الانشقاق عن الاخوان والاستقطاب والنزعة الجهادية

المؤلف لورينزو فيدينو يرفع الستار عن معلومات هامة حول أسباب الانشقاق عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في العالم ونهج الجماعة في استقطاب عناصر جديدة وتجنيدها والعلاقة الوثيقة بالجماعات الجهادية.
فيدينو يؤكد على أن الإخوان لم يتخلوا عن الجهاد كاستراتيجية لتحقيق أهدافهم
قلق متنام في الغرب من أنشطة الإخوان المسلمين

بيروت - رفع الكاتب الإيطالي والخبير الأمني المختص في الجماعات الإسلامية والعنف السياسي ومدير دراسات التطرف في جامعة جورج واشنطن لورينزو فيدينو، الستار عن معلومات هامة حول أسباب الانشقاق عن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في العالم والانضمام إليه، و يكشف العلاقة الوثيقة بين الإخوان والجماعات الجهادية.

وتناول المؤلف في كتاب 'الدائرة المغلقة للإخوان المسلمين في الغرب، الانضمام إلى الجماعة والانشقاق' جانبًا لم يسبق للأكاديميين التعرض له بما يكفي.

وأجرى فيدينو سلسلة من المقابلات مع أعضاء سابقين بارزين في جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا والمملكة المتحدة وأميركا الشمالية، ألقى من خلالها الضوء على دوافع انضمام هؤلاء إلى التنظيمات الإخوانية في الغرب التابعة للتنظيم الدولي للجماعة، والأسباب التي أدت بهم إلى الانفصال عنها.

كما يسد هذا الكتاب ثغرة أساسية تتعلق بندرة الأدبيات التي تتناول آليات الانضمام للإخوان في الغرب والأدوات التي يعتمدون عليها في تعزيز تغلغلهم في المجتمعات الغربية. إضافة إلى أن هذا الكتاب يفسر في جانب منه أسباب تنامي القلق في الدول الغربية من أنشطة وممارسات جماعة الإخوان المسلمين على أراضيها في الآونة الأخيرة.

ويوضح الكتاب في القسم الأول الخصائص الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين والجماعات المنبثقة عنها والتنظيمات المتأثرة بها، حيث يقسم الإخوان المسلمين في الغرب إلى ثلاث شرائح مختلفة على أرض الواقع.

أولها التنظيمات الإخوانية المحضة وهي شبكات سرية غير معلنة تم تأسيسها في الغرب بواسطة فروع شرق أوسطية لتنظيم الإخوان المسلمين، وتضم المهاجرين الأوائل الذين أسسوا في كل دولة غربية تنظيمات شبيهة بالتنظيم الأم في مصر، وتعتمد هذه التنظيمات الفرعية على التلقين الأيديولوجي، ودفع رسوم العضوية، وهناك قيادة منتخبة تدير أنشطتها وتشرف على الأنشطة الاجتماعية والخيرية.

والإخوان الغربيون أبقوا هذه التنظيمات سرية وينكرون وجودها، ولكنها تشكّل حجر الأساس لمنظومة الإخوان المسلمين في الغرب.

وثانيها التنظيمات المولودة من رحم الإخوان، وهي منظمات علنية أسسها أفراد ينتمون إلى الإخوان المسلمين، ولكن هذه التنظيمات تنفي أي علاقة لها بالإخوان المسلمين، وتقوم بمجموعة واسعة من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والخدمية.

تنظيم الإخوان المسلمين يسوِّق نفسه على أنه تنظيم معتدل ولكنه يتصرف أحياناً مثل فرقة دينية في غاية التطرف والنفعية

وثالثها التنظيمات المتأثرة بالإخوان وتتبنّى أيديولوجية الجماعة، وليس لديها روابط عملية واضحة تجمعها مع تنظيم الإخوان المسلمين، لكن هناك بصمات واضحة للجماعة الأم عليها. والتنظيمات الإخوانية الغربية من الشريحة الثالثة قد تضم أعضاء غير مسلمين. ويلفت الكتاب الانتباه إلى أن التنظيمات الإخوانية في الغرب تتبع مبدأ السرية والحرص، وتذهب إلى حدّ إنكار ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين.

