الألوان والأرقام والأشباه الأربعون

لماذا سجادة المشاهير حمراء، ولون ثياب الجراح خضراء في غرفة العلميات؟ لماذا يتفاءل البعض بالرقم سبعة أو عشرة؟ لماذا يتشاءم الناس من الغراب ويتفاءلون بالحمامة؟
ميسلون هادي
القاهرة

للأربعين حكاية معروفة مع الصداقة والتآلف مع الناس، فمن عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم. أي أن عليك أن تجالس الآخر أربعين مجلساً حتى تتمكن من معرفته معرفة كاملة ومن ثم الحكم عليه بالكرم والصدق والأمانة، أو البخل والكذب والخيانة... ولا يمكن التوصل إلى ذلك الاّ بعد صحبته وامتحانه أربعين مرة.. لِمَ ننتظر أربعين يوماً؟ يبدو أن للأمر علاقة بوصيتين: الأولى التأني في المصاحبة ومعاشرة الناس، والثانية الحث عليها بعد استكشاف الآخر وامتحانه ومعرفة سجاياه، وللأربعين حكايات أخرى مع مأثورات التراث الشعبي ففي عزاء الميت، الأربعون يوماً تعني خلاص النفس من فورة الحزن، وفي "النفاس" تعني طهارة المرأة تماماً بعد الولادة، أما عندما تقول تلك الشفاهيات الشعبية: "يخلق من الشبه أربعين" فهذا مالم أجد له تطبيقاً على أرض الواقع.
شخصياً لم أقابل حتى الآن شبيهة لي من الشبيهات الأربعين، فهل قابل أحدكم شبيهاً له من الأشباه الأربعين؟ وإن حدث ذلك فأغلب الظن إنه لن يكون إلا في حدود أصابع اليد الواحدة، وليس أكثر من ذلك، فهل المقصود بالشبه هو الشكل الداخلي للإنسان من الطباع والسجايا، وليس الشكل الخارجي له من الملامح والتقاطيع؟  أم لعل المقصود أن نفسك تتلون بعدد أربعين مرة خلال عمرك؟  فيكون لك أشباه عديدون داخل هذه النفس. ألم يقسم الله (سبحانه وتعالى) في سورة القيامة بالنفس اللوَامة؟ وما النفس اللوامة غير تلك التي تخطئ وتلوم نفسها على الخطأ؟  فتتغير إلى نفس أخرى أجمل وأكمل، فياله من قسم عظيم.

أربعينات مقدسة

المعروف أيضاً أن التحنيط عند الفراعنة كانت مدته أربعين يوماً، والخل لا ينضج إلا بالأربعين، عندما تتخلق فيه الديدان وتجعله يختمر، وقديماً كان بيان حمل المرأة لا يتحدد إلا بعد أربعين يوماً، وبعض القوانين تكرّس دستورياً سن المرشح لرئاسة الجمهورية وهو 40 سنة كحد أدنى. وبعض الجامعات في الماضي كجامعة السوربون في باريس كانت تشترط سن الأربعين لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة والرياضيات، وهذه السن تغيرت الآن في الكثير من القوانين لأن العقل أصبح يتطور ويكتمل في سن أبكر مما عليه في أيام خلت لا تعرف عجائب التكنولوجيا وإلزامية التعليم. صيام الفصح عند المسيحيين أربعون يوماً، ولم تكن فترة الصوم قبل الفصح محدّدة حتى القرن الرابع، ولكن مع تنصير الإمبراطوريّة، حُدّدت بـ40 يوماً فكانت اقتداء بالأربعينات المقدّسة لموسى وإيليا وخاصّة يسوع.

