الإخوان.. تاريخهم العنيف ولا عودتهم مرتبطة باحترام المواطن

الجهاد عند حسن البنا: "في الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيًا روحيًا بالإيمان والعقيدة، وفكريّـًا بالعلم والثقافة، وجسميًا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني أن أخوض بكم لجج البحار واقتحم بكم عنان السماء".

بقلم: محمد وجدي

إن كافة الجماعات الإسلامية تنبثق من حركة الإخوان المسلمين التي لا تزال تدعم وتموِل الإرهاب. إنني أؤمن إيماناً راسخاً أن جماعة الإخوان المسلمين لم يكن لها أي عزم علي بناء دولة ديمقراطية في مصر، بل إنها سعت ببساطة إلي المناورة بالديمقراطية وصولاً لتحقيق مآربها الخاصة. فمما هو معلن صراحة من أعضائها أنهم متى وصلوا للسلطة فلن يتركوها .

وحتى يومنا هذا ما يزال إعلان رموز الإخوان المسلمين أن الجماعة ليست ملتزمة بالقيم الديمقراطية الغربية والتي يعتقدون أنها لا تحترم قانون الله. وبأي حال لا يمكن فهم أهداف الإخوان المسلمين الحقيقة إلا عند بحث دقيق لتاريخ العنف بالجماعة وعلاقاتها بجماعات العنف الإسلامية الإرهابية المتطرفة.

يؤسس البنا لفكرة سيادة العالم وسياسته وحكمه وأستاذيته، هذه هي مهمة جماعته ودعوة الإسلام كما يراها هو وهذه هي الرؤية التي جاءت بها كل الجماعات فيما بعد تندب نفسها لذات الأهداف لا تختلف في شيء منها سوى في طريقة التعبير عنها، لكن المضمون واحد فقط . فاللغة هي التي اختلفت.

يقول البنا تحت عنوان " الغاية أصل والأعمال فروع لها" :مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس، تلك هي الرسالة التي يريد الإخوان المسلمون أن يبلغوها للناس وأن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم وتهب لإنفاذها في عزم وفى مضاء، لم يبتدعها الإخوان المسلمون ابتداعا، ولم يختلقوها من أنفسهم".

ويتابع البنا حديثه حول مهمة جماعته التي جعلها جماعة المسلمين فيقول: "وتلك هي المهمة الاجتماعية التي ندب الله إليها المسلمين جميعًا، وأن يكونوا صفًا واحدًا وكتلة وقوة، وأن يكونوا هم جيش الخلاص الذي ينقذ الإنسانية ويهديها سواء السبيل. "

لا يتردد البنا بالتصريح عن طريقه للوصول الحكم بالقوة فيقول بمنتهى الوضوح: "وفي الوقت الذي يكون فيه منكم- معشر الإخوان المسلمين- ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيًا روحيًا بالإيمان والعقيدة، وفكريّـًا بالعلم والثقافة، وجسميًا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني أن أخوض بكم لجج البحار، واقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: "ولن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة". وقد تستطيعون أنتم معشر نواب الإخوان ومندوبوهم أن تقصروا هذا الآجل إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم، وقد تهملون فيخطئ هذا الحساب، وتختلف النتائج المترتبة عليه فأشعروا أنفسكم العبء وألقوا الكتائب وكونوا الفرق، وأقبلوا على الدروس، وسارعوا إلي التدريب وانشروا دعوتكم في الجهات التي لم تصل إليها بعد، ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل. القوة أفضل الطرق".

أما حسن البنا فقد جنى ثمرة أفكاره ورأى بعينيه جماعته وهى تنهار قبيل مقتله بعد قيام التنظيم الخاص للجماعة بأحداث قتل وحرق واغتيالات. فقُتِل هو بعد اغتيال الجماعة للنقراشي باشا فمات مقتولاً بعد أقل من شهرين من اغتيال النقراشي .

وفي يناير 1948 أعلن البوليس أنه اكتشف بمحض الصدفة مجموعة من الشبان تتدرب سراً على السلاح في منطقة جبل المقطم، وأنه بمداهمة المجموعة - التي قاومت لبعض الوقت - ضبط البوليس 165 قنبلة ومجموعات من الأسلحة، وقال زعيم المجموعة سيد فايز (وكان اسمه جديداً تماما...ً على البوليس برغم أنه كان أحد القادة الأساسيين للجهاز السري) "إن السلاح يجري تجميعه من أجل فلسطين وإن الشباب يتدرب من أجل فلسطين".

وفي 22 مارس 1948 قتل اثنان من الإخوان المستشار أحمد بك الخازندار، وذلك بسبب إصداره حكماً قاسياً على أحد أعضاء الجماعة سبق أن اتهم بالهجوم على مجموعة من الجنود الإنجليز في أحد الملاهي الليلية ويكتشف البوليس الصلة بين الشابين وبين مجموعة المقطم وبين جهاز سري مسلح داخل جمعية الإخوان المسلمين، ويُقبض لوقت قصير على المرشد حسن البنا نفسه، ولكنه لا يلبث أن يُفرج عنه لعدم توافر الأدلة.

في 20 يونيو 1948 اشتعلت النيران في بعض منازل حارة اليهود. في 19 يوليو 1948 تم تفجير محلي شيكوريل وأركو وهما مملوكان لتجار من اليهود، ويكون الأسبوع الأخير من يوليو والأول من أغسطس هما أسبوعي الرعب بالقاهرة حيث تتوالى الانفجارات في ممتلكات اليهود وتهتز المرة تلو الأخرى شوارع قلب العاصمة بتفجيرات عنيفة راح ضحيتها الكثيرون. وخلال أسبوعين دمرت محلات بنـزايون وجاتينيو وشركة الدلتا التجارية ومحطة ماركوني للتلغراف.  

