الإسلاميون والخلافة.. تعايش أم صدام مع العالم؟!


بقلم: محمود سلطان

في عام 2011، خاطب رئيس الوزراء التونسي الأسبق، حمادي الجبالي، أنصار حزب النهضة "إخوان مسلمين"، في كلمة حماسية، قائلًا: "يا إخواني أنتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة، في الخلافة الراشدة السادسة إن شاء الله، مسئولية كبيرة أمامنا والشعب قدّم لنا ثقته، ليس لنحكم لكن لنخدمه"، بعدها بشهور، أطيح بحكومة "النهضة ـ الإخوان."

وفي يوليو2012، وفي مؤتمر حضره الرئيس الأسبق، محمد مرسي، وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، خاطب صفوت حجازي، جماهير الجماعة المحتشدة في المؤتمر، قائلًا إن حلم دولة الخلافة، سيتحقق على يد هذا الرئيس، وسنؤسس "الولايات المتحدة العربية"، وأن دولة الخلافة التي سيؤسسها مرسي، ستكون عاصمتها "القدس"!

وقبل أن يكمل مرسي، عامه الأول في السلطة، خرجت الملايين مطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.. وطبّع العالم علاقاته مع النظام الجديد الذي جاء من بعده، إثر انتفاضة 30 يونيو 2013.

والحال أن حلم الخلافة، لم يكن حصريًا على الجماعة الأم "الإخوان" وحسب، وإنما هو حلم يعشّش في العقل الجمعي للإسلاميين عمومًا على اختلافهم وتنوعهم.

يؤسس هذا الحلم لأكبر أزمتين تواجهان الإسلاميين: الأولى تتعلق بقراءة وفهم التاريخ، وما يترتب عليه من استحقاقات، والثانية مُرتّبة على الأولى، تحدد علاقة الإسلاميين بالعالم واحترامهم للنظام الدولي، وما ترتب عليه من مآسٍ أضرت بحياة المسلمين جميعًا، وأحالتهم إلى عبء إنساني على العالم.

الخلافة ـ كنظام سياسي ـ تعتبر أحد أكثر الأفكار التي أثارت "شوشرة" متوارثة على العقل المسلم، تراوحت بين عقيدتين الأولى ترى أنها التزام ديني أو "ضرورة دينية"، وأخرى ترى أنها فكرة نضجت وتأسست في محاضن اجتهادات بشرية محضة، وغير ملزمة دينيًا، ولعله من الأهمية هنا أن نراجع ما كتبه "الجويني"؛ ردًا على "الماوردي" في القرن الخامس الهجري، حين توقع الأخير اختفاء الخلافة في القرون اللاحقة.. ولم ينكر غيابها ولم يعتبر هذا الغياب مشكلة أو صدمة.. بل طالب المسلمين بتطبيع مشاعرهم مع الواقع "الجيو سياسي" الجديد الذي سيترتب على هذا الغياب المتوقع .

 ومع ذلك ليست هذه هي المشكلة، وإنما ما استقر عن الخلافة، من انطباعات منذ تأسيسها في سقيفة "بني ساعدة" في القرن السابع الميلادي، إلى أن سقطت في الربع الأول من القرن العشرين، وبوصفها كائنًا حيًّا يحمل ذات الجينات "الطهرية" الموروثة من المؤسس الأول الصحابي أبي بكر - رضي الله عنه - إلى سلاطين الدولة العثمانية.

 الحلم الإسلاموي المعاصر، يبني على "الخلافة الواحدة"، تطابق الأصل مع الصورة، وهو وعي شديد الرجعية، حال قِيس على وعي المسلمين الأوائل، البعض كتب عن ذلك تلميحًا، كلما أرّخ لتلك الفترة، مثل المسعودي في "مروج الذهب"، وتصريحًا مثل ابن كثير في "البداية والنهاية"، والذهبي في "سير أعلام النبلاء".

حيث حصروا الخلافة على النظم التي تعاقبت على حكم المسلمين منذ أبي بكر إلى الحسن بن علي، رضي الله عنهم جميعًا، وما تلاها كانوا ملوكًا وممالك، تأسست على الدم، وأسست لاحقًا لشرعية الانقلابات العسكرية، في عصرنا الحالي "ولاية المتغلب".

فالخلافة كنظام سياسي، كان عمرُها قصيرًا جدًّا ـ 34 عامًا ـ أقل من العمر الذي قضاه محمد علي أو حسني مبارك في حكم مصر! فيما حشت غالبية الأنظمة اللاحقة عليها العقل السياسي الإسلامي، بأفكار ونظريات وممارسات تخلت عن الإنسان كإنسان، سحقته ومازالت تسحقه حتى الآن لصالح الدولة أو نظامها السياسي الوحشي.

كاتب مصري