بلوغ العقل أشده

الأربعون عند العرب هو عمر النبوة، وقد تلقى الرسول الأعظم (ص) الوحي وعمره أربعون سنة، ففيه بلوغ العقل أشده ووصول الانسان إلى قمة عطائه ونضجه وكماله. وفي سورة الأحقاف يقول الله تعالى:  "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين".
تقول العرب أيضاً إن أقصى أبيات القصيدة العادية أربعون بيتاً، ومازاد على ذلك تسمى مطولة، وكمال العمر في أربعين سنة، وكمال الدعاء في أربعين مرة، ويقولون أيضاً: إن المرأة تكتم الحب أربعين سنة، ولا تكتم البغض ساعة واحدة، ويتكرر الرقم أربعون في الشفاهيات والمرويات والملاحم أيضاً، كما في "ألف ليلة وليلة" وبعض الأعمال الأدبية كرواية "الغرف الأخرى" لجبرا إبراهيم جبرا، حيث هناك أربعون غرفة تتناوب الظهور بشكل سريالي، يبدو أن للأمر علاقة بكون هذا العدد يتسم بالاعتدال والمعقولية، فماهو أدنى منه (قليل جداً) وماهو أعلى منه (كثير) وهو الرقم الذي يتجاوز الشهر قليلاً، فيعتدل دون بخس أو غلواء.. وحول أصوله الرافيدينية يقول الدكتور فوزي رشيد في كتابه "ظواهر حضارية وجمالية من التاريخ القديم": إن النصوص المسمارية التي تعود بتاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد لم تحتو ضمن مضامينها على أي إشارة واضحة إلى مكانة هذا العدد، ولكن الدراسات الخاصة بعظام الكائنات الحية قد خرجت بتيجة مثيرة جداً، حيث تبين من دراسة عظام عروس الزواج المقدس، التي عثر عليها في المقبرة الملكية بأور،والتي كانت تسمى بشبعاد ثم أصلح اسمها إلى "بو آبي"، أن عمرها عندما قدُمت عروساً للزواج المقدس كان أربعين سنة.وهذا العمر يلفت الانتباه ، حسب رشيد، ويذكرنا بخديجة زوجة الرسول (ص) حيث كان عمرها كذلك أربعين عاماً عندما تزوجها النبي.كما يشير إلى استعمالات أخرى للعدد أربعين كحرب البسوس وداحس والغبراء وسنوات التيه للنبي موسى عليه السلام واتباعه في صحراء سيناء وصيامه أربعين يوماً قبل أن يذهب لمقابلة ربه.

الرقم سبعة

أما الرقم سبعة فهو الآخر حكايته حكاية، فاليوم السابع، هو يوم الإستواء على العرش بعد خلق الأرض في ستة أيام، والطواف حول الكعبة يتم في سبعة أشواط، والسعي أيضاً في سبعة أشواط، والقمر يمر بأربع مراحل كل واحد منها تسمى طوراً ومدته سبعة أيام. السماوات سبع، والأرضين سبع. ألوان الطيف الرئيسة للضوء سبعة، حسب تسلسلها في قوس قزح: اللون الأحمر من الخارج، ثم البرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق، فالأزرق الغامق (نيلي) فالبنفسجي من الداخل.. عدد قارات الأرض سبع.. والمحيطات سبعة.. وأيام الأسبوع سبعة، وأول من قسمها على هذا الشكل هم البابليون، ومن الواضح أن أطوار القمر هي التي دفعتهم إلى هذا التقسيم، فهندسة الكون تتناغم مع حياة الإنسان بشكل يتكامل مع هذه الطبيعة، وفي هذا التناغم ينسب للإمام علي (ع ) قوله:

"وتحسب أنك جرم صغير

 وفيك انطوى العالم الاكبر".

ويقال إن الشعب البريطاني هم الأكثر إيماناً بيوم الحظ، يليهم الإيطاليون واليونانيون والأسبان، كما أن الكثيرين لاسيما في العالم الغربي يؤمنون أن الرقم "7" هو رقم الحظ، وفي هذا يقول عالم الاجتماع المختص بتاريخ الأديان فريدريك لينوار: "إن الاعتقاد بأن الرقم "7" يجلب الحظ يعود إلى مئات السنين قبل ولادة السيد المسيح وأصله ينبع من علم الفلك، فالكواكب السبعة المعروفة ترمز إلى كمال النظام الكوني، وهذا مانجده في المعتقدات القديمة في الصين وحضارة بلاد ما بين النهرين التي سبقت الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام."

