التجاذبات السياسية وانتخاب رئيس الجمهورية

الصراع بين التحالف والاطار بلغ مداه في تعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في العراق. العناد أهم من مصالح العراقيين.
مواد الدستور تتحمل التأويل ولهذا نسمع بتفسيرات مختلفة وغالبا ما يفسر حسب المطلوب
لا ننسى ان محاولات قائد فيلق القدس الحالية مع الاطار قد لا تكون مجدية بعد المحاولة الفاشلة الاخيرة

بعد ان ايقنت القوى الشيعية في الإطار التنسيقي إن السيد مقتدى الصدر مُصر على حكومة الاغلبية اصبحت تبحث عن طرق تعرقل تشكيل الحكومة لتحقيق مأربين أساسيين. الأول، اتاحة فرصة جديدة للحوار لإقناع الصدر: والثاني، الوصول الى اقرار واجراء انتخابات جديدة تقوم المحكمة الاتحادية بتحديدها.

فبعد ان قدم برهم صالح الى المحكمة الاتحادية طلب تفسير المادة الدستورية 70 اولاً الخاصة بالجلسة الاولى للتصويت على رئيس الجمهورية، جاءت النتيجة عكس توقعات العديد من المحللين القانونيين وكأن المحكمة أرادت تهدئة الأجواء السياسية بإعطاء مدة اوسع للحوارات السياسية بين القوى المتنافسة. اذ ان المحكمة حددت حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب في الجلسة الأولى لاكتمال النصاب وعلى ان يصوت أغلبية ثلثي مجموع اعضاء البرلمان الكلي لتكون جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قانونية، الأمر الذي افرح قوى الاطار التنسيقي وشركاءهم، وفي المقابل جعل من التحالف الثلاثي (الصدريون والسيادة والديمقراطي الكردستاني) امام مشكلة تجبرهم على اقناع عدد اخر من البرلمانيين لإتمام العدد المطلوب للحضور في الجلسة الأولى. هم يحتاجون الى 45 نائبا لإتمام العدد المطلوب وهو 220 من أصل 329 وفي المقابل يقوم الإطار بجذب باقي الاحزاب والجماعات ليزداد عددهم والذي وصل اليوم الى 110 وذلك بعد اتفاق الإتحاد الوطني الكردستاني معهم وعددهم 18 نائبا والاخير بدوره اقنع الجيل الجديد والذي اصبح عددهم 8 نواب بعد ان استقال واحدا منهم.

مواد الدستور تتحمل التأويل ولهذا نسمع بتفسيرات مختلفة وغالبا ما يفسر وحسب المطلوب للجهات المعنية. ولكن في جميع الاحوال لا يسع جميع الاطراف إلا احترام وقبول قرارات المحكمة. فالمدة التي أوجبها الدستور ثلاثين يوما للتصويت على الرئاسات، ولكن لم يشر الى اي شرط آخر في حال الفشل في تنفيذها كما هو الحال في مواد اخرى من الدستور. وعليه سيترك الامر أيضا للمحكمة الاتحادية لإيجاد تخريجه مناسبة.

جاء الفشل بسبب الدعوى المرفوعة الى المحكمة الاتحادية ضد هوشيار زيباري عن ملف قد انتهى امره منذ عدة سنوات حيث جاء على اثره امر ولائي بإيقاف اجراءات الانتخاب مؤقتا لحين حسم الدعوى، فضلا عن ان البرلمان متهم في الدعوى أيضا. والسؤال الذي يطرح: ماذا بعد الانتهاء من الامر الولائي؟ المفروض تنتهي مدة تولي رئيس الجمهورية يوم 9 شباط/فبراير 2022 وفي حال عدم حسم موضوع رئيس الجمهورية سيتولى رئيس البرلمان منصب رئاسة الجمهورية مؤقتا.

تتعلق المشكلة بتحقيق النصاب الدستوري للجلسة الأولى. فالتحالف يسعى لذلك، اما الإطار فيجاهد لمنع تحقيق ذلك الا ان الاخير حظوظه اقل من التحالف وذلك لان الإطار قابل للتقسيم او ترك شركائه له. ولكن في حال عدم حصول ذلك يبقى التحالف في موقف قلق لان الإطار سيمتلك الثلث المعطل.

يبدو أن مقتدى الصدر يتوق إلى تبرئة هوشيار زيباري ليتخلص من الاحراج كونه سبق الاحداث عند منع نوابه من حضور الى مجلس البرلمان مع معرفته المسبقة بانه امام مشكلة تحقيق النصاب للجلسة الأولى. وفي الجلسة الثانية فأن بإمكان التحالف الثلاثي تحقيق الفوز بالنسبة للتصويت، ولكن بشرط ان يكون نصاب الثلثين موجود. ولن يرتاح الاطار وسوف يلجا الى محاولة تسوية مع اطراف اخرى كالمستقلين او الاطراف التي انشقوا عن خميس الخنجر في محاولة منهم لتعطيل البرلمان وانتخاب رئيس الجمهورية، او قد يشغلون المحكمة الاتحادية بموضوع اخر لنفس الغرض لاستثمار المدة الثانية بعد انتهاء الامر الولائي. فالإطار يراهنون على انهاء المدد الدستورية ليصلوا الى القرار الاخير لتحديد انتخابات جديدة او الى تحقيق اقناع مقتدى الصدر. بمعنى اخر ان الإطار لا يهمه من سيكون رئيس الجمهورية بقدر ما يهمهم تحقيق التوافقية، علما ان التحالف ماضون في تحديد الوزراء وباقي طاقم الحكومة. لا ننسى ان محاولات قائد فيلق القدس قاآني الحالية مع الاطار قد لا تكون مجدية لأن المحاولة السابقة باءت بالفشل عندما رفض قياديان في الإطار امر المشاركة مع مقتدى وأن يصبح المالكي زعيما للإطار دون المشاركة.

المعطيات ستكشف للعراقيين الى اي مدى أن قوى الإطار لا تكترث بما يؤول اليه من تأخير تشكيل الحكومة هذا في حال انهم لم يستنتجوا ذلك فعلا.