الجيش يدير ظهره لبوتفليقة

قايد صالح يشيد بالمقاصد النبيلة والنيات الصافية للحراك الشعبي ضد التمديد بالتزامن مع سحب الحزب الحاكم دعمه للرئيس في أقوى ضربة للنظام.
الحزب الحاكم يساند المحتجين بالمطلق
مخاوف من عودة الجيش للامساك بالسلطة
بوتفليقة الغى ترشحه للرئاسة قبل يوم من سفره للعلاج في سويسرا

الجزائر - ذكر الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الجزائري أن الشعب عبر عن "مقاصد نبيلة" خلال الاحتجاجات المناهضة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بينما سحب حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم دعمه له، وذلك في أقوى ضربة للرئيس المخضرم منذ بداية الاحتجاجات.

وقال رئيس الأركان إن شهر مارس آذار "هو شهر الشهداء، تجلت فيه الأعمال ذات المقاصد النبيلة والنيات الصافية، شهر عبر خلاله الشعب الجزائري عن مكنونه ومخزونه من كنوز الصدق في العمل والإخلاص لله والوطن".

شهر عبر خلاله الشعب الجزائري عن مكنونه ومخزونه من كنوز الصدق في العمل والإخلاص لله والوطن

وتصريحات قايد التي أدلى بها خلال زيارة للمنطقة العسكرية الثالثة الثلاثاء وبثتها وسائل الإعلام الجزائرية الأربعاء هي أوضح إشارة حتى الآن على أن الجيش ينأى بنفسه عن بوتفليقة الممسك بالسلطة منذ 20 عاما.

كما انحاز حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم إلى المحتجين بعد اجتماع لكبار مسؤوليه.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن معاذ بوشارب منسق هيئة تسيير الحزب قوله "حزب جبهة التحرير الوطني يساند مساندة مطلقة الحراك الشعبي".

ودعا الحزب كذلك إلى مفاوضات لضمان الاستقرار في الجزائر، وهي منتج كبير للنفط والغاز.

وأشار بوشارب الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس النواب، إلى أن الحكومة "ليست بيد الحزب"، محاولا فصل النظام الجزائري عن حزبه الحاكم للبلاد منذ استقلالها في 1962.

كما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن بوشارب دعوته إلى ضرورة "العمل بإخلاص والجلوس معا إلى طاولة حوار واحدة للوصول إلى الأهداف المرجوة وفق خريطة طريق واضحة لبناء جزائر جديدة لا تهمش ولا تقصي أي أحد".

وفي أحدث حلقات الخلافات والانقسامات التي ضربت أحزاب السلطة، وصف الناطق باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب في حوار مع قناة البلاد ترشح بوتفليقة بالخطأ الكبير في اشارة واضحة لانفضاض أحد أهم حلفاء بوتفليقة من حوله، سرعان ما تنكر لها حزب أويحيى بأن تبرأ منها قائلا في بيانه "ان النقاش كان أحيانا بأسلوب مستفز وموجه أدى بزميلنا إلى الانفعال وفي بعض الأحيان الابتعاد عن المواقف المعروفة للتجمع الوطني الديمقراطي". 

وتابع الحزب ان موقفه بلوره بوضوح أحمد أويحي الأمين العام للتجمع في الرسالة التي وجهها لمناضلي الحزب، سواء ما يتعلق بقراءة التجمع الوطني الديمقراطي لمجريات الوضع السائد على الساحة الوطنية أو فيما يتعلق بتقدير الحزب ووفائه للسيد رئيس الجمهورية".

وقال صديق شهاب "أخطانا في التقدير والاستشراف ونقص البصيرة بالنسبة لترشح الرئيس بوتفليقة. مضيفا "لم تكن لدينا الشجاعة الكافية للإدلاء بقوة بكل ما كان يخالجنا، لم نكن مقتنعين بترشيح الرئيس وهو في هذه الحالة الصحية". 

وأذعن بوتفليقة للاحتجاجات في الأسبوع الماضي حيث أعلن أنه لن يترشح لولاية خامسة. لكنه لم يتنح على الفور وقال إنه سيبقى في منصبه لحين صياغة دستور جديد، مما يعني تمديد فترته الراهنة.