من الملاحظ أيضاً أن درجات السلم الموسيقي سبعة: صول لا سي دو ري مي فا ثم بعد المقام السابع يأتي جواب الصول من جديد.. فلا نجد بعد المقام السابع الرقم 8 وإنما نعود إلى سبع درجات أخرى وهلم جراً،  وكذلك تدور الإلكترونات حول نواة الذرة في نطاقات سبعة، والجنين لا يكتمل إلا في الشهر 7 وإذا ولد قبل ذلك يموت. وفي الامثال الشعبية يقول الناس "سبع صنايع والبخت ضايع" للدلالة على أهمية هذا الرقم وقوته التعبيرية.ويشير الدكتور فوزي رشيد "ظواهر حضارية وجمالية من التاريخ القديم" إن إنسان بلاد الرافدين  فضل الأسبوع الواحد على الاسبوعين لحساب فترات الراحة التي يحتاجها الجسم، إذ وجد أن طاقة جسم الانسان لاتحتمل العمل المتواصل اسبوعين وهي الفترة التي يستغرقها القمر للتحول من الهلال إلى البدر.

كما تشير مصادر أخرى إلى اعتقاد العراقيين القدماء ان للشياطين "الاوتوكو" سلطانا وقوة على البشر لأن اغلب الشياطين هم أولاد الآلهةحيث كانت هذه الالهة تستخدمهم لمعاقبة البشر عند العصيان، وكان هناك سبعة من الجن المبعوثين من قبل الاله "انو" لالحاق الاذى بالبشر ولذا كانوا يخافونهم ويتقون شرهم، وقد حاول كهنة بابل السيطرة عليهم والتخلص من تأثيرهم بوضع " ام سبع عيون" على المواقع المهمة لديهم كوسائد أو ثياب الاطفال،أو مداخل الدور، وهي مثقوبة بعدد هؤلاء الجن كي لا يستطيع أحد منهم الاستيطان والبقاء فيه.
وتصفهم النصوص البابلية السرية كالاتي:
إنهم حاملوا عرش الالهة
إنهم شر وكل الشر
إنهم سبعة وسبعة
الأول ريح الجنوب الحارة على شكل تنين
الثاني تنين فاغر الفم
الثالث: نسر ثائر
الرابع: حية مرعبة
الخامس: أسد هائج
السادس: كبش مدرب
السابع: عاصفة ريح لا ترحم

وتميزت تعويذة ام سبع عيون باللون الأزرق ذو المدلولات الدينية في الفكر العراقي القديم، لأنه لون يحمل مدلولات رمزية للعراقيين القدماء "ترميزا لانعكاس لون السماء على ألماء".

ولذا توارث العراقيون اللون اللازوردي، وبعده ما ندعوه الطابوق الكربلائي بلون السماء لفعله السحري في طرد الجن. ومن معتقداتهم القديمة أيضاً أن عيون الجان والأرواح الشريرة زرقاء اللون، ولذا تعلق الأمهات خرزا زرقاء حول رقبة الاطفال أو باب الدار.ومن التراث السومري تأتينا الصولجانات المزينة ببروزات يسبعة "الهراوة ذات العيون السبعة"، رغم ان الرقم سبعة سومرياً يشير للكثرة ليس إلا.

الرقم أربعة

هناك أعداد أخرى يشير لها الدكتور فوزي رشيد في كتابه المذكور فيقول إن الأربعة تشير الى جهات العالم الأربع، أما الثمانية فكانت تشير علامتها في الكتابة المسمارية الى كلمة "إله" وهذه العلامة هي أصل النجمة الثمانية التي ترمز للجهات الرئيسة والفرعية للعالم.وعندما أسكن الملك نبوخذنصر اليهود في المناطق المحيطة ببابل، فقد تبنوها بعد أن حسنوها برسمها على شكل مثلثين متعاكسين الواحد فوق الآخر.

كما يجد العدد تسعة نادر الاستعمال الا فيما مايتعلق بأشهر الحمل..ولهذا يرد ذكره في الفردوس السومري، حيث تكون فترة الحمل تسعة أيام بدلاً من تسعة أشهر في جزيرة دلمون.ويعتبر الدكتور فوزي رشيد الرقم إثناعشر مستحقاً للحسد لما يمتلكه من ميزات، ولهذا أصبح عدداً يتفاءل به البشر ويفضلونه على باقي الاعداد،إذ كان هذا العدد مع العدد خمسة سبباً في معرفة النظام الستيني المستخدم في الحساب لدى الرافيدينين وذلك لما يتمتع به من مرونة وإمكانية تقسيمه على عدة جزاء دون باق..كما يتطابق مع عدد أشهر السنة القمرية.. ومن استعمالاته الكثيرة عدد ساعات الليل وساعات النهار وعدد أسباط اليهود وعدد حواريي المسيح وعدد آلهة الأولمب بالإضافة الى معادلتها لوحدة الدزينة في التجارة. وعلى العكس من هذا الرقم يعتبر العدد أحد عشر عدداً عقيماً ولا يبشر بالخير، لأنه لايقبل القسمة إلا على نفسه.

