التحول التكنولوجي الذكي ضرورة لا غنى عنها
أصبحت عملية "التحول التكنولوجي الذكي" ضرورة لا غنى عنها لتيسير الحياة البشرية في ظل انتشار وباء كورونا المستجد، وأصبح الإنترنت والتقنيات الذكية هي المخرج الوحيد للبشرية بعد أن تم محاصرتها، وشكل بديلاً ممكنا لحياة جديدة يمكن أن تستمر حتى بعد انتهاء هذا الوباء، انطلاقا من هذه الرؤية كانت الدراسة التي أصدرها المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأبوظبي للباحث د.إيهاب خليفة رئيس وحدة التطورات التكنولوجية بالمركز، وصدرت تحت عنوان "كيف تغير التكنولوجيا إدارة الحياة اليومية خلال أزمة كورونا؟"، حيث رأى الباحث أن ما تحياه البشرية حالياً هو الجيل الأول من العالم السيبراني 1G CYBER WORLD، بما له من مميزات وسلبيات، وقد تنتقل البشرية بعد انتهاء هذه أزمة كورونا إلى الجيل الثاني من خلال تسريع عمليات البحث العلمي والتطوير والاستثمار في هذه التكنولوجيات التي أثبتت كفاءة في وقت الأزمة، فننتقل إلى الجيل الثاني من العالم السيبراني الذي يكون أكثر تطوراً وذكاءً عن سابقه.
وقال: من هنا كانت أهمية أن تبدأ الحكومات والشركات في إدراك طبيعة المرحلة الحالية وتداعياتها على المستقبل، فبالطبع مرحلة ما قبل كورونا لن تكون كما هي بعدها، ومع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا بصورة أكبر من ذي قبل وتصاعد الاعتماد عليها في المستقبل القريب، سوف تختلف نظم الإدارة والعمل وكذلك المخاطر والتهديدات.
وأوضح خليفة أن الانتشار المتسارع لفيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" حول العالم وتحوله إلى جائحة وفقا لتصريحات منظمة الصحة العالمية أدى إلى قيام العديد من الدول باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة للتعامل مع الوباء العالمي، بهدف تضييق نطاق انتشار الفروس قدر المستطاع حتى يتم إيجاد المصل الازم للعلاج. ومن هذه الإجراءات مثلا عمل حجر صحي احتياطي للأفراد داخل المنازل، وفرض حظر التجوال على بعض المناطق والمدن، ووقف حركة المواصلات العامة، وإغلاق المدارس والجامعات مؤقتا، وتقليل القوى العاملة في المؤسسات والهيئات، الحكومية والخاصة، وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى احتواء المرض، وكان نتيجة ذلك أن توقفت معظم مظاهر الحياة اليومية في العديد من الدول حول العالم.
الحضور يقتصر في المدارس على تنمية المهارات الشخصية للطلاب وممارسة الأنشطة الرياضية والاجتماعية والفنية، أما ممارسة النشاط التعليمي نفسه فيكون من خلال التعلم عن بعد
وأضاف أن الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في عملية التحول الرقمي نحو مفاهيم الحكومة الذكية والدولة الذكية، استطاعت ليس فقط من تيسير الحياة بشكل شبه طبيعي، بل أيضاً اعتمدت على التقنيات الذكية - التي استثمرت فيها خلال السنوات الماضية - في محاربة انشار المرض، فقيدت التعامل بالأوراق النقدية التي يمكن أن تتسبب في نشر الفيروس من شخص لآخر واتجهت إلى الاعتماد على الأموال الرقمية عبر بطاقات الائتمان والبطاقات الإلكترونية، واستخدمت نظم الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والروبوتات كبديل عن الطواقم البشرية والطبية لتقديم الخدمات الضرورية للمرضى، واعتمدت على البيانات الضخمة ونظم المراقبة الشاملة ونظم التعرف على الوجوه في الكشف المبكر عن الحالات المصابة أو التي يمكن أن تتعرض للإصابة، واستخدمت الدرونز والربوتات في عمليات تعقيم الشوارع والمناطق والموبوءة وتوجيه الإرشادات للمارة في الشوارع والتأكد من التزامه بالتعليمات الطبية.
