الاخوان يراهنون على فوضى تعيدهم للسلطة

جماعة الإخوان المسلمين تعتقد أن فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة قد يفتح لها باب العودة إلى الحياة السياسية في مصر، لكن واشنطن اختبرت هذا الخيار الفاشل في عهد أوباما.
المصالحة الخليجية قد تفقد الإخوان منابر كانوا يخاطبون من خلالها المصريين
تجربة الحكم الفاشلة في مصر عرّت سياسات الإخوان وأجنداتهم  
إكراهات الوضع السياسي والاقتصادي في تركيا قد يفكك ملاذات الإخوان

اسطنبول - برزت بعد المصالحة الخليجية الأخيرة تساؤلات حول مصير جماعة الإخوان المسلمين والعديد من قادتها الفارين في قطر واسطنبول وما إذا كانت الجماعة المحظورة والمصنفة تنظيما إرهابيا في مصر ودول خليجية ستتأثر بتلك المصالحة فيما كانت قبلها سببا من أسباب القطيعة بين الدوحة من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية.

والمؤكد في كل الحالات أن الإخوان سيفقدون منفذا إعلاميا مهما كانوا يطلون من خلاله على المصريين تحريضا وتأجيج للفتنة والفوضى، فقطر التي توصلت بعد 3 سنوات من القطيعة مع مصر وجيرانها الخليجيين ربما تراجع موقفها من دعم الإخوان، فيما تبقى تركيا الحاضنة الأكبر لهم موضع تساؤل في الوقت الذي يسعى فيه رئيسها رجب طيب أردوغان جاهدا لترميم علاقات بلاده الخارجية مع الخليج والشركاء الغربيين مدفوعا بأزمة اقتصادية وعزلة متنامية.

وباتت جماعة الإخوان المصرية تراهن على الشارع مجددا أملا في العودة للحكم أو التموقع السياسي بعد أقل من عشر سنوات من تجربة فاشلة أفضت في خواتمها إلى عزلها من قبل الجيش واعتقال المئات من قياداتها وأنصارها بتهم يتعلق معظمها بالإرهاب وبتهديد أمن الدولة، فيما فرّ عشرات آخرون إلى تركيا أو قطر وكلاهما يدعمان جماعات الإسلام السياسي.

وتؤكد الجماعة المحظورة بقرار قضائي، أنها عازمة على تجاوز المحن وتعوّل على حراك شعبي آخر لطرد نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وفككت السلطات المصرية العديد من خلايا الجماعة واعتقلت عناصر كانت إما تخطط لعمليات إرهابية أو لتأجيج الفوضى في الشارع المصري والتحريض على قلب نظام الحكم.

وقال الناطق باسم الإخوان طلعت فهمي المقيم في اسطنبول "جماعة الإخوان المسلمين عمرها 93 عاما ومرت بظروف مشابهة كثيرا مثلا في حقبة عبدالناصر في العام 1954 حتى خرجت من السجون في 1974 ولم تختف ولم ينقطع تواصلها مع أعضائها طوال كل هذه العقود".

في 2011، خرج الإخوان المسلمون إلى الضوء بعد أن ركبوا على أحداث ثورة 25 يناير التي أنهت حكم الرئيس الراحل حسني مبارك. وفي البداية لم يكن لهم دور يذكر في تلك الاحتجاجات، لكنهم سوّقوا أنفسهم على أنه كان لهم دور حاسم في الإطاحة بمبارك.

الناطق باسم الاخوان يروج لمغالطات حول مصادر تمويل الاخوان
الناطق باسم الاخوان يروج لمغالطات حول مصادر تمويل الاخوان

في 2012، انتخب محمد مرسي المنتمي إلى الإخوان المسلمين رئيسا لمصر في انتخابات ديمقراطية، لكن حكمه استمر أقل من سنة تخللتها احتجاجات واضطرابات اجتماعية. وفي 2013، أطاح الجيش بقيادة عبدالفتاح السيسي بمرسي. ثم ترشح بعدها للانتخابات الرئاسية.

وقال فهمي الذي دخل السجن ثماني مرات في عهد مبارك وغادر مصر للاستقرار في اسطنبول في العام 2015 بعدما أمضى سنتين في السجن إثر تولي الجيش السلطة "تعرف جماعة الإخوان المسلمين كيف تتواصل مع أفرادها بطرق مناسبة للأحوال والظروف الأمنية والسياسية".