تمائم ووجوه وحدوات حصان

ليست الأرقام وحدها هي موضوع للتفاؤل أو التطير أو جلب الحظ، إذ نجد ان البعض يستعين على الحظ بالتمائم والخرز وحدوات الخيول والتعاويذ، والبعض يستبشر ببعض الوجوه، ويتشاءم من البعض الآخر، وقد يتلافى ملاقاتها بداية الصباح لئلا تجلب له الحظ السيئ، والنساء خاصة يعتقدن بوجود الحظ في مسائل حياتية كبيرة كالزواج والطلاق والمسكن "فالدنيا حظوظ"، برأيهن و"من جاور السعيد يسعد"، ولذلك يدخل الحظ الى بعض البيوت ليقيم فيها ويخرج من بعضها من دون رجعة، ألم تسمعوا بالمثل القائل "جباه وعتبات"؟ والذي يعني ان بعض الوجوه تجلب الفأل الحسن وبعض العتبات تجلب الحظ والخير الوفير، وهذا المثل، وإن كان يبدو نوعا من خرافات العجائز، له تفسيره العلمي الذي يقول أن الوجوه مرايا للنفوس تنعكس عليها صفات الخير أو الشر، أما العتبات فقد تبين أن الموقع الجغرافي لسكن الإنسان له تأثير كبير على الجسم والروح، وكذلك تفعل منازل القمر ودورة النهار والليل، فضلا عن الإيقاعات الكونية الأخرى. فهل هناك فعلاً وجه منحوس وبيت متعوس؟؟.

الطاقة وألوان الحديقة

ان كلمة "يوتيبيا" التي ترمز إلى المدينة الفاضلة تعني باللغة الاغريقية "المكان الذي لا يوجد" فأين نجد ذلك البيت الذي يخلو من المشاكل، والوجه الذي يخلو من الاحزان، مما يعني أن وجود الحظ في بعض الوجوه قد لايعني صفات الفرح والسعادة فقط وإنما تلك الكيمياء التي تجعل أصحابها ينسجمون مع أشخاص معينين دون غيرهم على طريقة الفسيفساء التي تكمل زيادات القطعة الاولى فيها نقصانات الثانية، فتتعشق القطع فيما بينها وتتماسك، اما بالنسبة للبيوت ففضلا عن الموقع الجغرافي من الريح والشمس، يمكن لألوان البيت وجماليته وأناقة أثاثه أن تؤثر على الحالة النفسية للساكنين فيه، وفي الحدائق تفعل ألوان الورود المفعول نفسه فتحفزك ذهنياً وبصريأ وتمدك بالمتعة والطاقة والراحة النفسية.

 وحسب د. ماريا سايمنسون فإن الاستمتاع بتشكيلة كبيرة من ألوان الحديقة الزاهية سينشط عقلك ليصل لمستويات جديدة من النشاط. كلما زادت الألوان في حديقتك، وزاد استغلالك لذلك بقضاء الوقت فيها، زاد معدل التحفيز الذي يتلقاه دماغك، ولعل من أكثر متع العناية بالحدائق فائدة هو منظر تشابك وتناغم الألوان المختلفة للأزهار، كما أن الخبرة الحسية الناشئة عن الاستمتاع بثمرة مجهوداتك من الممكن أن تجعلك تشعر بالنشاط والسعادة. يقول خبراء الذاكرة إن الألوان الدافئة في الحدائق مثل درجات الاحمر، والبرتقالي، والأصفر الغامق، والقرمزي الفاتح والأحمر الضارب الى الأرجواني "الفوشيه" تحفزك ذهنياً وبصرياً أكثر من الألوان الهادئة. أما اللون الأصفر فيستطيع أن يرفع من روحك المعنوية ويشعرك بالسعادة والتفاؤل، بينما ظهر أن اللون الأحمر يرفع ضغط الدم، ومعدل التنفس، ومعدل ضربات القلب، لذلك يكون من المستحسن  وضعه مع ألوان أخرى سواء في الحديقة أو المزهرية ... وللحصول على أفضل تأثير، يمكن أن تمزج الأحمر والأصفر لعمل توليفة تمدك بالطاقة.

