البحرين جنة شعبها

البحرين ليست كلها سياسة.

لا أعتقد أن أحداً زار البحرين ولم يعبر عن اعجابه بشعبها.

"البحرين مختلفة" ذلك ما تسمعه من الجميع دون استثناء. هي مختلفة لا بمزاج شعبها الثقافي الذي يميل إلى الخلق المتجدد حسب بل بشغف ذلك الشعب بالعمل. شعب ترى أفراده في كل مكان وهم يعملون في مختلف المهن. الجزء الأكبر من حياتهم لا يصنعها الآخرون، بالرغم من كرمهم الأخوي مع كل مَن يقيم ويعمل بينهم.

الكرم البحريني يتجسد في العيون التي تلمع بابتسامة استفهامية وفي الأيدي التي تكهرب مصافحاتها وفي الأفواه التي لا تنطق إلا شعرا وهي تقصد الترحيب. هناك صناعة ثقافية ورغبة في التقدم وحصانة وطنية لا يمكن أن يخطئها المرء وهو ينقل نظرته بين المباني الشاهقة وبيوت الناس البسطاء التي تزخر بالألفة. لا يزال هناك الشيء الكثير من أمس البحرين المترف بعاطفته. هو الشيء الذي يحرص البحرينيون على الإخلاص له بشغف وعذوبة وثناء.

يمشي البحرينيون مغمضي العيون بين أزقة قراهم التي تصنع متاهات، يشعر المرء وهو يجتازها كما لو أنه في طريقه إلى جنة دلمون. لقد زرت معبد "سار" فاستيقظت في داخلي مشاعر السومري الأخير الذي حُمل جثمانه من أور إلى دلمون.

وحين زرت المتحف في طريقي للقاء الشيخة هلا آل خليفة رأيت الأدوات المنزلية التي حملها معه ذلك الرجل إلى دنياه الأخرى. كانت دلمون ممرا مريحا ومستقرا آمنا وهي لا تزال كذلك.       

البحرين الآمنة المستقرة هي جنة السومريين.

وهي جنة شعبها. وليس من المبالغة في شيء إذا ما قلت إن ذلك الشعب هو شعب صعب لأنه شعب خلاق. وهي الفكرة التي شُيدت على أساسها قاعدة الحكم في بلد، لم يكن في إمكانه انشاء دولة ريعية بسبب محدودية ثروته وعمق علاقة شعبه التاريخية بالعمل.

في سياق ذلك الواقع فإن التطور التي تشهده البحرين في مختلف المجالات انما يعبر عن قدر هائل من الانصاف والنزاهة.    

وقد يكون مثيرا أنك لا ترى أثرا من الانزعاج في حديث المسؤولين في الدولة عن المعارضة. هناك تمييز واضح بين ما هو حوار سياسي وبين ما هو سلوك صبياني لا ينطوي على أدنى شعور بالمسؤولية استطاعت الدولة أن تضعه في محله الحقيقي مثلما نجحت العدالة في وضع حد لحالات الخيانة المبيتة. اما المعارضة المدنية فما من شعور بخطرها.

مشكلة البعض من المعارضين تكمن في ثقافته الطائفية. وهي ثقافة لا تستند إلى رغبة في المساهمة في بناء الدولة المدنية والإخلاص لمبدأ المواطنة، بل هي ثقافة تستند إلى طقوس فلكلورية لم يعد لها محل في الحياة الحديثة.

هناك فرق شاسع بين مَن يبني الحياة على أسس معاصرة ومَن يخصص الجزء الأكبر من حياته لإحياء الشعائر الطائفية القائمة على اللطم والبكاء والعويل والنحيب وقراءة المرويات الكئيبة.

ليس من حق الإنسان أن يخرب حياة المجتمع باستذكار الموتى.

الدولة في البحرين تبني. ما تفكر به يجد طريقه إلى الواقع ذاهبا في اتجاه مجتمع حي، يرغب في أن يرى نفسه في المشهد الذي يحتضن المجتمعات المعاصرة اما الملالي فإن مشروعهم يقوم أصلا على صناعة انتحاريين صغار هم أشبه بحشاشي حسن الصباح.

البحرين بلد حي، دولته منغمسة في تأكيد انتمائها الأصيل إلى الوعي الحضاري. إنها دولة حديثة تحلق بها سعادة أنها كانت الجنة بالنسبة لواحدة من أعظم الحضارات وهي الحضارة السومرية.

كانت الشيخة مي آل خليفة وهي وزيرة الثقافة سابقا ورئيسة هيئة الثقافة والآثار حاليا حين استقبلتني حزينة لأن نبعا قد تم طمره من قبل شركة أجنبية. "هناك شيء من جمال البحرين قد اختفى" قالت بألم.     

البحرين ليست كلها سياسة. يخطئ المرء حين ينظر إليها من منظور سياسي. تلك مملكة يجتهد شعبها من أجل أن تبقى فكرة السومريين عنها ممكنة في كل لحظة. إنها جنتهم على الأرض.