الامارات في الفضاء

الروح الوثابة أخذت الإمارات كلها إلى الفضاء وليس رائدا واحدا.

صحيح أن مواطنا اماراتيا واحدا صعد الى الفضاء، لكن المتابع يحس أن دولة الامارات كلها بقادتها وشعبها طارت الى الفضاء، وهذا ما يطلق عليه في علم النفس الروح الوثابة أو الطموح. فالعبرة ليست في أن رجلا إماراتيا صعد الى الفضاء، إنما العبرة في هذا الشعب المنفلت من حالة الخمول والذي يصبو الى الابداع وإثبات الذات.

نعم لقد شعرت بالغيرة، وهذا دأب بني آدم، يتوق للأفضل دوما، وبعض الناس ينجحون في ذلك، وكثير منهم يخفقون. هل يملك الانسان ألا يقارن نفسه بالآخرين؟ لو لم يقارن لما أنجز شيئا، والناس يتنافسون على المستوى الفردي والأممي، لذا فإن الإنجازات تتعاظم لأن الحياة مستمرة، والانسان الحي يواكب التطورات، ويدخل معترك الحياة ويثبت جدارته. والإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي تواكب وتحب أن تتميز شأنها شأن الدول المتقدمة، وليس المهم لديها التميز بحد ذاته، ولكن التميز الهادف الذي يخدم مصالحها، وإلا لصنعت أكبر قدر "مكبوس" ودخلت موسوعة جينيس. لكن ليس هذا ما سعت إليه الإمارات، فلم تبنِ أطول برج في العالم لكي تدخل موسوعة جينيس، بل لكي تؤمن دخلا سياحيا يضاف إلى مصادر دخلها، وحين ينضب النفط، يجد أبناء الامارات مصدرا جيدا للدخل، ولم تودع فائض الإيرادات من الناتج القومي في الصندوق الاستثماري ليصبح ثاني أكبر صندوق سيادي في العالم من أجل التميز فقط، بل من أجل الاستثمار لأجيال المستقبل. أي أن حكام دولة الامارات العربية المتحدة لم يكتفوا بتوفير حياة مريحة لأبنائهم، بل يفكرون في المستقبل، وهذا هو الفرق بين القائد المستجيب reactive والقائد المستشرف للمستقبل والمبادر  proactive. فلم ينتظر حكام الامارات الوصول الى المستقبل لكي يتعاملوا مع المستجدات، بل استبقوا الأمر وخططوا ونفذوا أشياء تعود بالفائدة على الشعب مستقبلا، ولو وقعت الثروة بيد حاكم مختلف، ربما شيد قصورا له ولأبنائه وأحفاده وأحفادهم أو ربما اشترى جزيرة للعائلة ولم يفكر بشعبه.

إن الأجيال الإماراتية الشابة لديها روح مختلفة عن الأجيال السابقة، فهم يحلمون ويعملون ويخططون للتميز في شيء ما في المستقبل، والروح هي أهم ما في كيان الإنسان، فإذا انطوت وخبا نورها، فلا شيء يحرك الانسان مهما شاهد ورأى المتميزين أمامه، لأن روحه لم تعد متقدة كما هي روح المتميزين. فكيف صنعت الامارات هذه الروح؟ لا يحتاج الأمر الى الكثير من البحث والاستقصاء، فقادتها مرافقون للشعب بشكل يومي ويقومون بتوجيهه وتمهيد الطريق أمامه لكي يسير دون عراقيل، ولديهم خطط واضحة من حيث الأهداف وطريقة التحقيق والأدوات المستخدمة للتحقيق والتمويل اللازم لمختلف المشاريع.

في المقابل، هناك دول عربية لا يدري قادتها وضع بلادهم وهم ينتمون الى مجتمعات أخرى ولديهم أعمالهم التجارية في مختلف البلدان، ويقضون وقتا في الخارج أكثر من الداخل، ولا يعرف المواطن كم هي ايرادات الدولة وكيف يتم إنفاقها، وهم مدعومون من الخارج وليس من الشعب الذي لا يدري ما يجري حوله، ويخاف أن يسأل أو يحقق في قضايا مريبة، فقد تربوا على الخوف ولن يخرج منهم هذا الخوف حتى لو شاهدوا أية إنجازات لدول أخرى، لأنهم فقدوا الروح التي تدفعهم وتحركهم.

إن أي عربي يتنمى للإمارات دوام التقدم والرفاه ويخاف على انجازاتها، لأنها بصراحة الدولة العربية الوحيدة التي ترفع الرأس، من حيث الاتحاد والمستوى المعيشي والانجازات والوحدة ما بين الحكام والشعب، ويسعى كل واحد من الحكام لنيل رضا الشعب بمختلف الطرق مثل الوظائف الرواتب المجزية والبعثات والمساكن والعلاج ولسان حالهم يقول "خذوا ما تحتاجون وأبدعوا." ولست أشهد للإمارات لأنني أتزلف لها، فلا أحد يدري من أنا أو أين أنا، ولكن النموذج القيادي في هذه الدولة مختلف ومثير للإعجاب.

لكن هناك سؤالا في رأسي يحيرني وهو: هل كان يمكن للإمارات أن تبدع لو أن عدد سكانها 10 ملايين؟ هذا السؤال الافتراضي  يحتاج الى خبير اقتصادي لمعرفة الجواب ، لكي يقارن الانتاج بالإنفاق ويتوقع كيف سيكون حال الدولة مع هذا العدد من السكان. لكنها بالتأكيد ستكون أفضل حالا من الدول العربية الأخرى، لأنها تخلو من الفساد ودائمة التفكير بمشاريع إنتاجية جديدة، وربما يدفعها هذا التحدي لمزيد من العمل والإبداع.