الابتكار والتجديد في أعمال الفنان محمود الخليفي

محمود الخليفي المسكون بالتحدّي والتجديد والمهووس بالجمال ومحاولة محاكاة الواقع في تفاصيله اليومية يقوم بتطويع ريشته لخلق عالم من الحروف عبر فنّ الخط العربي.

 هل من البلاهة أن ننادي في بلادنا بثورة ثقافية تقلب كل القوالب الجاهزة وتفتتها، هل من الممكن أن نفهم معاني المواطنة، ما معنى ثقافة، ثمّ ما جدوى الابداع في فضاء مادي خال من كل روح انسانية، ما قيمة الانسان  عندنا حين يقف (عاجزا ) أمام عالم ذهب بعيدا في الفلسفات والجماليات، متى نتشبّع بالذوق السليم  ونناقش تفاصيل العمل الفني بدراية وثقة. 
 كل عمل فني لابد من هندسته، من ابتكار الجديد في رحاب التجريب، أن تقدم موضوعا جديدا أو متداولا لابدّ من الأسلوب الجديد والمقنع هنا يمكن لنا أن نتحدّث عن الحرفية / الاحتراف بالمعنى الفني الصحيح. 
 كلّما سنحت الفرصة ووقفتُ عند أعمال الفنان محمود الخليفي يشع أمامي المثل القائل "الشيئ من مأتاه لا يستغرب " فنان موهوب، له من روح الابداع الكثير، ملم بخصائص المدارس الفنية.
محمود الخليفي له في دقة الملاحظة وقوة التجربة العملية الكثير، شيئان يختص بهما هذا الفنان المسكون بالتحدّي والتجديد منذ الصغر ورسامنا مهوس بالجمال ومحاولة محاكاة الواقع في تفاصيله اليومية، عاشق للجمال، إنها معناة الهوس بالفنون، فكان ملاذه الورقة. الألوان ثم الرسم.
 تطورت تجربته مع الأيام بين الممارسة والتَعلّم أي الامتداد بين النظري والتطبيقي فكانت البراعة في رسم التفاصيل دون – انطباعية فجّة ولا سريالية ملغزة –
هذا البحث في شخصية محمود الخليفي الانسان والفنان  (ولو نحن اختصرناه) إنما هو ترجمة لقوة شخصيته وإيمانه برسالته الانسانية، إنه يتنقل من فضاء لآخر في ايقاع مدروس بدقة، دقة من صقلته الأيام والتجارب، لقد بدأ بقوة، منذ الصغر لا يرضى بالسهل، تفطن باكرا لموهبته، فعمل على تطويع ريشته لخلق عالم من الحروف – فنّ الخط العربي – حيث جسّد أفكاره بهذا الفن، وهو فن صعب ليس في متناول أيّ كان. 
كثيرا هم الفنانون التشكليون، ولكن فناني الخط  في تونس هم قلّة قليلة يعدون على أصابع اليد فيهم من عانق العالمية..
وفي هذا السياق يجيب الفنان محمود خليفي على سؤال طرح عليه في لقاء صحفي الخط العربي بقي مجالا لم ينتبه إليه كثير من المهتمين بالفن التشكيلي، إلى أي مدى استطعت أن تخوض غمار هذا المجال الفني، وهل نجحت في غمار خضته مبكّرا.
فأجاب خليفي "في التعامل مع الخط العربي والحَرْفُ تقنيات وأساليب متعددة وهي خاضعة لقراءات مختلفة بعضها يعتمد على تحرير الحرف من مدلوله المعنوي في سبيل خلق شكل فني يعبّر بلغة الشكل فقط. والبعض الآخر يحاول الجمع بين المدلول والشكل رغبة في الاستفادة من معنى الكلمات العربية على أن الأساليب والتقنيات تختلف باختلاف الفنان وزمنه واطاره الطبيعي والحضاري وخبرته". 
واضاف "في اطار جماليات الشكل المجرّدة حاولت أن أبتعد عن أي مدلول للحرف من الناحية اللغوية وذلك ايمانا مني بأن المرحلة الحالية تتطلب رفع مستوى التذوّق الفني والحسي الجمالي لدى المتلقي العربي".
 لوحاته الفنية كلها مستوحاة من الواقع، ليست لوحات عفوية أبدا، هي ترجمات لمشاعره وأحاسيسه، هي ثورته وهدوءه وان اختلفت المواضيع يستدعي العالم ويجادله بحركة الألوان.
 يطرح سؤاله، هو سؤاله وسؤالنا في كثير من الأحيان. ما معنى أن تكون قويا، ما معنى أن تكون ضعيفا، ما معنى ان تعيش داخل قناع، أسئلة كثيرة منها سؤال العولمة.
  هذا الفنان المحترف محمود الخليفي له تجربة عميقة في فن صناعة الأجسام العملاقة الكرنفالية، هذه الأجسام كانت تخيفه أثناء عروضها في " مهرجان أوسّو" فيفرّ منها، لذلك قرّر أن يتغلّب على هذا العامل النفسي ونجح في ذلك.
 حيث بدأ في صنع العربات والأجسام العملاقة بمناسبة "مهرجان أوسّو" بجوهرة الساحل سوسة منذ سنّ شبابه. وعن هذا الموضوع يقول في احدى المناسبات الصحفية: "خضتُ العديد والعديد من التجارب لعلّ أبرزها ما قدّمته ضمن "مهرجان أوسّو" سنة 1997 وكانت تلك أبرز محطة فنية على مستوى الكتابة والتشكيل في بناء العربات الكرنفالية. اذ قدّمت خلالها واحدا من أروع العروض التي حفضتها الذاكرة، ليس في جوهرة الساحل فقط، وإنما على المستوى الوطني". 
واضاف قد شاركني في ذلك فنانون لن ينساهم الزمن مثل محمد بالعجوزة المنصف نورالدين لطفي، غاغاي، هاشم بوغطاس، أحمد الباروني، لطفي الساقجي وغيرهم ممن آمنوا بهذا الفن وعملو على ترسيخه في الذهنية التونسية..
كما لا أنسى الاستعراض الوطني بمناسبة خمسينية الاستقلال وقد كتب له السيناريو الفنان الكبير رجاء فرحات والاخراج كان للفنان الكبير البشير الدريسي. والتقديم شارك فيه عديد المبدعين منهم المرحوم على ناصف الطرابلسي والفنان التشكيلي صالح بن عمر. والفنان كمال بالحاج حمودة تحت اشراف الفنان سمير بالحاج يحي.
 رحلة شاقة وممتعة، نضال أسّس لحبّ الوطن والفن دون حسابات ضيّقة..