ويقول الدكتور فوزي رشيد إن اللون الأحمر يرمز لليقظة والإنتباه، ولهذا يستخدم على سجادات استقبال الملوك والرؤساء، بينما يرمز الأخضر للأمان لأرتباطه بالزراعة والخير الوفير، ولهذا يلبسه الجراحون في غرفة العمليات.. ويرمز الأصفر للإنذار ولهذا يوضع بين الأخضر والأحمر في الترتيب على لوح إشارات المرور.. ومن الطريف ذكره في كتاب"ظواهر حضارية وجمالية من التاريخ القديم" هو أن اللون البنفسجي لم يكن من الألوان التي نالت أهمية خاصة في حياة الإنسان القديم، ولهذا لا يوجد له اسم خاص به بل هو منسوب الى زهرة البنفسج ولكن محبة الناس له تعني أن تلك المحبة قد حدثت في الماضي السحيق،فعلم النفس يؤكد أن أي محبة أو كره لشئ ما دون معرفة السبب، تعني ان تلك المحبة أو الكره موجودة في الماضي.

ولتوضيح ذلك يشير الدكتور فوزي رشيد أن اللون البنفسجي كان ينتج من من امتزاج اللون الأحمر باللون الأزرق وهذا الامتزاج لايحدث في الطبيعة إلا وقت الغروب..حيث تختلط اشعة الشمس الحمراء بالسماء الزرقاء وينتج منهما اللون البنفسجي..ومن هنا يمكن القول إن فترة الغروب قديماً كانت تثير في الناس الأمل بعد غروب الشمس وانتهاء فترة العمل والذهاب الى البيت للتمتع بالراحة والتخلص من عناء العمل..واختلف مع الدكتور فوزي رشيد في هذا التفسير لارتباط اللون البنفسجي بالأمل، وأجد أن غروب الشمس بحد ذاته هو لوحة ربانية فائقة الجمال تجعل من يتأملها يصاب بالذهول وهذا كاف للإعجاب بهذا اللون، حتى وإن لم يرتبط بنهاية يوم العمل والذهاب الى البيت.

الوصايا العشر

وهذا العامل النفسي يتحكم بنا بشكل غريب ويملي علينا التمسك ببعض الخيارات دون غيرها، وأذكران صديقة لي من أيام الدراسة كانت اذا ارتدت ثوباً معيناً في اليوم الأول من الامتحانات وكانت اجابتها جيدة، واظبت على ارتداء ذلك الثوب طيلة أيام الامتحانات، وأرى أن هذا الجانب ايجابي في نظرتنا الى الحظ لأن تفاؤل صديقتي بذلك القميص الذي جلب لها الحظ، يندرج ضمن الوضع النفسي المريح الذي يشعر به اللاعب الذي يختار رقماً معيناً لفانيلته، وأشهر تلك الأرقام الرقم "10" الذي يتفوق على الرقم "7" في تفاؤل الناس به، واشتهر بحمله اللاعب "بيليه" كما نجده مطبوعاً على فانيلة اللاعب الذي يحتل أهم موقع بفريقه.

إن هذا العامل النفسي قد يدفع فعلاً باتجاه النجاح، مثله مثل تسجيل الهدف الأول في المباراة، الذي يؤدي الى رفع معنويات اللاعبين ويقود الى تسجيل أهداف أخرى وتحقيق الفوز، كما تكرر هذا الرقم، الذي يتفاءل به الكثيرون، في الأثر الكريم فهناك "عشرة" من الصحابة بشرهم الرسول (ص) الجنة وهناك "الوصايا العشر" التي أوصى بها النبي موسى (ع).

