التنين الصيني صحا ولن ينام أبداً

مثلما نجحت الصين في ماراثون الاقتصاد فإنها نجت من الظهور باعتبارها وحشا.

الجدل القائم حول مسؤولية الصين عن تفشي الوباء هو جدل سياسي بالدرجة الأساس. هناك مسافة هائلة تفصل بين جزء كبير من العالم والصين. وهي مسافة متخمة بسوء الظن الذي قد لا يكون مجرد سوء فهم.

فالصين بعد أن عصفت بالعالم اقتصاديا لا تزال تتمسك بصفتها العقائدية وإن نجحت في تطوير تلك الصفة، وهو ما جعلها تنجو من السقوط في الثقب الأسود الذي ابتلع منظومة الدول العقائدية.

من الخارج يبدو النظام السياسي الصيني غير تقليدي. هناك نموذج للسلوك يستجيب لأفكار وتطلعات مرحلة ما بعد الحداثة. بذلك تكون الصين قد تخطت مرحلة الحداثة من غير أن تمر بها.

ذلك ما نراه مجسدا بشكل جلي في الفنون. يمكن للمرء أن يجد أعمالا مذهلة لفنانين صينيين في كل تظاهرات الفن المعاصر التي تُقام في مختلف أنحاء الأرض. لا يخلو معرض عالمي من أعمال تذكر بالصين المقيمة في التجريب الحر كما توحي أعمال فنانيها. أليست تلك فكرة مضللة؟

سيكون علينا أن نقع في مصيدة عدم التطابق بين صينين. صين الفن المنفتح والمتحرر وصين العقيدة المتشددة والمتزمتة. ذلك ليس صحيحا. فمثلما نجحت الصين في ماراثون الاقتصاد فإنها نجت من الظهور باعتبارها وحشا.

الصين في حقيقتها ليست وحشا ناعما.

ما صار السياسيون الغربيون يصرحون به ينطوي على شعور عميق بالخوف. فقد يكون لدى الصين ما يكفي لإبادة الجنس البشري. ليس وباء كورونا سوى "بروفة" لما يمكن أن يقع إذا ما صدق الوحش خياله.

تلك مزحة ثقيلة أرجو أن لا يصدقها أحد.

"دعوا التنين نائما" لم تعد نصيحة ممكنة. فالتنين وقد استيقظ منذ سنوات طويلة لن يعود إلى النوم أبداً. ذلك ما يحتاجه العالم كله بعد أن تحولت الصين إلى معمل العالم.

ولكن الصين لا تتحرك اقتصاديا وحدها. هناك نوع من التكامل هو انعكاس لتبادل المصالح ومن خلاله كانت دورة المال قد أخذت صيغة ليست أحادية. لذلك يمكن استبعاد فكرة الحرب الاقتصادية التي يمكن أن تصيب الجميع بأضرارها الفادحة.

ذلك لا يمكن الاطمئنان إليه نهائيا.   

فالصين تعاملت مع كورونا في بداياته التي لا يعرف أحد متى حدثت بطريقة شيوعية. لقد أخفت معلومات خطيرة كان من شأن الإعلان عنها أن تنقذ أعدادا هائلة من البشر من الموت. وحتى هذه اللحظة فإن الصين لم تصرح بالحقيقة. ما هو مصدر الفايروس؟ اما القول بإن الاصابة الأولى قد حدثت في سوق للحيوانات في ووهان فإنه مجرد محاولة لتجزئة الحقيقة.

هناك مَن يشكك بالأرقام. فالإصابات كانت هناك أكثر مما صرحت به السلطات الصحية وكذلك الوفيات.

الأخطر من كل ذلك وهو ما يجعل الصين متهمة بنشر الوباء أنها لم تقم بإغلاق ووهان إلا بعد أن انتشر الفايروس في دول عديدة، كانت على صلة تجارية وسياحية بها. وهو ما يثير الشبهات. فهل خططت الصين من أجل أن تلقن منافسيها في إدارة الكوكب درسا لن يُنسى؟

ليس من المستبعد أن تعمل أجهزة المخابرات الغربية على البحث عن الإدلة التي تشكل أركانا للجريمة، ولكن ذلك لن ينفع في شيء ما دامت الصين مصرة على عدم الاعتراف بحقيقة ما حدث. وهو ما يدخل المسألة كلها في الجدل السياسي الذي سيكون من شأنه أن يخفي أمورا صارت تتعلق بمصير الجنس البشري.

هناك دولة عظمى تمكنت من العالم اقتصاديا غير أنها لا تزال تفكر بطريقة عقائدية من أجل تهذيبه وتأديبه والانتقام منه وفق تربيتها الأولى.

النظام الذي أقامه ماو تسي تونغ لم يختف إذن. لا يزال ذلك النظام قائما في قلب التنين الذي يحرس بعينين مفتوحتين مصالحه.