أحمد أويحي الأمين العام للتجمع الديمقراطي
الحراك الشعبي تسبب في انقسامات داخل احزاب السلطة

ملل من الحرس القديم

ولم تفلح خطواته في تهدئة المحتجين الذين يسعون لأن يتولى جيل جديد الزمام من بوتفليقة وغيره من رموز حرب الاستقلال عن فرنسا الذين يهيمنون على البلاد.

وأفرزت الحركة الاحتجاجية زعماء عرضوا بديلا لخارطة الطريق السياسية التي رسمها بوتفليقة للوصول لما يصفه بالجزائر الجديدة. لكنهم لم يتمكنوا بعد من تكوين قوة الدفع الكافية لإجباره على التنحي أو تقديم تنازلات أكبر.

ووقف الجيش في بداية الأزمة مع بوتفليقة حيث روّج قايد صالح في اول تصريح له للخطاب الرسمي الذي تسوقه النواة الصلبة للنظام، مستحضرا نظرية المؤامرة على أمن واستقرار البلاد، مشيرا إلى أن هناك جهات لا تريد أن تنعم الجزائر بالأمن الذي تحقق في عهد الرئيس بوتفليقة.

واستحضر قايد صالح أيضا في خضم تحذير مبطن من التغيير، أحداث العشرية السوداء وهي التسمية الرائجة للمواجهات بين الإسلاميين والنظام التي شهدتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي على اثر إلغاء الجيش نتائج الانتخابات التي فازت فيها جبهة الإنقاذ الوطني الإسلامية.

ولم يظهر بوتفليقة في مناسبات عامة إلا نادرا منذ إصابته بجلطة دماغية قبل خمس سنوات، ويقول المحتجون إن دائرة غير واضحة من معاونيه، بمن فيهم شقيقه الأصغر القوي سعيد، تحكم البلاد باسمه.

وذكرت مصادر أمنية أنه قام عام 2016 بحل إدارة المخابرات العسكرية التي كانت قائمة منذ فترة طويلة وأنشأ وكالة خاضعة لسيطرة الرئاسة في خطوة أخرى لإخراج الجيش من السياسة.

وعزل بوتفليقة العام الماضي عشرات الضباط العسكريين ليركز السلطة في يد دائرة المقربين منه من غير العسكريين.

لكن بوتفليقة لم يعد قادرا على تحمل استعداء قادة الجيش الذين سبق أن تدخلوا في السياسة في اللحظات الحاسمة، ومنها في مطلع التسعينات.

وألغى الجيش حينها انتخابات كان حزب إسلامي بصدد الفوز بها، مما تسبب في حرب أهلية دامت عشر سنوات وقتل فيها نحو 200 ألف شخص.

ولعب الإسلاميون دورا محتملا في أي حكومة مستقبلية من القضايا التي قد تقسم المواطنين وتستفز الجيش.

فعلى مدار سنوات سرت شائعات بشأن خلفاء محتملين لبوتفليقة دون أن يظهر أي شخص يمكن الوثوق فيه والتعويل عليه يحظى بمساندة الجيش والنخبة وليس في السبعينات أو الثمانينات من العمر.

وعاد بوتفليقة إلى اتباع سياسة أتت بثمارها مع المعارضة فيما مضى، وهي شراء الوقت للبحث عن فرص لإحداث انقسامات ومن ثم الاستمرار في الحكم.

لكن من غير المرجح أن يفلح ذلك المسعى حاليا مع انصراف كثير من الحلفاء عن دعمه. وأشار موقع النهار الإخباري المقرب من بوتفليقة إلى أن الرئيس سيتنحى لدى انتهاء فترته الحالية في 28 أبريل نيسان.

ونجا بوتفليقة من انتفاضات "الربيع العربي" باستخدام موارد بلاده الضخمة من النفط والغاز لزيادة الإنفاق الحكومي واسترضاء الجزائريين الذين كانت لديهم إحباطات مماثلة لتلك التي سادت دولا مجاورة أطاحت بحكامها المستبدين.

