرفقيه ليؤدي الصلاة في المسجد التاريخي.

ويدوّن أعضاء لجنة التحكيم ملاحظاتهم وهم جالسين أمام المرشحين. ومن وسط المسجد، يعلن المفتي ألتين بوزكرت الذي يمثل أعلى سلطة دينية في المنطقة، بعد نحو ساعة اسم المؤذن الذي قدّم أفضل أداء.

ويقول الفائز عبدالله عمر اردوغان (25 سنة) لوكالة فرانس برس "بدأت في تأدية الأذان عندما كنت في العاشرة من عمري خلال دروس صيفية كان يقدمها المسجد"، مشيرا إلى إبلائه اهتماما بصحة أوتاره الصوتية من خلال عدم التعرض للبرد وشرب المياه الفاترة وتجنب بعض وضعيات النوم.

وفي حال تمكّن من الفوز في المرحلة التالية من المسابقة المنوي تنظيمها في نهاية يوليو/تموز سيشارك المؤذن الشاب الذي يضع جهاز تقويم أسنان ويتمتع بلحية مقلّمة، في المسابقة الوطنية المُنتظرة في 17 أغسطس/اب والتي تكرّس أجمل صوت مؤذن من بين مئات شاركوا في مسابقات في مختلف أنحاء البلاد كانت انطلقت منذ بداية يونيو/حزيران.

وفي أبريل/نيسان، حصد مؤذنان تركيان أحدهما كان يصلي في مدينة أدرنة القديمة، المركزين الأول والثاني في مسابقة مماثلة بُثت عبر التلفزيون ونُظمّت في السعودية بمشاركة مؤذنين من 80 دولة.

ويظهر في مقطع فيديو نشره الفائز في اليوم الذي أعقب إعلان نتائج المسابقة، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو يهنئ الفائز قائلا له "ليحمِك الله".