الإرهاب الإيراني.. من المستوى التقليدي إلى النووي

المجتمع الدولي الذي يشاهد بصمت تمدد واتساع دائرة التطرف والإرهاب الإيراني بأدواته التقليدية منذ أربعة عقود سيجد نفسه مُستقبلاً أمام تطرف وإرهاب إيراني بأدوات نووية متعددة الأوجه والاستخدامات.

بقلم: إبراهيم النحاس  

الخطوة الإيجابية التي أقدم عليها الرئيس الأميركي فضحت المُخطط الإيراني التخريبي الساعي لامتلاك سلاح نووي تحت مِظلة الاتفاق النووي. وكردة فعل طبيعية على افتضاح أمر مخططها الهدام، ولإخفاء مستوى تجاوزاتها وعدم التزامها بالاتفاق الذي وقعت عليه، أظهرت إيران نياتها الحقيقية وأعلنت ما كانت تخفيه من مساعٍ نووية

تجاهل الاتفاق النووي الإيراني، الذي وقعته مجموعة 5+1 مع النظام الإيراني المتطرف في يوليو 2015، الإشارة إلى سياسات إيران الإرهابية في المنطقة، فاعتبرت إيران ذلك رخصة دولية لمواصلة سياساتها المتطرفة وسلوكياتها الإرهابية. لم يُطالب الموقعون على الاتفاق النووي النظام الإيراني المتطرف بالتوقف عن دعم أو إيواء أو تمويل العناصر والجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية والميليشيات المسلحة في المنطقة والعالم، فاعتبرت إيران ذلك تصريحاً رسمياً أممياً تواصل من خلاله نشاطاتها المتطرفة وسلوكياتها الإرهابية في كل مكان. لم يتضمن الاتفاق النووي بنداً واحداً يُلزم النظام الإيراني المتطرف بالتوقف عن زعزعة أمن وسلامة واستقرار المجتمعات المسالمة والدول المستقرة والملاحة الدولية، فاعتبرت إيران ذلك تفويضاً رسمياً دولياً وأممياً تواصل من خلاله التدخل في شؤون الدول الداخلية وتهدد أمن وسلامة واستقرار المنطقة والعالم. ركَّزَ الموقعون على الاتفاق النووي فقط على خدمة مصالح دولهم المباشرة وتحقيق أكبر قدر من المنافع الاقتصادية والمالية والاستثمارية لمجتمعاتهم، فاستغلت إيران ذلك لمواصلة تطوير قدراتها النووية والسير باتجاه امتلاك السلاح النووي.

هكذا كانت الخطوات الإيرانية تسير بهدوء باتجاه امتلاك السلاح النووي، وما زالت تسعى لذلك بشتى السبل والوسائل وتحت أنظار مجموعة 5+1 الذين ارتضوا تغليب المصالح الدولية الخاصة على حساب الأمن والسلم والاستقرار الدولي. ولكن هذا المشروع النووي الإيراني وتلك المصالح الضيقة لمجموعة 5+1 تعطل بعضها وانفضح أمرها وانكشف ما كانت تخفيه عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مايو 2018م الانسحاب من الاتفاق النووي والعودة للعمل بالعقوبات المفروضة على إيران. فبحسب CNN عربي في 8 مايو 2018م، أن الرئيس ترمب قال في كلمته بعد أن أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني: "من الواضح أننا لن نستطيع منع إيران من تصنيع قنبلة نووية بهذا الاتفاق ذو البنية الضعيفة". وأضاف قائلاً: "هناك خلل بجوهر الاتفاق النووي مع إيران، ونعلم جيداً ما الذي سيحدث إذا لم نفعل شيئاً". وقد "توعد بفرض عقوبات اقتصادية على أعلى مستوى على إيران، وهدد الدول التي تدعم مشروع طهران النووي بنفس العقوبات من قبل أميركا."

هذه الخطوة الإيجابية التي أقدم عليها الرئيس الأميركي فضحت المُخطط الإيراني التخريبي الساعي لامتلاك سلاح نووي تحت مِظلة الاتفاق النووي. وكردة فعل طبيعية على افتضاح أمر مخططها الهدام، ولإخفاء مستوى تجاوزاتها وعدم التزامها بالاتفاق الذي وقعت عليه، أظهرت إيران نياتها الحقيقية وأعلنت ما كانت تخفيه من مساعٍ نووية. فبحسب CNN عربي في 8 يوليو 2019م، نقلاً عن وكالة الأنباء الإيرانية "إيسنا"، فإن المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي قال: "إن مستوى تخصيب اليورانيوم الإيراني تجاوز نسبة 4.5 % يوم الاثنين (8 يوليو 2019م)، ما يعني تجاوز إيران للحد المسموح به في الاتفاق النووي. وأشار إلى أن تخصيب اليورانيوم إلى 20 %، وهي النسبة اللازمة لإنتاج سلاح نووي، هو خيار كجزء من الخطوة الثالثة لإيران. ويمكن أن تكون هذه الخطوة الثالثة بعد 60 يومًا".

هذه النيات الإيرانية النووية التي افتضحت أمام أنظار العالم لم تجد ردة فعل دولية، من باقي الدول الموقعة على الاتفاق النووي، توازي خطورة الخطوات الإيرانية الهدامة الساعية لامتلاك سلاح نووي. فموقف الدول الأوروبية لم يتجاوز مرحلة إعلان القلق الذي عبرت عنه فيديريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، حيث جاء في بيان صادر عنها، بحسب BBC عربي في 7 يوليو 2019م، قولها: "نشعر بقلق شديد حيال إعلان إيران بأنها ستبدأ عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق الحد المنصوص عليه عند 3.67 %، ونحض إيران بشدة على وقف وإلغاء كل النشاطات التي لا تتوافق مع التزاماتها". وعلى الرغم من هذا الموقف الأوروبي الضعيف جداً تجاه خرق إيران للاتفاق النووي، إلا أن الإيرانيين أعلنوا تجاهلهم وعدم اهتمامهم لمواقف الدول الأوروبية. فبحسب BBC عربي في 8 يوليو 2019م، نقلاً عن وكالة "ارنا" الإيرانية الرسمية فإن عباس موسوي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، قال: إن إيران "لم تعلق الآمال على أي بلد سواء أصدقائها، كالصين وروسيا، أم الدول الأوروبية المهم بالنسبة إليها هو تنفيذها الالتزامات الواردة في الاتفاق النووي".

وفي الختام من الأهمية القول إن المجتمع الدولي الذي يشاهد بصمت تمدد واتساع دائرة التطرف والإرهاب الإيراني بأدواته التقليدية منذ أربعة عقود، سوف يجد نفسه مُستقبلاً أمام تطرف وإرهاب إيراني بأدوات نووية متعددة الأوجه والاستخدامات تجعل جميع مناطق وأقاليم العالم تعاني معاناة مباشرة لا يمكن تحمل تبعاتها السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والفكرية. مستقبل ستكون فيه الغلبة للإرهاب الإيراني النووي إذا لم يتم تصحيح الأخطاء التي وقعت فيه مجموعة 5+1 بتوقيعها الاتفاق النووي. فقد بدأت الإدارة الأميركية الحالية بتصحيح ذلك المسار الخاطئ؛ ومن المنتظر أن تنهج باقي الدول الكُبرى نهجاً من شأنه أن يعزز الأمن والسلم والاستقرار الدولي.

نُشر في الرياض السعودية