وقبل كثير من الجزائريين الحكم الصارم ثمنا للاستقرار بعد صراع مع المسلحين الإسلاميين الذي يُنسب الفضل فيه إنهائه لبوتفليقة.

لكن جيلا جديدا لا يخشى التغيير في حاجة ماسة للوظائف وقدر أكبر من الحريات ويريد أن يكون له رأي في إدارة البلاد.

ونحو 70 في المئة من الجزائريين دون 30 عاما، وأكثر من ربع السكان تحت ذلك السن عاطلون عن العمل.

وأرسل بوتفليقة نائب رئيس الوزراء رمطان لعمامرة في جولة لدول حليفة التماسا لدعم جهوده لنزع فتيل الأزمة.

وقال لعمامرة في برلين إن بوتفليقة سيترك السلطة لرئيس منتخب ديمقراطيا بعد إقرار الدستور الجديد وعقد مؤتمر وطني لتحديد كيفية سير الأمور.

الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة
الرئيس الجزائري يعاني من اثار جلطة دماغية تعرض لها في 2013

وأظهر مرسوم نشر الأربعاء في آخر عدد من المجلة الرسمية الجزائرية، أن بوتفليقة، ألغى انتخابات الرئاسة، وسحب ترشحه لولاية خامسة، في 23 فبراير/ شباط الماضي، من خلال تجميد موازنتها، قبل يوم واحد من سفره في رحلة علاجية إلى سويسرا حيث يتلقى علاجا من اثار جلطة دماغية اصابته في 2013.
وذكر المرسوم "يلغى من ميزانية (موازنة) سنة 2019، عشرون مليارا و470 مليون دينار (170 مليون دولار)" المتعلقة بنفقات الانتخابات كما لفت إلى أن النفقات الملغاة تتم إعادتها إلى الموازنة السنوية لوزارات الخارجية والعدل والداخلية والإعلام.
وحمل المرسوم تاريخ 23 فبراير/شباط، وتم توقيعه من طرف بوتفليقة.
وكما هو معلوم، فإن نفقات الانتخابات في الجزائر تتدخل فيها أربع وزارات، هي الخارجية والداخلية والعدل والاعلام.
وفي 22  من نفس الشهر، خرجت أولى المسيرات الشعبية في أكثر من 30 محافظة جزائرية، رفضا لترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وتواصلت خلال الأسابيع التالية وبعد يومين سافر بوتفليقة في رحلة علاجية إلى جنيف السويسرية، قيل في البداية إنها قصيرة، لكنه لم يعد إلا في العاشر من مارس/ آذار الجاري.
وفي مطلع الشهر الجاري ، تعهد بوتفليقة، في رسالة إلى المواطنين، بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة دون الترشح فيها حال فوزه بولاية خامسة بعد أن فوض مدير حملته عبد الغني زعلان، بتقديم ملف ترشحه أمام المجلس الدستوري.
وبعد يوم من عودة بوتفليقة من رحلة علاجه أعلن إقالة الحكومة، وسحب ترشحه لولاية خامسة، وتأجيل انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة 18 أبريل/ نيسان، استجابة لمطالب الشارع، وكلف وزير داخليته نور الدين بدوي، بتشكيل حكومة كفاءات جديدة.
ورغم سحب بوتفليقة لترشحه وإلغاء الرئاسيات، إلا أن ملايين الجزائريين تدفقوا إلى شوارع مدن البلاد في 15 مارس، في تظاهرات وصفت بالأكبر منذ بداية الحراك.
وتفاعل جزائريون مباشرة بعد صدور منشور الجريدة (المجلة) الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصا فيسبوك.
وتساءل كثير من النشطاء إن كان الرئيس يقصد فعلا أنه لم يكن ينوي الترشح للرئاسيات، بحسب ما تضمنته رسالته في 11 مارس، التي سحب فيها ترشحه، بالنظر إلى أن إلغاء الانتخابات في 23 فبراير، وليس في 11 مارس.