البحث عن جماليات المعرفي في الخطاب الروائي

أحمد الصغير يرى أن وحيد الطويلة يخطو في طريق الرواية العربية ممسكا بمجموعة من أحجار التجريب السردي التي ترج المياه الراكدة.
آمنة بلعلي: بعد فتوحات دان بروان في "شفرة دافنشي" نجد أنفسنا أمام تجارب روائية عربية تؤسس من جديد للكتابة الروائية البوليسية
أمينة زيدان تقدم دراسة مقارنة بين "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، و"ذهبت إلى ماريا" لطارق كامل
بحث محمد سليم شوشة ينشغل بما يمكن تسميته بجماليات المعرفي في الخطاب الروائي ونزوع فن الرواية إلى أن يكون متحصنا بحال من البحث المعرفي
مشاركة الروائي متلقيه يضفي نوعا من السحر على النص

يطرح الناقد د. أحمد الصغير صور المخاتلة الفنية داخل السرد الروائي عند المبدع وحيد الطويلة الذي يخطو في طريق الرواية العربية ممسكا بمجموعة من أحجار التجريب السردي التي ترج المياه الراكدة، لتصنع حولها كثيرا من الحلقات السردية المخاتلة والمناقشات العلمية التي تحتضن الفن الروائي الذي أبدع فيه الطويلة، بل أضاف روحه الحقيقية في ثنايا متونه النصية الراسخة بجذورها في أرضية السرد، وقد تمثل ذلك في روايته "حذاء فيلليني" التي صدرت 2016.
وقال الصغير - في إحدى جلسات ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي العربي الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة تحت شعار "الرواية في عصر المعلومات" (دورة الطيب صالح) – إن رواية "حذاء فيلليني" التي احتفى فيها الطويلة بتقديم سرود نوعية مخترقة حواجز الحداثة وما بعدها، ممتزجة بروح السينما المخلصة للحضور الإنساني المحزن، ومرتبطة أيضا بغياهب التعذيب في السجون والمعتقلات، إضافة إلى الظلم الاجتماعي بين طبقات المجتمع العربي بعامة، حاول  فيها الطويلة أن ينتصر على الجمود الإنساني والركود النفسي داخل الأحجار اليتيمة التي تخشى كل شيء.
وأوضح أحمد الصغير – في الجلسة التي رأسها الناقد د. عبدالناصر حسن - أن وحيد الطويلة قدَّم ثلاث روايات مهمة من قبل هي: ألعاب الهوى، أحمر خفيف، وباب الليل، وقدم في القصة مجموعتي خلف النهاية بقليل، وكما يليق برجل قصير، وفي كل نص سردي يقدمه الطويلة يعتمد على مراكز استشعارية سردية تجريبية، قبل أن يخطو خطوة واحدة في الكتابة، فهو يصنع لغته الخاصة التي تقترب من الشعرية، بل تقف في منطقة عليا ما بين الشعرية والسردية، تحفر بذلك ندبات عميقة في وجدان المتلقي العربي.  

