الجهاديون.. وأوهام النصر الإلهي

الادعاءات للحركات الجهادية وقادة ومشايخ الجهاد بأنهم يجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله وإيمانهم بأن الله سيهزم أعداءه على أيديهم.

بقلم: منصور الحاج

لطالما تعجبت من إيمان المجاهدين المطلق بأنهم "جند الله" ومن اعتقادهم الجازم بأن الله معهم وأنه لا محالة ناصرهم على أعدائهم ومتم نوره على أيديهم إن هم أخلصوا النية له والتزموا بأوامره واجتبوا نواهيه مهما قل عددهم وتواضعت خبراتهم الحربية وضعفت إمكانياتهم العسكرية.

إيمان مطلق يستمدونه من اعتقادهم بأنهم المخاطبون بالآيات والأحاديث التي تتناول قضايا الجهاد وأوامر القتال فيسقطون على أنفسهم كل الوعود الإلهية بالنصر والتمكين والاستخلاف بدون تشكيك في مصدر ذلك الإيمان أو إمكانية تحقق تلك الوعود على أرض الواقع.

من خلال متابعتي لبيانات وإصدارات التنظيمات الجهادية المختلفة بحسب طبيعة عملي لأكثر من عقد من الزمان في هذا المجال، لاحظت أنهم يرجعون الفضل إلى الله في كل ما يعتبرونه "انتصارا"، أما الهزائم فإنهم يلومون عليها أنفسهم ويردونها إلى ذنوبهم ومعاصيهم وتقصيرهم في طاعة الله وإخلاص النية له.

وأمام هذه الادعاءات للحركات الجهادية وقادة ومشايخ الجهاد بأنهم يجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله وإيمانهم بأن الله سيهزم أعداءه على أيديهم، يجدر بنا أن نتساءل عن خصائص ذلك "النصر الإلهي" التي تميزه عن غيره في ظل الهزائم المتتالية التي يتلقاها الجهاديون في كل مكان.

كما يجدر بنا التساؤل عن أسباب تأخر هذا "النصر" الذي طال انتظاره وتحليل الآراء المتباينة التي يقدمها مشايخ الجهاد وقادة الجماعات الجهادية في تبرير ذلك. أما التساؤل الأهم في اعتقادي فهو عن الأسباب التي تحول دون مراجعة الجهاديين لإيمانهم المطلق بأنهم المخاطبون بالنص القرآني والتفكير في "النصر الإلهي" بواقعية بدلا من التضحية بالأرواح وإضاعة الوقت في المحاولات البائسة لتبرير تأخر نصر متوهم لا وجود له إلا في مخيلاتهم.

عند تقييم "جهاد" حركة "طالبان" ضد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على سبيل المثال، فعلى الرغم من سقوط نظام طالبان وتكبد الحركة لخسائر فادحة وفشلها في حماية زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن الذي أعلن مسؤوليته عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر فضلا عن المجاهدين العرب الذين تم اعتقال ومحاكمة المئات منهم، نجد أن التنظيمات الجهادية اعتبرت توقيع "طالبان" على اتفاق مع الولايات المتحدة "نصرا مؤزرا وفتحا مبينا".

ففي الثالث عشر من شهر مارس الجاري، أصدر تنظيم القاعدة بيانا بعنوان "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" وصف فيه الاتفاق الذي وقعته حركة "طالبان" مع الولايات المتحدة بأنه "انتصار تاريخي كبير" و"نصر مؤزر" و"فتح مبين". كما أثنى زعيم تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب خالد باطرفي على طالبان في كلمة صوتية صدرت مؤخرا واعتبر توقيع الاتفاق تحقيقا لـ"وعد الله ورسوله".

ويتضح من خلال المثاليين السابقين أن تنظيم "القاعدة" والحركات التي تدور في فلكه أشبه بالغريق الذي يتشبث بقشة ففي ظل الضربات المتتالية التي يتعرضون لها في كل مكان والهزائم المتوالية التي يتكبدونها هنا وهناك، ولم يجدوا إلا هذا الاتفاق الذي تعهدت فيه "طالبان" على عدم تقديم الدعم للحركات الجهادية والتوقف عن قتال القوات الأميركية ليمنحوه سمة النصر الإلهي الذي طال انتظاره من أجل حفظ ماء الوجه ورفع الروح المعنوية للمقاتلين وتحفيزهم على مواصلة مغامراتهم العبثية.

نُشر في شبكة الشرق الأوسط للإرسال