الجيش هو الحل بدلا من الإسلام هو الحل

قد يجد دعاة الحياة المدنية أن خيارهم الوحيد هو الاعتماد على العسكر.

ليس هناك في السودان أو الجزائر من خيار آخر سوى الجيش. هذا ما يقره الواقع السياسي لكلا البلدين المصابين بكآبة سياسية مزمنة.

الرهان الآن على المرحلة الانتقالية التي وضعها الجيش شرطا لوجوده في السلطة. فإذا ما كان سوء النية مبيتا من قبل الجيش فإن تلك المرحلة ستطول حتى تصبح أمرا واقعا فتعود الأمور إلى سابق عهدها حيث يمسك الجيش بالعصا ويتخلى عن الجزرة.

القبول بالجيش حلا مؤقتا من قبل الشعب انما هو تعبير عن الخوف مما هو أسوأ. فالقوى السياسية التي تتحرك في الظل كلها، من غير استثناء هي قوى إسلامية متطرفة سبق لها وأن مارست تمارينها علنا في القمع والتعذيب والقسر والإرهاب. وهي وإن كانت مقموعة بطريقة أو بأخرى فإنها تنتظر فرصتها في القفز على ظهور المحتجين لتقطف الثمرة وتمارس القمع الذي هو عنوان توجهها الشمولي.

تلك نتيجة محتمة لتغييب الحياة السياسية من خلال برنامج للقمع السياسي اتبعه النظامان السابقان في السودان والجزائر على حد سواء، بالرغم من الاختلافات الجوهرية في بنيتهما الفكرية. حيث كان نظام عمر البشير هو الآخر يقف وراء واجهة إسلامية (اخوانية) حاول من خلالها أن يخلخل الجبهة المعارضة التي تمترس وراءها إسلاميون لم ترق له مشاركتهم في الحكم، بسب تصادم المصالح.

الشعب في الدولتين سيفضل كما يبدو الانحياز إلى شعار "الجيش هو الحل" بدلا من أن ينجر وراء شعار مضلل هو "الإسلام هو الحل". لا لأنه يثق بأن الجيش لن يخذله في مطالبه الديمقراطية بل لأنه صار على يقين من أن صعود الإسلاميين إلى الحكم سيكون فاتحة لعصر تسود فيه الفوضى.

ما صار واضحا أن الاسلاميين لا يملكون مشروعا للحكم وليس لديهم برنامج سياسي لتصريف شؤون المواطنين في إطار دولة القانون كما أنهم لا يقيمون أي اعتبار للحقوق المدنية.

لذلك يبدو القبول بالجيش خيارا مقنعا نسبيا من أجل الحفاظ على الدولة التي لا يؤمن بها الإسلاميون الذين بالرغم من أن أنهم يمتلكون قاعدة شعبية عريضة في البلدين لأسباب عقائدية غير أنهم يفتقرون إلى الثقة من جانب الشعب الذي صار بعد تجارب الربيع العربي على يقين من أن التيارات الإسلامية إذا ما أتيح لها الوصول إلى السلطة فإنها ستفتح الباب لحروب أهلية لا تنتهي وتجاذبات ستؤدي إلى تهديم البنية الاجتماعية.  

النموذج الليبي قريب من وعي وبصر وذاكرة الشعبين.

ذلك ما جعل قادة الجيش في البلدين مطمئنين إلى أن مبادرتهم الانقلابية ستحظى برضا الشعبين اللذين ينظران بقلق إلى التجربة الليبية.

وبغض النظر عما يشيعه الإسلاميون من دعايات في شأن المرحلة الانتقالية التي سيحكم فيها الجيش فإن الرأي العام لا يميل إلى أن يخلي الجيش يده ويسلم الحكم باليسر الذي ينتظره الإسلاميون.

واقعيا فإن الانتقال إلى حكم مدني حقيقي يحتاج إلى وقت، يتمكن الشعب فيه من لملمة نفسه والتعرف على نخبه المدنية التي سيكون من واجبها أن تتقدم بمشاريعها السياسية من خلال أحزاب ناشئة تكون نواة لحياة سياسية لم يتعرف عليها البلدان من قبل.   

يمارس الجيش في تلك الحالة واجبه الدستوري في حماية الدولة. وهو ما لا يمكن الاعتراض عليه. بل هو المطلوب. غير أن الجيش مطالب أيضا بأن يحمي الحراك السياسي المدني من جهة منع استعمال الدين في الدعاية السياسية. وهي كما أظن واحدة من المهمات الشاقة التي سيواجهها الحكم العسكري في الجزائر كما في السودان.

ذلك لأن الإسلاميين وإن كانوا في الواجهة فإنهم سيحرضون المجتمع للوقوف ضد التيارات السياسية المدنية.  

الرهان على الجيش هو في الأساس رهان على ما يمكن أن تربحه الحياة المدنية في مواجهة الإسلاميين.