ويعطي هذا الرقم ايحاءً بالكمال سواء في علامات النجاح أم في لوائح التباري والتنافس، كأن يقال مثلاً أغنى عشرة رجال أو أجمل عشر نساء في العالم. وبسبب إرتباطه بدرجة النجاح أو الكمال، فإن الساعات غالباً ما تؤشر عقاربها على الوقت "عشرة وعشرة" في جميع الإعلانات التجارية، وعلى الأرجح يعود السبب لكون عدد أصابع اليدين عشرة وكذلك أصابع القدمين، والأمر نفسه ينطبق على الرقم خمسة الذي هو عدد أصابع الكف الواحدة وعدد الحواس والصلوات التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة، ومثلما يستعمل الرقم عشرة للتفاؤل فإن للخمسة استعمالا خرافيا مختلفا لدرء الحسد (برفع الأصابع الخمسة أمام العين الحاسدة).

أما الرقم ثلاثة فبعض الناس يتفاءلبه ويعتبره رمزاً للخير والحظ السعيد،وقديماً اعتبره الفراعنة رمزاًللإلوهية متمثلاً فى اوزوريس وايزيس وحورس، وهو مقدس في الثالوث المسيحي أيضاً وكان مقدساً عند الساميين، عموماً، والعبرانيين خصوصاً. أما في القرآن الكريمفيرد الرقم ثلاثة لأغراضٍ عدة منها التأكيد والتعزير كما في قوله تعالى في سورة يس "إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ" والقسم بالله ثلاثة تعظيم وتأكيد لليمين وكفارته صيام ثلاثة أيام....وجاء في الحديث النبوي الشريف أنّ محمدّا صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له".

وأهل الكنانة يقولون "الثالثة ثابتة" لعلهم يقصدون أن الطلقة الثالثة بين الأزواج لارجعة فيها.. وأحب الأبناء إلى الوالدين ثلاثة صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يشفى وغائبهم حتى يعود..أما في الأمثال الشعبية فعندما تجتمع ثلاثة مصائب في وقت واحد يقال عن الأخيرة ثالثة الأثافي والأثافي هي المساند التي يستند عليها القدر أثناء طبخ الطعام.. كما إن المستحيلات، في التراث العربي، ثلاثة هي الغول والعنقاء والخل الوفي.

حمامة أم غراب

وكلنا يعرف الذين يتفاءلون بأيام معينة من الأسبوع كيومي الاثنين والخميس لعقد القران أو الصفقات التجارية أو السفر، لأنها أيام مباركة وفي المقابل هناك من يعتبر أياما أخرى في الاسبوع أياما ثقيلة أو منحوسة، لا يقصد فيها أحدا من أجل طلب حاجة لانه يعتقد ان مصيرها الفشل الذريع. من الجهة نفسها يقال ان بعض الفنادق الراقية من ذوات الطوابق التي يتجاوز عددها الثلاثة عشر طابقا، تعمد الى ترقيم طوابقها بحيث تقفز مباشرة من الطابق الثاني عشر إلى الرابع عشر دون المرور بالطابق الثالث عشر، وذلك لكي تتفادى ازعاج الزبون اذا ما اعطته مفتاح غرفة يحمل الرقم "13" والرواية الأكثر شيوعا عن سبب تشاؤم الناس من الرقم "13" هو أن عدد الحواريين الذين كانوا يحيطون بالسيد المسيح (ع) في العشاء الأخير هو إثنا عشر حواريا فإذا اضفنا اليهم السيد المسيح يكون عددهم، ليلة مقتله، ثلاثة عشر.. شأن هذا الرقم في الحظ، هو شأن خرافة أخرى تتمثل ببعض المناظر المنحوسة التي يتطير منها الناس مثل تطيرهم من القط الأسود أوالبوم أو الغراب، وعلى الأغلب يكون لشكل الحيوان أو صوته أو لونه دور في هذا التطير، كما ويعزى التشاؤم من الغراب الى الرواية التي تقول إن نوحاً (ع) حين بقي في اللجة أياماً، بعث الغراب فلم يرجع وبعث الحمامة فعادت اليه بالخبر السعيد، لذلك اصبحت كل خيبة يصاب بها الرسول تسمى بالغراب، وكل توفيق يصادفه بالحمامة، وبعض الناس يستفسر من أي قادم عن نتيجة عمله بسؤاله "حمامة أم غراب؟" وهي لازمة شعبية يستعملها العراقيون، تقابلها عند أهل الشام لازمة مماثلة تقول "قمحة ام شعيرة؟" وعند أهل الكنانة لازمة تقول "سبع ولاّضبع؟!!".