Cairo forum for creative fiction
الانتصار على الجمود الإنساني 

وعن "فنيات تقاطع خطوط سردية متعددة مع بنية النص الروائي" تحدثت د. أماني فؤاد، وذكرت أن التعامل مع التاريخ من منظور فني بحيث لا يستعيد الروائي إنتاج الوقائع، بل يقوم بخلق وظيفة إيحائية لانتقاءاته من الماضي تستعيد الرؤية الطازجة لوقائع التاريخ، وتعيد تأويله وتخيله، لتستشف منه دلالات مغايرة لما تناقلته صفحات المرويات واستقر.
وأشارت فؤاد إلى أنه في بعض النصوص يشارك الروائي متلقيه في مراحل الفعل الكتابي المتشكل براهنيته، واحتمال تبدله داخل النص ووجود أكثر من اختيار، ولذا تتبدى السخرية من النزعة التقليدية بالإيهام بالواقع، كما يحرص الراوي على الاستهانة بالسرد التقليدي وتقديم صورة مغايرة للرواية، تشكل ما يسمى بالرواية المضادة.
وفي بعض النصوص يصبح المكان كأنه كائن ضخم له ظلال متعددة، كل ظل يخرج من المكان يسمح بتجسيد مرحلة زمنية بما تضمنته من سياقات ونماذج بشرية خاصة، ويتطلب هذا أن يتغير مفهوم الزمن وتتجسد من خلاله حالة من الجدل والتعدد بين كونه زمنا دائريا أو زمنا خطيا تتكرر فيه بعض الأحداث الجوهرية بصور قد تتشابه أو تختلف.
وتشير أماني فؤاد إلى أن بعض النصوص تتضمن تأكيد تغيير مفاهيم معرفية استقرت وتفكيكها واستبدال أطروحات جديدة بها، ولذا تصبح هناك أكثر من حبكة روائية، كما تتعدد صور الحبكة الواحدة ويشارك الروائي متلقيه في تعدد صورها، وهو ما يضفي نوعا من السحر على النص.
وذكرت أنه من شأن النصوص الروائية التي قامت بدراستها ذات الخيوط السردية المتعددة الاتساع بمفاهيم الحياة ومراقبة وجوه الواقع، يكشف عما يتضمنه المكان والزمان من متقاطعات لوحدة وتشابه هموم الإنسان وتكرارها، لكنها أيضا ترصد للفرادة وخصوصية كل قصة بشرية تمايزات الإنسان الكائن الرئيس الذي يملأ تلك التجاويف الزمكانية، وهو ما يحمل النص بغنى فني مضاعف وأبعاد فكرية تتجادل.
وهي في كل ذلك تدرس ثلاثة نصوص روائية من الإصدارات الحديثة وهي: "أولاد جيتو" لإلياس خوري، و"شغف" لرشا الدالي، و"حصن التراب" لأحمد عبداللطيف.
وعن "السرد البوليسي في الرواية العربية المعاصرة: المقاصد والإمكانيات" جاءت مشاركة آمنة بلعلي، فقالت إنه في ظل موجهات تكنولوجيا الإعلام والاتصال وتفاعل الثقافات، وقيم ما بعد الحداثة التي تلقي بظلالها على الأدباء والروائيين خاصة، وجد الروائيون العرب اليوم أنفسهم في موضع لا يكتفي بالإصغاء إلى ما تمليه هذه الموجهات من بدائل في كتابة الرواية، من قبيل تطعيم الرواية بالرقمنة، والإنصات لسرعة الوسائل التكنولوجية والاستجابة إلى إكراهاتها، ولكن بمحاولة الاستفادة مما يجري اليوم من صراعات من آثار الحروب، والرقابة الجديدة، ليستأنفوا نوعا من الكتابة الروائية كنا نعتقد أنه ليس من خصائص الكتابة العربية، وهو السرد البوليسي لنجد أنفسنا، وبخاصة بعد فتوحات دان بروان في "شفرة دافنشي" أمام تجارب روائية في الكتابة الروائية العربية تحاول أن تستثمر في هذه الثقافة العالمية الجديدة لتؤسس من جديد للكتابة الروائية البوليسية.

