الامن قبل وبعد 11 فبراير 1979

وصل الخميني إلى طهران وأتى للمنطقة بحروب لا تنتهي.

قبل 11 شباط/فبراير 1979، حيث سقوط النظام الملكي في إيران وتأسيس نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية المبني على أساس نظرية دينية متشددة، كان هناك في الشرق الاوسط شيء من بوادر التطرف الديني، وكذلك إرهاب يمكن تقديره بأقل من القليل أو بمعنى آخر شبه منعدم. وعندما نقول شيء من بوادر التطرف الديني فإننا نقصد بعض الوجوه والتنظيمات المتطرفة المحدودة الحركة والتأثير، ولذلك لم يكن لها من تأثير يذكر على زعزعة الامن.

الحالة أعلاه كانت قبل التأريخ الذي ذكرناه، ولكن بعد ذلك التأريخ وبشكل خاص بعد اندلاع الحرب الايرانية ـ العراقية، فإن تلك الحالة باتت تتغير رويدا رويدا وتأخذ شكلا وطابعا مختلفا عن السابق. والملفت للنظر إنه ومع التبلور التدريجي للتطرف الديني بشقيه السني والشيعي وصيرورته ظاهرة، لم يكن من الصعب الربط بين ما يحدث وبين ذلك النظام الذي تأسس على أنقاض النظام الملكي الايراني.

مهما قيل ويقال عن الحرب الايرانية ـ العراقية (وأنا أقدم كلمة الايرانية عن سابق قصد)، فإنه لم يكن مقدرا أبدا لهذه الحرب أن تندلع لو لم يكن ذلك التهديد الجدي الذي شكله النظام الايراني على الامنين القومي والاجتماعي في العراق، وحتى إن الخميني، عندما أطلق مقولته المشهورة "الخير فيما وقع"، وهو يرحب باندلاع الحرب في أيلول/سبتمبر 1980، فإنه قد أكد من خلال ذلك بأن نظامه كان ينتظر هذه الحرب بفارغ الصبر!

بعد 44 عاما على تأسيس النظام الايراني، فإن إلقاء نظرة متأنية على واقع الازمات والمشاكل المستفحلة في المنطقة وحالة التشتت والتمزق والضياع بين بلدانها، يؤكد بأن هذا النظام هو منبع وأساس ومحور وبؤرة هذه الحالة السلبية التي تلف وتعصف بالمنطقة في آن واحد.

الدور غير العادي للنظام الايراني والذي قام ويقوم به مع وأثناء الحرب المدمرة في غزة، ليس مرحب به إقليميا ولا دوليا بل وحتى هناك الكثير من القلق والتوجس بشأنه، ولاسيما وإن طهران يهمها أن تخرج من هذه الحرب بعد أن تضع أوزارها بأكبر قدر ممكن من الحمص، وحتى إن رشقات الصواريخ التي يقوم بها الحرس الثوري الايراني بإتجاه بلدين عربيين وآخر إسلامي تزامنا مع رشقات صواريخ وكلائه بإتجاه إسرائيل وقواعد أميركية في المنطقة، تبعث على السخرية أكثر مما تدفع للتساؤل، ولاسيما وإن الصورة توضحت تماما من إن طهران تتجنب بكل وضوح خوض حرب أو مواجهة مع أميركا أو إسرائيل، ونعود لعنوان المقال، ونقول، بأن الحرب الايرانية ـ العراقية وماجرت وتجري بعدها من حروب ومواجهات بما فيها حروب الخليج فإن جذورها تعود كلها لهذا النظام وما أثاره ويثيره من مشاكل ويعمل كل ما بوسعه من أجل إثارة الحروب، والسؤال هو: الى متى ينبغي لبلدان الشرق الاوسط وبلدان أخرى معنية بالأمن في هذه المنطقة الحساسة ترك هذا العبث المشبوه لهذا النظام الاكثر من مشبوه آمنا؟!