ويكشف الكتاب في القسم الثاني أن الفروع الإخوانية في الغرب تشترك في عدة سمات، أولها حصولها على تمويل سخي، وثانيها أنها تريد احتكار الحديث باسم الدين الإسلامي، وثالثها محاولة التأثير في صناعة السياسة الغربية تجاه جميع القضايا المتعلقة بالمسلمين. ويوضح التكتيكات التي تستخدمها جماعة الإخوان المسلمين لتجنيد عناصر جديدة وأسلوب الاحتفاظ بهم، حيث تتشابه أساليب الاستقطاب وتكتيكات الانضمام والبيعة للإخوان المسلمين في مصر والغرب، حيث تبدأ فترة المراقبة والترشيح في حلقات دراسية، ومحاضرات، ومؤتمرات، ثم تأتي البيعة.

ويستمر التركيز على الالتزام الصارم بمبدأ "الولاء والطاعة"، والتضحية بكل شيء شخصي من أجل رفع راية الإسلام. وهناك تشابه كبير بين جماعات الإخوان في الدول العربية ونظيراتها في الغرب، من حيث الهيكل التنظيمي وأنماط السلوك والحياة داخل الجماعة عموماً. في الوقت ذاته نجح الإخوان المسلمون في استغلال مناخ الانفتاح والحريات في الغرب في نشر أيديولوجياتهم، كما جعلوا من المساجد في الجامعات الغربية أدوات للتجنيد وأماكن لاجتماعاتهم، ثم انتقلوا إلى إصدار مجلات، وتنظيم محاضرات، لتعزيز تواجدهم وتغلغلهم.

ويشير الكتاب إلى أن هناك العديد من القيادات والعناصر الإخوانية في الغرب من جنسيات مختلفة ومن أجيال متباينة، يجمع بينها أنها كانت في بداية انضمامها للجماعة نشيطة وفاعلة، لكنها من واقع الممارسة اكتشفت العديد من السلبيات في إدارة تسيير شؤون الجماعة، وغلبة الشخصنة وغياب الديموقراطية عنها، وغموض موقفها تجاه العديد من القضايا ما اضطرهم إلى الانشقاق عنها، أمثال المصري كمال الهلباوي، واللبناني أحمد عكاري، والمغربي محمد لويزي، والفرنسي عميرو مارونجيو الذين وجهوا في ما بعد العديد من الانتقادات للجماعة.

ويسلط الكتاب الضوء على العلاقة بين الإخوان المسلمين والحركات الجهادية المختلفة، وعلى رأسها تنظيمي القاعدة وداعش، معتبراً أن هذه العلاقة معقدة جداً وتختلف من بيئة إلى أخرى ومن وقت إلى آخر، وأن الإخوان هم أصل التنظيمات الإرهابية. ويضرب مثالاً بذلك بعبدالله عزام، الإخواني الذي انتقل إلى المعسكر الجهادي الراديكالي (محاربة السوفييت في أفغانستان)، حيث انضم إلى الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن العشرين، وتلميذه أسامة بن لادن برز نجمه في مدار الإخوان المسلمين في السعودية، قبل أن ينشق عن الإخوان. وكذلك القائد الذي خلف أسامة بن لادن في قيادة تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي كان عضواً في جماعة الإخوان في مصر قبل أن يتولى قيادة تنظيم الجهاد الإسلامي. وأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الذي كان عضواً في جماعة الإخوان في العراق.

ويؤكد الكتاب على حقيقة رئيسية وهي أن الإخوان لم يتخلوا عن الجهاد كاستراتيجية لتحقيق أهدافهم، وهناك أمثلة كثيرة على تورط الجماعة في أعمال العنف حتى في السنوات الأخيرة. ويستشهد بذلك بكتاب يوسف القرضاوي المنشور عام 1987 تحت عنوان الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرُّف، والذي سعى من خلاله إلى محاولة إقناع الآخرين برفض الجماعة لجوء الشباب إلى العنف، لكن الكتاب نفسه أظهر تمجيد قيادات الجماعة لاستخدام العنف ومحاولة تبريره.

كما يوضح أن ما كشفه الأعضاء السابقون في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من معلومات ينبغي أن يكون تنبيهاً وتنويراً لكل من يعتقد أن الإخوان المسلمين معتدلون أو أنهم حائط الصد ضد التطرف أو أنهم ملتزمون حقاً بمبدأ التعددية والديمقراطية، فالمقابلات التي أجراها المؤلف مع هؤلاء الأعضاء تشير إلى خطورة تنظيم الإخوان المسلمين الذي يسوِّق نفسه على أنه تنظيم معتدل ولكنه يتصرف أحياناً مثل فرقة دينية في غاية التطرف والنفعية.