وتعاين آمنة بلعلي هذا التوجه الجديد من خلال نماذج روائية عربية للوقوف على الموضوعات التي اقتضت هذا النوع من الكتابة، وكذلك المقاصد التي تؤسس للأنساق المضمرة فيها، محاولة استكشافها بتفكيك بنية هذا النوع من الروايات، والتساؤل عن مدى الخصوصية التي تمتلكها الرواية العربية التي يشتغل أصحابها في هذا النوع من التجريب، ويشغلون وعيا مختلفا، وبخاصة أن المرأة العربية ذاتها انخرطت في هذا النوع من الكتابات، متسائلين عن الاستراتيجيات التي اعتمدت في كتابة هذا النوع من الرواية، وإلى أي مدى تستجيب آليات التجريب لحاجيات الأمة العربية النفسية والسوسيوثقافية، وهل هذا النوع من الكتابة يوحي بمستقبل مختلف للسرد، يدخل الرواية العربية في فضاء أوسع تجعلها جزءا من المشهد الثقافي العالمي، أم أن هناك معوقات تجعل الرواية العربية دائما صدى للرواية الغربية؟
وتقدم أمينة زيدان دراسة مقارنة بين رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، ورواية "ذهبت إلى ماريا" لطارق كامل، وتقول: يعد الطيب صالح عبقري الرواية العربية، واحدا من أعظم كتاب الرواية في القرن العشرين، ومن ثم فقد وجدت في هذا البحث فرصة لإلقاء التحية على روح هذا الكاتب الممشوق القامة والمقام، والبحث في ملامح التجريبي وسؤال الهوية في رواية "ذهبت إلى مايا" قياسا على الرواية الأسبق "موسم الهجرة إلى الشمال" من حيث التقنيات السردية الأساسية: الزمان، المكان، الشخصية، الحدث، الرمز .. الخ، مستعينة بها كأدوات لاستكشاف ملامح التجريبي الذي طرأ على الرواية العربية خلال تلك العقود التي تفصل بين إصدار العملين محل الدراسة، وكذلك تتبع سؤال الهوية، حيث تعتقد زيدان أن التجريبي يلتصق التصاقا بيولوجيا بمؤشر الهوية الذي يتحرك يسارا ويمينا منذ النشأة الأولى للإنسان، وتتسارع حركته منذ الثورة الصناعية وإلى الآن، حيث تتصارع القوى الرأسمالية، ويلجأ المثقف الذي هو ضمير العالم إلى البحث عن المجتمع المثالي "اليوتوبيا"، وذلك بالهجرة إلى الشمال، حيث الحرية واحترام الإنسان والقدرة على التفوق وتحقيق الأحلام.
وتضمنت دراسة أمينة زيدان موضوع الهجرة وارتباطه بالأدب والرواية تحديدا، وتعريف بالروايتين محل الدراسة وتعريف بالكاتبين، وإثبات التجريبي في رواية "ذهبت إلى ماريا" من حيث الشكل والتوظيف للأدوات السردية، والبحث في سؤال الهوية وتحولاته.
وعن "جماليات المعرفي وإبستمولوجيا السرد الروائي – دراسة سردية إدراكية في رواية موت صغير لمحمد حسن علوان" تحدث الباحث محمد سليم شوشة، فقال إن بحثه ينشغل بما يمكن تسميته بجماليات المعرفي في الخطاب الروائي ونزوع فن الرواية إلى أن يكون متحصنا بحال من البحث المعرفي التي تجعله يتجاوز مجرد الحكاية أو القصة العادية، فيقدم حمولات معرفية في طياته، ومن هنا يكون الخطاب الروائي في حال من التحدي إذا جاز التعبير، فلا يكون خاضعا بشكل كامل لهذه الطبيعة المعرفية والبحثية، ويتجاوز طبيعة النوع الأدبي المؤسس على الجماليات والخصوصية من حيث الحركة والنبض الإنساني وتشكيل عالم حكائي له خصوصية، وأن تكون لغة السرد الروائي على قدر كبير من الشعرية برغم هذه الحال البحثية أو المعرفية. 

Cairo forum for creative fiction
شعرية التفاصيل 

ويوضح شوشة أن بحثه يحاول مقاربة هذه النزعة التجريبية لتأسيس جماليات المعرفي عبر التطبيق على رواية "موت صغير" للروائي السعودي محمد حسن علوان، ويقاربها مقاربة سردية إدراكية محاولا الكشف عن هذه الطاقات الجمالية المؤسسة على المعرفة أو الإضافات المعرفية، وكذلك البحث عن قدر التوازن بينها وبين الجماليات التقليدية الخاصة بثوابت النوع الروائي مثل الحركة وبنية الحكاية وملامح العالم المسرود عنه والإيهام، والتشويق والملامح الإنسانية للشخوص، وكذلك يبدو البحث منشغلا بدرجة ما بمسألة تسريد التاريخ أو تحويل التاريخ إلى سرد روائي، والبحث في الفوارق بين التاريخ والفن أو علاقة الرواية بالتاريخ، وكيف يمكن أن تكون مؤسسة عليه دون أن تفقد طبيعتها الفنية والجمالية.
وأشار محمد السيد شوشة إلى أن البحث يقارب في قراءته لهذه الرواية بنية المفارقة وشعريتها في السرد الروائي، وشعرية التفاصيل والوصف الجغرافي والطبوغرافي للمكان، وكذلك الوصف وبناء المشهد والحدس والاشتغال التأويلي.