الاحزاب تريد والشعب يريد وإيران تفعل ما تشاء

إذا فلت العراق من المصيدة الإيرانية فإن المشروع الإيراني سينهار بشكل كلي.

لا يزال العراق خاضعا بالكامل للهيمنة الإيرانية. اما الحديث عن الوجود العسكري الأميركي فهو ليس أكثر من دعايات كاذبة ومحاولات لتزوير الحقيقة ولا يمت للواقع السياسي الثابت بصلة.

فالأحزاب الحاكمة كلها من غير استثناء تدين بالولاء المطلق لإيران. وهي تُدار اليوم بعد مقتل سليماني من قبل حزب الله اللبناني بناء على تعليمات الولي الفقيه ولا علاقة لها بالوطنية العراقية لا من بعيد ولا من قريب.

وإذا ما كان قرار الشعب واضحا في رفض استمرار النظام الطائفي الذي اقامته سلطة الاحتلال الأميركي وورثته إيران فإن ذلك النظام يتمتع بحماية إيرانية تمنع سقوطه بل وتمنعه من الانهيار من داخله وتحول دون قيام أي إجراء ديمقراطي يمكن أن يقود إلى ذلك.

لقد كلفت إيران أحزابها في العراق بالقيام بعمليات قتل وخطف علنية وسرية من أجل ترويع المتظاهرين الرافضين لهيمنها على العراق كما تعهد مقتدى الصدر لها بالقيام بغارات استفزازية من أجل أن ينحرف بالمسار السلمي للاحتجاجات في اتجاه الحرب الحرب الأهلية، غير أن الأصل يقع في قرار عدم التخلي عن العراق حتى لو أدى ذلك القرار إلى قيام حرب عالمية.

العراق بالنسبة لإيران هو الصيد الثمين.

إذا فلت العراق من المصيدة الإيرانية فإن المشروع الإيراني سينهار بشكل كلي. تلك هي القاعدة التي تستند إليها الأحزاب الحاكمة في تعاملها مع مطالب المحتجين.

فبعد أن طال الوقت في اتظار ظهور شخص يتولى منصب رئاسة الوزراء بعد استقالة عادل عبدالمهدي وبعد أن رفض الشعب عروضا عديدة قُدمت له من قبل الأحزاب تم تكليف محمد توفيق علاوي وهو ابن حزب الدعوة بالرضاعة بالقيام بتلك المهمة.

وفي مشهد مثير للسخرية تعهد علاوي في يوم تكليفه الأول بتشكيل وزارة على أساس مبدأ الكفاءات وغير خاضعة لمبدأ المحاصصة، غير أن ذلك التعهد لم يكن إلا محاولة للخداع وسرقة الوقت. ذلك لأن الرجل عاد إلى المرجعيات الحزبية وطلب منها ترشيح كفاءاتها.

في مقابل التضليل الذي اعتمدته الأحزاب الشيعية فإن الأحزاب الكردية والسنية طالبت من جهتها بحصص المكونات. أي أنها نزعت قناع الأحزاب وأرتدت قناع المكونات. وهي في ذلك لم تخرج عن دائرة نظام المحاصصة الذي استباح البلاد بفساده وبدد ثروات العراقيين في مشاريعه الوهمية التي تبخرت بسببها مئات المليارات من الدولارات.

كل ذلك يجري في سياق حقوق نص عليها الدستور الذي لم ينص على الحفاظ على ثروات العراقيين ومساءلة ومحاسبة مَن يتسبب في إهدارها.

فالأحزاب الحاكمة تعود دائما إلى الدستور الذي كتبته بأيدي فقهائها.

وهي إذ تختلف في ما بينها فليس ذلك بسبب حرصها على مصالح الشعب بل خوفا على "كيان وهمي" اسمه المكون. حيث نص الدستور العراقي على أن العراق بلد مكونات ثلاث. الشيعة والسنة والاكراد. وهي المكونات التي تم اختزالها على هيأة أحزاب وليست صدفة أن تكون كل تلك الأحزاب موالية لإيران.

ذلك يعني أن الشعب الذي خرج محتجا منذ الاول اكتوبر الماضي ولا يزال يقاوم سلميا في الساحات العامة آلة القتل والقمع والبطش لا يُحسب على تلك المكونات. وكان مقتدى الصدر وهو أحد أكبر المساهمين في الفساد الحكومي منذ عام 2005 واضحا في التعبير عن رأيه بالمحتجين باعتبارهم حثالة ينبغي التخلص منها كما أعتبر نوري المالكي وهو مؤسس دولة الفساد حين حكم العراق ثمان سنوات استمرار الاحتجاجات سببا في إيقاف عجلة الاعمار، علما أن العراق لم يشهد منذ 2003 بناء مدرسة أو مصنع أو مستشفى أو معمل لتحلية المياه أو منشأة لإنتاج الكهرباء أو جسر ولم يُشق فيه طريق ولم تتم اعادة تأهيل اراضيه الزراعية التي تعرضت للتصحر.

هناك جدل بين الشعب والأحزاب لن يصل إلى نتائج حتى لو استمر عشرات السنين ما دامت القاعدة تقوم على أساس الابقاء على العراق خاضعا للهيمنة الإيرانية. وما لم يتم تفكيك تلك القاعدة والتخلص من رموزها فإن العراق ضائع لا محالة.