ولفت خليفة إلى أن الحياة البشرية تحولت إلى حياة افتراضية كاملة، أشبه بأفلام الخيال العلمي والواقع الافتراضي مثل Ready player one، حيث يقوم فيها الجميع بمهامه ووظائفه ولكن عبر الإنترنت، من العمل للتعليم للتسوق الإلكتروني للترفيه والتواصل الشخصي لجمع المعلومات والأخبار لغيرها من الأنشطة اليومية، وإذا كانت البشرية استطاعت أن تحقق مفهوم المسافة الاجتماعية Social distanceللحد من انتشار كورونا، فهي حققت العكس أيضاً في الوقت نفسه من خلال مفهوم التقارب الافتراضي Virtual Convergenceعبر زيادة التواصل الافتراضي بين الأفراد من خلال الانترنت.
وكشف أنه نتيجة ذلك زاد معدل استهلاك الإنترنت العالمي، حيث أعلنت شركة فودافون التي تعمل في أكثر من 65 دولة حول العالم أن نسبة الزيادة في تحميل البيانات وصلت إلى 50% في بعض البلدان، كما زاد استهلاك الإنترنت في بعض البلدان مثل إيطاليا بنسبة 30%، وزاد استهلاك الولايات المتحدة الأميركية حتى 22 مارس - أي قبل أن تستحوذ على المرتبة الأولى من حيث عدد الإصابات - بنسبة 18%، هذه الزيادة الكبيرة في معدلات استهلاك البيانات تعكس كيف أصبحت الإنترنت الوسيلة الرئيسية للتعايش ليس فقط من أجل القيام بالمهام والأعمال عن بعد، ولكن بعد فرض الحظر والحجر الصحي وإغلاق الشوارع والمنتزهات وسبل الترفيه، اتجه الأطفال والمراهقون صوب ألعاب الفيديو التشاركية، التي يمكن فيها تكوين عدة فرق تنافسية واللعب عبر الإنترنت، وزادت معدلات مشاهدة موقع اليوتيوب وخدمات بث الأفلام أون لاين مثل نتيفليكس، الأمر الذي دفع البعض للتساؤل حول قدرة البنية التحتية للإنترنت على الصمود في ظل هذا الضغط العالمي الكبير.
وأكد خليفة أن انتشار هذا الوباء ساهم في تسريع عملية التحديث التكنولوجي التي تمر بها المجتمعات، فأصبحت عملية "التحول التكنولوجي الذكي" ضرورة لا غنى عنها لتيسير الحياة البشرية، وأصبحت الانترنت هي المخرج الوحيد للبشرية بعد أن تم محاصرتها، وشكلت بديلاً ممكنا لحياة جديدة يمكن أن تستمر حتى بعد انتهاء هذا الوباء، ومن هنا كانت أهمية أن تبدأ الحكومات والشركات في إدراك طبيعة المرحلة الحالية وتداعياتها على المستقبل، فبالطبع مرحلة ما قبل كورونا لن تكون كما هي بعدها، ومع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا بصورة أكبر من زي قبل وتصاعد الاعتماد عليها في المستقبل القريب، سوف تختلف نظم الإدارة والعمل وكذلك المخاطر والتهديدات، فيصبح الأمن السيبراني أولوية قصوى لجميع الدول، ومواجهة الجريمة السيبرانية ضرورة حتمية لتحقيق الاستقرار المجتمعي، والاستعداد للحرب السيبرانية أمر لا يمكن تجاهله.
وسعى خليفة عبر دراسته إلى تحديد أهم التكنولوجيات التي تم استخدامها في مكافحة ومواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، وكذلك أهم التكنولوجيات التي ساهمت في تيسير الحياة البشرية سواء على مستوى العمل أو التعليم أو التسوق أو غيرها من أوجه النشاط الإنساني، مشيرا إلى أهم القطاعات التكنولوجية التي استفادت من هذه الأزمة. وفي النهاية حاول إلقاء نظرة على مستقبل الحياة البشرية في ظل التطورات التكنولوجية بعد انتهاء الأزمة الحالية.
