الإمبراطوريات والوهم الامبراطوري

الوهم الإمبراطوري الإيراني اليوم في أوجه. لا تريد ان تتعلم من آخر التجارب الإمبراطورية الفاشلة.
يا لهذا الادعاء الفارغ بالتحكم بمصائر شعوب كبيرة وعريقة خارج ايران
بناء وهم امبراطوري في القرن 21 لا يمكن أن يكتب له البقاء طويلا
الإمبراطورية الفارسية العظمى كما أسسها قورش لا يمكن بناؤها اليوم سوى في الاساطير

ما نراه اليوم أن الفراغ في القوة الذي أحدثه انسحاب الهيمنة الأميركية العالمية بعد حرب العراق، تجري محاولات لملئه من قبل الدول الإقليمية، وتلك هي الحقيقة الواقعية التي أنتجت أوهاماً مستمدة من بطون التاريخ، إذ كان لا بد لذلك التمدد من غطاء ايديولوجي يضمن استمرار وجوده كي لا يظهر مجرد انتشار عسكري، أو تكتيك سياسي، وهكذا جرت إعادة بناء الوهم الإمبراطوري.

في التاريخ القديم حين لم يكن مفهوم الدول كما هو عليه اليوم. كان فائض القوة في مملكة من الممالك دافعا للتوسع وضم الأراضي وإخضاع الشعوب الأخرى، ولمدة زمنية معينة كان ذلك التوسع يحمل معه المجد والعظمة على حساب الاستيلاء على الثروات، واستعباد الشعوب، ولاحقا كان يعمل كمعول هدم للإمبراطورية اذ يستنفد الصراع الداخلي ومطالب الاحتفاظ بالسيطرة قوة الامبراطورية، ويكشفها في النهاية أمام القوى الخارجية الصاعدة، وهذا ما حدث للإمبراطورية الرومانية بعد أن توسعت لتضم آسيا الصغرى وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا إضافة لجنوب ووسط أوروبا كلها من اليونان وحتى إسبانيا.

وانتهت تحت أقدام الغزاة الجرمان في القرن الخامس الميلادي.

وحدث ما يماثل ذلك من قبل للإمبراطورية التي أسسها الاسكندر المقدوني في القرن الرابع قبل الميلاد.

وحدث أيضا مع الإمبراطورية الأموية التي امتدت من تخوم الصين إلى شمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية وانهارت بينما كانت تحاول إخماد الثورات في شمال أفريقيا. ومع الإمبراطورية العباسية، والعثمانية.

لكن الإمبراطورية البريطانية أظهرت شيئا من التعقل حين انسحبت بإرادتها من معظم مستعمراتها فيما وراء البحار وأبقت على ما يمكن الاستمرار فيه من نفوذ اقتصادي وثقافي وسياسي مستتر.

ويبدو أن الامبراطورية الأميركية الحالية بدأت تسير على ذات النهج العقلاني في التخفف من أعباء التمدد الواسع وما يحمله من مخاطر على الأمد الطويل.

لكن أشباح الماضي بدأت تظهر فوق تلك المساحات التي تنسحب منها قوى الحاضر.

وأكثر مظاهر الوهم الإمبراطوري انفلاتا هو الوهم الإمبراطوري الإيراني.

فماذا يعني الادعاء الفارغ بالتحكم بالقرارات التي تحدد مصير شعوب كبيرة وعريقة خارج ايران؟

وأي مجد ورخاء يستتبع مثل ذلك التباهي الأحمق؟

وكم سيدوم إن كان موجودا بالفعل؟

وما هو ثمنه من حساب اقتصاد ورفاهية الشعب الايراني؟

كل تلك الأسئلة التي يطرحها أي تفكير يتسم بشيء من العقلانية يجري تغييبها تارة بالتعصب المذهبي وتارة بالتعصب القومي وتارة أخرى بافتعال الأزمات التي تشحن الأجواء ولا تترك للإيراني البسيط فرصة للتفكير.

لكن بناء وهم امبراطوري في القرن الواحد والعشرين وفي الوقت الذي تفضل فيه القوى العظمى الانسحاب من مشاريع الهيمنة الشاملة نحو الدفاع عن مصالح اقتصادية محددة أمر لا يمكن أن يكتب له البقاء طويلا.

فالإمبراطورية الفارسية العظمى الممتدة نحو البحر المتوسط ومصر وشمال أفريقيا كما أسسها قورش لا يمكن بناؤها اليوم سوى ضمن عقول تتحكم فيها الأساطير.

وإلى أن تتحرر ايران من هكذا تفكير غير عقلاني، فسوف تظل تدفع شعوب المنطقة والشعب الايراني ثمناً باهظاً لذلك الوهم الإمبراطوري.