البحرين تمنح حوافز واسعة للاستثمار بها

البحرينيون برعوا في التجارة عبر التاريخ

المنامة - لما كانت البحرين هى الدولة الاولى بين دول مجلس التعاون الخليجى التى يكتشف فيها النفط فقد كانت هى الاولى ايضا فى استشعار خطر نضوب هذا المصدر والاعداد المبكر لمرحلة ما بعد النفط، حيث عملت البحرين منذ بداية الستينات على تهيئة البنية الاساسية اللازمة لتوسيع قاعدتها الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل القومى بمنأى عن النفط.
وظهرت مؤشرات هذا النجاح فى زيادة مساهمة قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات بمعدلات كبيرة تبلغ 83 فى المئة من الناتج المحلى الاجمالى وفى انخفاض مساهمة قطاع النفط والغاز الطبيعى.
ويرجع تاريخ البحرين الى نحو خمسة الاف عام حيث عرفها العالم بأسماء متعددة مثل دلمون وتايلوس واوال واخيرا البحرين. وكانت البحرين طوال تاريخها مركزا تجاريا طبيعيا بحكم موقعها الاستراتيجى على طريق التجارة فى الخليج العربى علاوة على انها لعبت دورا حيويا فى حركة التجارة العالمية التى امتدت لتشمل مناطق الهند والشرق الاقصى.
وتمتلك البحرين احتياطيا محدودا من النفط بالمقارنة مع غيرها من دول الخليج العربية. وتم اكتشاف حقلها البرى الوحيد وهو حقل جبل الدخان فى عام 1932 غير ان انتاج هذا الحقل اخذ فى الانخفاض منذ عام 1974 حيث انخفض من نحو 67 الف برميل يوميا فى عام 1974 الى نحو 40 الف برميل يوميا.
اما حقل ابوسعفة فهو حقل بحرى يعوض انتاجه جزئيا عن التدنى فى انتاج الحقل الاول.
ويستورد الجزء الاكبر من النفط الذى يتم تكريره فى مصفاة النفط بالبحرين من المملكة العربية السعودية عبر خط للانابيب، وليست هناك احتمالات كبيرة لحدوث اكتشافات نفطية جديدة بالبلاد.
على انه مع وجود تسعة ترليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز، فقد دأبت البحرين على تطوير صناعات تعتمد على الاستهلاك المكثف للغاز.
وتعد شركة المنيوم البحرين (البا) وشركة الخليج لصناعة البتروكيماويات وشركة غاز البحرين الوطنية وغيرها من الصناعات التكميلية امثلة على عملية التصنيع التى تعتمد عليه حيث كانت تلك هى اولى الخطوات نحو التوسع والتنوع فى مصادر الدخل التى بدأت البحرين تجنى ثمارها منذ بداية السبعينات.
ومن الممكن ملاحظة التنوع فى مصادر الدخل الاقتصادى فى البحرين من خلال الانخفاض فى مساهمة قطاع النفط والغاز الطبيعى فى الناتج المحلى الاجمالى من 63.3 فى المئة فى عام 1973 الى 16.8 فى المئة فى عام 2000 وزيادة مساهمة القطاعات الاقتصادية الاخرى من 36.7 فى المئة فى عام 1973 الى 82.2 فى المئة فى عام 2000.
وتزامن ذلك مع تحقيق معدل نمو سنوى بنسبة 14.8 فى المئة فى المتوسط فى الناتج المحلى الاجمالى بالاسعار الجارية خلال الفترة من عام 1973 الى عام 2000.
واتاح الاكتشاف المبكر للنفط ونشاطات التدريب المكثفة التى قامت بها شركات النفط فرصة مواتية للبحرين لتطوير نظام تعليمى جيد ساهم بدون فعال فى خلق قوة عمل مؤهلة وقادرة على انشاء قاعدة تكنولوجية محلية دائمة وقد وصل معدل الانفاق على التعليم الى اكثر من 2000 دولار امريكى للفرد فى عام 1999 مقارنة بنحو 292 دولار فى عام 1973، وفى نفس الوقت انخفضت نسبة الامية من 80.1 فى عام 1959 الى 4 فى المئة فى عام 1999.
وكانت عملية تنويع القاعدة الاقتصادية مكثفة بدرجة استدعت الحاجة معها الى استيراد عمالة اجنبية غير ان البحرنة كانت وما تزال هدفا رئيسيا للسياسة الحكومية حيث يتم تنفيذها بخطى حثيثة دون المساس بالاحتياجات النوعية التى تتطلبها استراتيجيات تنويع مصادر الدخل الاقتصادى الموجهة نحو التصدير.
وكنتيجة حتمية لسياسة التنوع الاقتصادى التى انتهجتها الحكومة فقد اشتهرت البحرين بمميزاتها المتعددة وجاذبيتها للاستثمارات المحلية والاقليمية والعالمية.
وهناك اجماع عام بين الاقتصاديين يؤكد اهمية موقع أى بلد فى عملية التنمية الاقتصادية ذلك لان الموقع الملائم للانتاج لا يمكن تحديده عرضا وانما لاعتبارات فنية واقتصادية تستهدف فى الاساس تحقيق اكبر قدر من الربحية فى اية وحدة انتاجية.
وفى هذا الصدد فان اختيار الموقع المناسب لممارسة أى نوع من النشاط الاقتصادى يتأثر بعوامل عديدة مثل وفرة الموارد بما فيها المواد الخام وفارق التوقيت مع المواقع الهامة الاخرى للانشطة الاقتصادية حول العالم ومستوى البنيات الاساسية الطبيعية وغير الطبيعية وتوفر الخدمات سواء كانت منظورة او غير منظورة ومناطق تركز السكان باعتبارها مصدرا للعمالة وسوق محتملة والتربة والمناخ والظروف الطبيعية والتقنية.