وفي 22 سبتمبر 48 دمرت منازل في حارة اليهود ثم وقع انفجار عنيف في مبنى شركة الإعلانات الشرقية.

في 15 نوفمبر 1948 ضُبطت سيارة جيب وضعت يد البوليس على اثنين وثلاثين من أهم كوادر الجهاز السري، وعلى وثائق وأرشيفات الجهاز بأكمله بما فيها خططه وتشكيلاته وأسماء الكثيرين من قادته وأعضائه، وكان البنا قد أمضى معظم شهر أكتوبر وبضعة أيام من نوفمبر مؤدياً فريضة الحج ليبتعد قليلاً عن احتمال القبض عليه ، فما إن عاد حتى تعرض للقبض عليه لوجود دليل ضده في سيارة الجيب المضبوطة ، ولمسؤوليته المباشرة عن حادث نسف شركة الإعلانات قبل مغادرته مصر.

أما ضد الأقباط فلم تخل جعبة الإخوان من نصيب لهم في مطلع الخمسينيات. فقد قاموا بحرق أقباط وهم أحيـــاء وتعليق أجســـادهم في الخطاطيـــف الحديديـــة المدببة التي يعلق عليها الجزارون الحيوانات المذبوحة وطاف المسلمون بجثث الأقباط فى شوارع وطرقات مدينة السويس وفى النهاية ألقوهم فى كنيسة وأشعلوا النار فيها .

في عام 1954 حاولوا اغتيال الرئيس الراحل عبد الناصر، وحتى بعد حلَها في ديسمبر 1948 تحولت الجماعة إلي المزيد من الجرائم العسكرية وغير القانونية التي تتسم بالعنف. وظلت في بوتقة العمل السري لعقود، واعتناق الفلسفة الجهادية التي ترأسها حسن البنَا والتي قام –مريده وتابعه- سيد قطب بتطويرها الجماعات المنشقة عن الإخوان أمثال التكفير والهجرة وقد قامت تلك الجماعة باغتيال المفكرين المنتقدين للإيديولوجية المتطرفة للجماعة، وكتنظيم الجهاد الذي أسسه الرجل الثاني بتنظيم القاعدة "أيمن الظواهري" العضو بجماعه الإخوان، وقد قام التنظيم باغتيال الرئيس محمد أنور السادات عام 1981 بعد توقيعه لمعاهده السلام مع إسرائيل.

بعد إزاحة مرسي جن جنون الإخوان، واشتعلت عملياتهم صراحة وأرصد هنا بعضها على مستوى المحافظات – إلى جانب ما حدث، ويحدث في سيناء من الإخوان وتابعيهم حتى اليوم . ففي محافظة الغربية تم تفجير مركز تدريب الشرطة في مدينة طنطا بدراجة نارية مفخخة، ما أسفر عن استشهاد جنديين وإصابة العشرات .

وقد استهدفت الجماعة أيضاً كنيسة مار جرجس في طنطا في "أحد الشعانين" يوم 9 أبريل 2017، وأحدث التفجير تلفيات بالغة واستشهد ثلاثون من أبناء الكنيسة أثناء الصلاة وأصيب العشرات .

أما في الإسكندرية فقد شهدت كنيسة القديسيْن في الإسكندرية تفجيراًعقب تفجير كنيسة مارجرجس بساعتين .

وقد امتدت العمليات لتشمل "حرق القطارات، وضع المتفجرات على القضبان، تثبيت العبوات الناسفة بقواعد أعمدة الضغط العالي، حرق محطات المحمول، تفجير بنك الإمارات دبي في مدينة المحلة والذي أسفر عن استشهاد 3 من رجال الشرطة" فضلا عن محاولة تفجير خط الغاز الرئيسي في مركز قطور.

وفي الإسماعيلية شهدت المحافظة عدة أحداث من قبل الإخوان خاصة في الأيام الأولى من بعد 30 يونيو وحتي نهاية أغسطس من العام نفسه، حيث شهد الشهر الأخير، وتحديدا يوم 14 منه، بعد فض اعتصام رابعة العدوية في القاهرة، إذ اعتدى الإخوان على مبنى مجمع المحاكم، وحرقوا وأتلفوا ما به من ملفات تتعلق بقضايا للمواطنين، والذي أسفر كذلك عن استشهاد 10 من المواطنين ومن أمن المجمع، وإصابة عدد كبير.

وفي أسيوط حدثت أعمال شغب وتخريب لعدد كبير من مؤسساتها الحيوية، وأقسام الشرطة، والكنائس واستشهد عدد من أبنائها وأصيب العشرات، وتخطت الخسائر نتيجة أعمال الـ100 مليون جنيه.

من خلال ما سبق يمكن فهم كيف نشأت الجماعة، وما هي أهدافها، وما هي أبرز الطرق التي عبرت عن فكرها من المهد، وحتى وصولهم للحلم المنشود بتولي زمام السلطة، ثم الانهيار الكبير، وما أعقبه من تحركات منظمة وهستيرية في نفس الوقت لمحاولة استعادة ما ضاع .

والسؤال :هل ينجح الإخوان المسلمون في العودة إلى الحكم ؟ أترك السؤال مفتوحاً لكل من قرأ، ولكن ليُسْمَح لي بأن أضيف إجابتي :

سوف يعود الإخوان المسلمون إلى الحكم متى استمر الفراغ السياسي وعزلة المواطن – بشتى اتجاهاته – وتجاهل أقل المطالب التي يرجوها وينشدها.

كاتب مصري

ملخص لمقال: "الإخوان المسلمون.. من الصعود إلى الانهيار"