البغدادي قتل في إدلب حيث تؤمن أنقرة حماية للمتشددين

الحكومة التركية أكدت تنسيقها مع واشنطن لمساعدتها قبيل العملية العسكرية الأميركية التي قتل فيها أبوبكر البغدادي في قرية باريشا بإدلب.

إدلب (سوريا) - طرحت العملية العسكرية التي نفذتها القوات الأميركية للقضاء على زعيم تنظيم داعش الإرهابي في محافظة إدلب  في شمال غرب سوريا، العديد من التساؤولات حول الدور الذي لعبته أنقرة في تحصن أبو بكر البغدادي بالمنطقة التي يسيطر عليها المقاتلون الإسلاميون المتشددون الذين طالما قدم لهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدعم للحفاظ على نفوذهم في مناطق استراتيجية تحت مسمى "المعارضة السورية".

وتداول ناشطون ومواطنون سوريون اليوم الأحد، لقطات مصورة لعمليات عسكرية نفذها قوات أميركية ليل السبت في قرية باريشا شمال محافظة إدلب الوسرية، وقالت مصادر إنها المكان الذي قتل فيه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان العملية قائلا إن "سربا من ثماني مروحيات نفذ هجوماً بعد منتصف الليل في محافظة إدلب في منطقة يتواجد فيها "عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية" و"تنظيم حراس الدين"، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص على الأقل بينهم امرأتان وطفل.

وأضاف إن العملية استهدفت منزلاً وسيارة على أطراف قرية باريشا الحدودية مع تركيا، مشيرا إلى أن "مروحيات أميركية أنزلت مقاتلين على الأرض اشتبكوا مع جهاديين".

 وقالت مصادر أميركية إن البغدادي كان من بين الجهاديين الذين قتلوا خلال العملية.

وتبعد قرية باريشا السورية الواقعة شمال إدلب حوالي 5 كلم فقط عن الحدود مع تركيا، التي ضمت إلى صفوف جيشها مقاتلين متشددين لمساعدتها في الهجوم العسكري شمال سوريا ضد الأكراد.

وتساءل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عن العلاقة المشبوهة بين أنقرة والإرهابيين والجماعات الجهادية، فهذه ليست المرة التي توجه فيها أصابع الاتهام إلى النظام التركي بدعمه للمتشددين والجماعات الإرهابية المسلحة.

وكتب ناشط على تويتر "الأكثرية الساحقة من عناصر داعش وقادتها وخليفتهم البغدادي، الذين فروا من المعارك مع قواتنا (قسد)، كانوا قد توجهوا إلى المناطق الواقعة تحت الحماية التركية كجرابلس، اعزاز، عفرين، إدلب والباب وتم دمجهم ضمن الفصائل المتشددة التي ترعاها تركية وتوجهها".

ولم تنفي الحكومة التركية أنها "نسقت" وساعدت واشنطن قبيل العملية في باريشا التي تمتلك أدق تفاصيل تموقع المقاتلين الموالين لها في أحيائها.

وأفادت وزارة الدفاع التركية الأحد في تغريدة "قبيل العملية الأميركية في محافظة إدلب السورية الليلة الماضية، حصل تبادل للمعلومات وتنسيق بين السلطات العسكرية للبلدين"، دون إعطاء تفاصيل.

وتسيطر على أغلب جبهات القتال في إدلب ومحيطها "المعارضة" المسلحة وفي مقدمتها الجهاديون الموالون لأنقرة مثل تنظيم تحرير الشام (النصرة) سابقاً، وهي تشكل مفتاح الحرب في سوريا وقد زار شطرها الجنوبي الرئيس السوري بشار الأسد منذ أيام للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع في 2011.

وتنشر تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها تطبيقاً لاتفاقي خفض التصعيد الذي رعته تركيا وروسيا في سوتشي حول إدلب.

وغرد مايكل هورويتز المحلل الجيوسياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط متسائلا على تويتر "إذا كان البغدادي فعلا وصل إلى باريشا، سيكون من المثير للاهتمام أن نفهم كيف تمكن من الوصول إلى هناك (عبر سوريا أو من خلال تركيا؟) ، وكيف كان من الممكن له أن يبقى هناك".

وكانت روسيا حليفة نظام الأسد تستخدم إدلب كأهم أوراق الضغط للتفاوض مع تركيا التي سعت في السنوات الأخيرة لتسليح هذه الجماعات المتشددة حتى تتمكن من إطالة الأزمة وتوظيفها لتحسين شروط التفاوض مع موسكو التي باتت اللاعب المحوري في الميدان السوري.

ويرى مراقبون للشأن السوري أن محافظة إدلب الاستراتيجية التي فشل النظام في استعادة السيطرة عليها كانت ضمن التسوية التي اتفق عليها الأسبوع الماضي الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سوتشي، وقد سمح الاتفاق بوقف الجيش التركي لعمليته العسكرية ضد الأكراد شمال سوريا مقابل انسحابهم على الحدود التركية وإقامة أنقرة للمنطقة الآمنة.

وفرضت التطورات الميدانية الأخيرة بانسحاب القوات الأميركية من سوريا، إعادة صياغة الاتفاقات بشأن إدلب آخر معاقل المعارضة مقابل ضمان روسي بإنشاء منطقة آمنة تبعد الأكراد الذين يمثلون هاجسا لأردوغان من على الحدود.

ويخفف ترامب خططه للانسحاب من سوريا بعد تعرضها لانتقادات شديدة خاصة من جانب جمهوريين بارزين قالوا إنه مكن تركيا من تنفيذ هجومها الذي هددت به طويلا ضد القوات الكردية التي كانت الحليف الأبرز لواشنطن في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.

يذكر أن تقارير صحفية محلية وغربية قد فضحت في العديد من المناسبات تورط جهات تركية في نقل أو تسليح المتطرفين، من بينها صحيفة "جمهوريت" التركية التي نشرت في السابق صورا ولقطات فيديو وتقريرا يكشف أن مسؤولين من المخابرات يساعدون في نقل أسلحة ومسلحين بالشاحنات إلى سوريا.

وكان تقرير مشابه نشره موقع "نورديك مونيتور" الاستقصائي السويدي، في شهر مايو الماضي، كشف أيضا عن تساهل الحكومة التركية مع المقاتلين المتشددين الأجانب الذين تعتقلهم.

وبحسب نفس التقرير، الذي استند على بيانات خاصة بالاستخبارات التركية، أطلقت أنقرة سراح الغالبية العظمى من المقاتلين المتشددين الأجانب، الذين اعتقلتهم خلال الفترة الواقعة بين عامي 2014 و2016، والذين قدموا إلى البلاد كمحطة عبور للالتحاق بعمليات قتالية في سوريا والعراق.

ولا يقتصر دعم حكومة العدالة والتنمية التركية للجماعات الإسلامية المتشددة التي تنشط في أراضي قريبة من حدودها، بل يمتد إلى بلدان البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا ضمن مخططات نفوذها الإقليمي في المنطقة.

اد