وفيما يتعلق بتلك العوامل فان البحرين تتمتع بكثير منها حيث تحتل موقعا استراتيجيا فى الشرق الاوسط يقع فى الوسط بين مناطق التوقيت فى الشرق والغرب كما ان جسر الملك فهد الذى ينطبق عليه الوصف بأنه جسر الى المستقبل قد وفر للبحرين طريقا بريا يربطها بالمملكة العربية السعودية واحدث عند افتتاحه فى عام 1986 نقلة نوعية فى حركة التجارة والسياحة بين البحرين والمنطقة الشرقية الغنية بالنفط وغيرها.
ويضع هذا الجسر البالغ طوله 25 كيلومترا البحرين على مسيرة ساعة بالسيارة من المراكز السكانية الرئيسية فى المنطقة الشرقية وعلى مسيرة نحو اربع ساعات من الرياض والكويت.
كما ان شبكة الطرق التى فتحها الجسر امام البحرين توفر لها منفذا الى بقية دول مجلس التعاون الخليجى وبقية انحاء الشرق الاوسط. ازاء كل ذلك لم يعد حجم السوق المحلى فى البحرين عقبة فى تطور الصناعة والتجارة بل اصبحت البحرين تعد سوقا اقليمية لما يزيد عن 100 مليون شخص، ويمكنها الوصول بسهولة الى الاسواق الحرة فى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وهناك ميزة رئيسية اخرى للبحرين تتمثل فى اطارها التشريعى المتكامل اذ ليس هناك ادنى شك فى اهمية القوانين واللوائح التنظيمية فى عملية التنمية الاقتصادية.
وفى الوقت الذى شهد فيه قطاع الاعمال التجارية فى البحرين تطورا كبيرا سعى القانون لمواكبة هذه التطورات من جانب والى تشجيع الممارسات التجارية من جانب اخر وتحديد اطرها بصورة تتسم بالعدل والمساواة مما ادى بدوره الى تحفيز النمو والتطور بشكل عام اضافة الى تحقيق العدالة فى توزيع الفرص.
وعلاوة على ان الاطار التشريعى فى البحرين مقبول عالميا الا ان هذا الاطار يشهد تطورات حسب مقتضى الضرورة لملائمة وضع البحرين كمركز اقليمى للتجارة والصناعة والخدمات ومركز مالى عالمى وسوق مفتوح يعمل على تشجيع المؤسسات لاسيما ذات الشهرة العالمية للدخول فى مشروعات استثمارية مختلفة واقامة مكاتب اقليمية لها فى البحرين.
والى جانب ذلك فقد اصبحت البحرين مركزا اقليميا ودوليا للتحكيم وفق اطار القواعد الارشادية التى حددتها اتفاقية نيويورك لعام 1958 وتقدم خدمات التحكيم للافراد والموءسسات من دول الخليج العربية فى التعامل مع نظرائهم من كافة انحاء العالم كما ان هناك مركز تحكيم خاص بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يتعامل مع كافة القضايا الاقليمية.
ويجسد تطور القطاع الصناعى غير النفطى جهود الحكومة لتنويع مصادر الدخل الاقتصادى وكان المدخل لتحقيق ذلك الهدف هو اقامة صناعات واسعة تعتمد على الطاقة وموجهة نحو التصدير بحيث يمكن الاستفادة من وفرة الغاز الطبيعى وتكلفته المنخفضة نسبيا.
وتغلب على القطاع الصناعى فى الوقت الراهن صناعات البتروكيماويات والالمنيوم وصيانة واصلاح السفن وفى نفس الوقت يجرى التوسع فى صناعات خفيفة مثل تجهيز وتعبئة الغاز وصناعة الاسفلت والمبانى الجاهزة والمشروبات الخفيفة واجهزة تكييف الهواء والمنتجات الورقية والبلاستيك والبلاط والملابس.
ويتميز القطاع الصناعى المتنامى فى البحرين والذى يشمل نحو 2278 مؤسسة صناعية بنوعين من المنشات: النوع الاول يتمثل فى عدد من المشروعات الكبرى التى غالبا ما تكون مملوكة للدولة او لشركات متعددة الجنسيات وتعمل هذه فى قطاعات تصنيع النفط او الغاز او البتروكيماويات او فى قطاعات تصنيع الالمنيوم وخام الحديد وتصدر معظم هذه المشروعات القسم الاكبر من انتاجها الى اسواق اوروبا وشرق اسيا اما مباشرة او عبر شركات التسويق.
ويتمثل النوع الثانى فى عدد كبير من الصناعات الخفيفة المنشأة حديثا لانتاج الغذاء ومواد البناء والبلاستيك والمساكن الجاهزة والنسيج والتجهيزات الكهربائية والكيماويات الصناعية والغاز ومنتجات الالبان والدواجن والمنتجات الورقية وغيرها من المصانع المتخصصة فى انتاج معظم الاحتياجات الشخصية والصناعية.
وعرضت البحرين منذ بدء برنامج تنويع مصادر الدخل الاقتصادى فى السبعينات الكثير من الحوافز والتسهيلات بما فى ذلك البيئة الحرة للاستثمار والملكية الكاملة لغير البحرينيين والاعفاء من الضرائب والرسوم على المواد الخام والالات والمعدات وكان الهدف من وراء تلك الحوافز هو استقطاب الاستثمارات الخارجية مع التركيز على استحداث نشاطات اقتصادية جديدة رائدة.