وأكد أن الواقع السيبراني الجديد الذي فرضه فيروس كورونا المستجد على العالم، أثبت أن التكنولوجيا هي سبيل الإنسان للتعايش في ظل انتشار وباء عالمي، ولولاها لتوقفت جميع الأنشطة الحياتية تماما عن العمل ومن هنا يمكن القول إن البشرية قد جنت بالفعل ثمار جهدها في التطوير التكنولوجي الذي أنقذها من حالة الشلل التام الذي كان يمكن أن تتعرض له أثناء انتشار الوباء. وهنا رؤية الباحث حول مستقبل الحياة البشرية في ظل التطور التكنولوجي بعد انتهاء الأزمة، ملخصة في نقطتين:
الأولى: استمرار تبني نماذج التعليم والعمل عن بعد حتى بعد انتهاء الأزمة: هذا النموذج السيبراني القائم على فكرة "المسافة Distance"، والذي يضمن القيام بالوظائف "عن بعد" وبنفس القدر من الكفاءة، ومع إعادة النظر في سلبياته وتقييمها وتطويرها مستقبلاً بصورة أفضل من الوضع الحالي، قد يكون السبيل الرئيسي لكثير من الدول حول العالم حتى بعد انتهاء الأزمة، لما يحققه من مزايا متعددة، تضمن توفير الوقت والجهد والتكلفة، وتحقيق النتائج المرجوة نفسها التي كانت تتحقق بالطرق التقليدية الصعبة. فيكون نموذج الحكومات هو ذلك النموذج الذكي، القائم على تقديم جميع الخدمات الحكومية للمواطنين عبر الإنترنت، فيضمن تحقيق الكفاءة ومواجهة الفساد الإداري، وتستطيع الحكومات متابعة سير العمل سواء مع الوزراء أو المحافظين أو حضور قمم ومؤتمرات دولية من خلال نظم الفيديو كونفرنس، دون الحاجة إلى الانتقال والسفر.
ويقتصر الحضور في المدارس على تنمية المهارات الشخصية للطلاب وممارسة الأنشطة الرياضية والاجتماعية والفنية، أما ممارسة النشاط التعليمي نفسه فيكون من خلال التعلم عن بعد، وتقدم الجامعات خدماتها التعليمية لطلابها عبر الإنترنت، فتتيح لهم فرصة الدراسة والعمل في الوقت نفسه، من خلال تحقيق مرونة المواعيد، وسهولة متابعة المحاضرات والدروس. وتقوم الشركات، بتبني نماذج العمل عن بعد بما يتناسب مع نموذج الأعمال الخاص بها Business Model، فتوجه ميزانياتها للبحث والتطوير وزيادة المخصصات المالية العاملين بها، بدلاً من توجيهها في إنشاء مباني إدارية أو مصاريف إدارية يمكن توفيرها أو ترشيدها.
ثانيا: الانتقال من الجيل الأول للعالم السيبراني إلى الجيل الثاني: ما تحياه البشرية حالياً هو الجيل الأول من العالم السيبراني 1G CYBER WORLD، بما له من مميزات وسلبيات، وقد تنتقل البشرية بعد انتهاء هذه الأزمة إلى الجيل الثاني من خلال دعم عمليات البحث العلمي والتطوير والاستثمار في هذه التكنولوجيات التي أثبتت كفاءة في وقت الأزمة، فننتقل إلى الجيل الثاني من العالم السيبراني الذي يكون أكثر تطوراً وذكاءً عن سابقه. فتكون مثلاً تقنيات الواقع الافتراضي Virtual reality بديلاً عن نظم الفيديو كونفرنس المستخدمة في الجيل الأول، ولن يقتصر استخدامها على الترفيه كما هو في هذا الجيل، بل تتعدد استخداماته اليومية، فمثلاً يمكن استخدامه في تطوير العملية التعليمية، فإذا كان الدرس اليوم عن عصر الديناصورات، فيمكن من خلال نظارات الواقع الافتراضي أن يعيش الطالب داخل هذا العالم بكل معالمه، وإذا كان الدرس عن المجموعة الشمسية، يستطيع رؤيتها وكأنه في الفضاء وهكذا في غيرها من الموضوعات، فتصبح العملية التعليمية أكثر متعة وجاذبية وعمقاً من مجرد معلومات يتلقاها الطلاب من المعلم من خلال الفيديو كونفرنس. وتصبح نظم الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والدرونز والربوتات، أحد متطلبات الحياة الضرورية، مثلما الهاتف الذكي والكمبيوتر والإنترنت في الوقت الراهن، فتننشر في المستشفيات والمطاعم والمصالح الحكومية والشركات والعمالة المساعدة، وتنتشر السيارات ذاتية القيادة في الشوارع، ويستخدم الأفراد الطابعات ثلاثية الأبعاد في طباعة جميع احتياجاتهم اليومية من أطعمة وملبوسات وإكسسورات وغيرها.