وفي رسائل لأنصار الإخوان، روج القيادي في الجماعة لثورة شعبية تنهي حكم السيسي كما تم إنهاء حكم مبارك.

وقال "لا يمكن أن يحصل أي تغيير في مصر عن طريق انتخابات في ظل وجود هذه المنظومة. الحراك الشعبي هو الذي يجبر هؤلاء على التراجع"، مضيفا "لا شك أن الظلم مهما كان، لا يمكن أن يستمر على الدوام. قدرة الناس على الصبر والتحمل لن تظل إلى الأبد"، معتبرا أنه "لا بدّ أن يحدث حراك أو فعل على الأرض. لا نعلم متى، لأن الحراك لا يستطيع أحد أن يتنبأ بموعد قدومه".

واتخذت مصر منذ سقوط حكم الإخوان إجراءات أمنية مشددة وأطلقت حملة عسكرية في تعقب المتطرفين خاصة في شبه جزيرة سيناء حيث ينشط الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم 'ولاية سيناء'.

ويرى أن حتى الدول الغربية الداعمة للسيسي الذي يقدم نفسه على أنه رادع في وجه الإسلام المتطرف، "تدرك أنه يقود البلد إلى حافة الانفجار".

تجربة الحكم عرّت الإخوان، إذ أنهم لم يقدّموا مشروعا اقتصاديا أو سياسيا بديلا، بل تبيّن أنهم كانوا فقط مهتمين بالوصول إلى السلطة

وقدم القيادي الاخواني صورة قاتمة للوضع في مصر، معتبرا أن الأوضاع الراهنة ستقود حتما لانفجار الجبهة الاجتماعية.

وفي ما يتعلق بالمصالحة الخليجية، قال طلعت فهمي إن جماعة الإخوان لا تخشى من تبعات تلك المصالحة. وتدعم قطر الإخوان ووفرت لقادتها الملاذ الآمن، بينما تصنف دول الخليج ومصر التي كانت في قطيعة مع الدوحة، الجماعة تنظيما إرهابيا.

وكانت الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) قطعت علاقاتها في 2017 مع قطر متهمة إياها بدعم جماعة الإخوان المسلمين التي يعتبرونها "منظمة إرهابية".

وشدد في مغالطة للراي العام العربي والمصري على أن "من أهم مصادر قوة جماعة الإخوان المسلمين أنها لا تعتمد على الحكومات ولا تتلقى دعما ماديا إلا من أفراد الجماعة"، مضيفا "جماعة الإخوان لا تتلقى أي دعم لا من تركيا ولا من قطر ولا من أي دولة أو منظمة على مستوى العالم وهذا من أحد أسباب استمراريتها إلى الآن".

وتتناقض تصريحاته في ما يتعلق بتمويل الجماعة مع حقيقة أنها لم تكن لتصمد طيلة هذه العقود لولا الدعم الخارجي. وجزء من تمويلاتها متأت من نشاطات مشبوهة من خلال شبكة معقدة أنشأتها في الخارج وهي الآن محل تعقب من أكثر من حكومة أوروبية بعد تنامي التطرف في تلك الدول وبعد اعتداءات ارهابية ناجمة عن استقطابا وتجنيد وخطابات كراهية تورطت فيها هيئات اخوانية.

وأوضح فهمي أن المساعدة الوحيدة التي تتلقاها جماعة الإخوان المسلمين من تركيا هي السماح لها بالتواجد على أراضيها.

ويصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القادم من الإسلام السياسي، السيسي بأنه "انقلابي"، ويتهم السلطات المصرية بأنها "قتلت" مرسي الذي توفي في السجن العام 2019 بعدما انهار في قاعة المحكمة خلال محاكمته.

ويقول فهمي "نحن لا نعرّض الدولة التي تستقبل الإخوان المسلمين للحرج ولا نخرج عن الأعراف والقوانين في الدول التي نتواجد فيها".

في تركيا وقطر، تجد بعض قيادات الإخوان الهاربة منافذ إعلامية للتحريض ضد النظام المصري، لكن هذا الأمر قد يتغير بعد المصالحة الخليجية.. ربما يفقدون نافذة يمكن أن يطلّوا منها على الرأي العام المصري

ويقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية كمال حبيب "علاقة النظام الحالي بالتنظيم أصبحت معركة وجودية ولم تعد مجرد خلاف سياسي"، مضيفا "أن أمر المصالحة ليس واردا على الأقل في الأمد المنظور" بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين.

وتحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في ذكرى حرب أكتوبر 1973 العام الماضي عن الموضوع قائلا "أنا لا أستطيع أن أتصالح مع من يريد أن يهدّ بلادي ويؤذي شعبي وأولادي"، مخاطبا الجماعة دون تسميتها "أنت لا تملك ضميرا ولا إنسانية ولا دينا".

ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد من جهته "لا أعتقد أن التنظيم انتهى"، لكن "من الصعب أن يظهروا علنا في ظل النظام المصري بوضعيته الحالية"، مضيفا أن الظروف التي نما في ظلها التنظيم، وهي ضعف الأحوال الاقتصادية وعدم وجود منظمات سياسية تستوعب الشباب "لا تزال قائمة".

ولطالما عمل الإخوان المسلمون على "أزمة الطبقة الوسطى" في مصر، منذ تأسيس الجماعة عام 1928، وفق ما يقول السيد الذي أوضح أيضا أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعانيها أبناء الطبقة المتوسطة في مصر وعدم وجود منظمات وكيانات سياسية تقدم لهم حلولا، كان الإخوان المسلمون يعملون على استيعابهم، خصوصا من خلال نشاطات خيرية.

وظهر نجاح هذه السياسة حين اكتسح مرشحو التنظيم أول انتخابات برلمانية عقب سقوط مبارك من خلال الذراع السياسية للجماعة آنذاك حزب 'الحرية والعدالة' الذي ينتمي له محمد مرسي.

ويقول حبيب إن فترة حكم الإخوان المسلمين "هزّت صورة التنظيم على مستوى أعدائه وعلى مستوى الجماهير وأثبتت أنه ليس لديه القدرة على ذلك"، مضيفا "لم تكن هناك قدرة على الاجتهاد في الجماعة، فكان الاعتماد على المرجعيات القديمة لحسن البنّا وسيد قطب، وهذا التراث القديم لم يعد يجيب على أسئلة الجيل الحديث".

جماعة الاخوان تراهن على ضغط يمارسه الرئيس الأميركي الجديد على النظام المصري، لكن واشنطن اختبرت هذا الخيار في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما ووقفت على حقيقة منهج العنف والتطرف الاخواني

ويقول الباحث اللبناني في سياسة الشرق الأوسط هادي وهاب من جهته "عرّتهم هذه التجربة، إذ أنهم لم يقدّموا مشروعا اقتصاديا أو سياسيا بديلا، بل تبيّن أنهم كانوا فقط مهتمين بالوصول إلى السلطة".

وتدور مواجهات عنيفة في شمال ووسط سيناء في مصر بين قوات الأمن ومجموعات إسلامية متطرفة. ومن أبرز هذه المجموعات تنظيم "ولاية سيناء"، الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية وحركة "حسم" الذي تتهمها السلطات بأنها الذراع المسلح للإخوان المسلمين وقد ظهرت عام 2014، وتبنت العديد من الاغتيالات في صفوف الشرطة المصرية.

وتعتقد جماعة الإخوان المسلمين أن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية قد يفتح لها باب العودة إلى الحياة في مصر، إذ أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب كان داعما بشدة لنظام السيسي.

ونشرت الجماعة بيانا على موقعها الرسمي بعد فوز بايدن، قالت فيه على لسان نائب المرشد العام إبراهيم منير "آن الأوان لمراجعة سياسات دعم ومساندة الدكتاتوريات وما ترتكبه الأنظمة المستبدة حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب".

إلا أن حبيب لا يرى أن فوز بايدن قد يغير شيئا، مشيرا إلى أن إدارة بايدن قد تعمل على "تحسين حال حقوق الإنسان أو العمل الحزبي أو الأهلي.. وليس عودة الإخوان".

في تركيا وقطر، تجد بعض قيادات الإخوان الهاربة من مصر، منافذ إعلامية لمعارضة النظام المصري مثل قنوات "الجزيرة" و"الشرق" و"مكمّلين".

ولكن هذا الأمر قد يتغير بعد المصالحة التي حصلت أخيرا بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة ثانية.

ويرى السيد أن المصالحة العربية قد تنعكس بشكل سلبي على جماعة الإخوان. "ربما يفقدون نافذة يمكن أن يطلّوا منها على الرأي العام المصري".