الحروب الممكنة في العراق  

المراهنة على استمرار السيطرة الإيرانية على العراق تمر عبر الابقاء على رئيس وزراء عراقي من حزب الدعوة يتكتم على الأسرار والفضائح والفساد.

لن يُفاجأ أحد من المهتمين بشؤون العراق إذا ما قامت حرب جديدة فيه.

هناك أسباب كثيرة للحرب وما من سبب واحد يدعو إلى السلام.

قبل أن يقر الكونغرس الأميركي قانون معاقبة الميليشيات الموالية لإيران في العراق فإن تلك الميليشيات تستعد لخوض غمار حرب عبثية دفاعا عن إيران التي تقف مرتبكة في مواجهة العقوبات الأميركية.

فإذا ما نجحت الولايات المتحدة في استبعاد القوى الموالية لإيران من السلطة التنفيذية في العراق أو على الأقل تحجيم دورها فإن تلك الميلشيات ستجد نفسها مضطرة إلى اعلان الحرب على أية حكومة عراقية لا تحظى بقبول إيراني.

ذلك لأن أولى مهمات تلك الحكومة ستكون الحد من نفوذ الحشد الشعبي وصولاً إلى الغائه. وهو ما يعني نهاية نفوذ الحرس الثوري الإيراني في العراق وأيضا رفع السرية عن حقائق كثيرة.

سيكون يومها صقور الموالاة لإيران وفي مقدمتهم نوري المالكي في خطر. ستُفتح ملفات الفساد. وحين تُفتح تلك الملفات فإن السياسيين العراقيين الذين حكموا بحماية إيرانية سيُحالون إلى المحاكم.

لهذا فإن الحدث الوحيد الذي يضمن تفادي وقوع حرب يكمن في أن يتم تسليم الحكم مرة أخرى إلى حزب الدعوة، ممثلا للقوى التي توالي إيران، وهو ما لا أظن أن الولايات المتحدة في توجهها الحالي ستقبل به.

لا أعتقد أن الولايات المتحدة تقاسم إيران رأيها في أن يكون العراق ساحة صراع لمعركتهما المقبلة. ذلك لأنها لا تزال تعتبر العراق تحت سيطرتها. وهو ما يمكن أن يسلط الضوء على الكثير من الأسرار التي ما زالت خفية في ما يتعلق بالتنسيق الأميركي ــ الإيراني في مسألة احتلال العراق والطريقة التي تم من خلالها ترتيب أوراقه عبر السنوات الخمسة عشر الأخيرة.

يُقال دائما إن الأميركان احتلوا العراق وسلموه لإيران. تلك بداهة تتم مراجعتها اليوم من قبل الأميركان الذين يعرفون جيدا أن نوري المالكي الذي حظي بمباركتهم الواسعة كان قد ساهم في انقاذ إيران في مرحلة ما قبل الاتفاق النووي.

ولهذا فسيكون كنس المالكي وأشباهه بداية لمرحلة جديدة، يُعفى العراق من خلالها من القيام بدور، لم يعد ملائما لسياسة الولايات المتحدة الجديدة الهادفة إلى الحد من نفوذ إيران في المنطقة وتحجيمها. 

من جهة أخرى فإن الاحتجاجات الشعبية التي بلغت أوجها في البصرة قد كشفت عن احتقان الشارع العراقي ضد الهيمنة الإيرانية.

كانت تلك الاحتجاجات استفتاء شعبيا، ستجد فيه الميليشيات سببا لحرب، قد تخسرها لكنها لا يمكن أن تتفاداها لأنها الخيار الوحيد الذي تملكه.

من غير تلك الحرب فإن كل ما فعلته إيران من أجل ترسيخ وجودها في العراق سيذهب هباء كما أن المصالح الاقتصادية لمافيات الفساد التي تحتمي بالحشد الشعبي سيتم ضربها بما يُمكن الشعب العراقي من استعادة الجزء الأكبر من ثروته المنهوبة.

لن تخسر الميليشيات الحرب أمام الجيش العراقي الذي هو في واقع الحال أضعف من أن يدخل حربا ضد طرف استولى على أسلحته ومعداته ويحظى بحماية إيرانية ولكنها ستخسر تلك الحرب أمام الشعب الذي سينتقل في المرحلة الثانية من احتجاجاته إلى مهاجمة المؤسسات الدينية التي يكتسب الحشد الشعبي شرعية وجوده من فتاواها.

في تلك المرحلة لن تكون الميليشيات موحدة الصفوف في مواجهة الشعب. وهو ما سيقود إلى اندلاع حروب متعددة الوجوه بين الميليشيات، بعضها ضد البعض الآخر. وهو ما يمكن ان يفتح الباب على حرب أهلية طويلة الأمد، لن تنتهي إلا بعد تدخل عسكري أميركي.

هذه المرة سيكون الاحتلال الأميركي الثاني بتفويض دولي.

كل تلك الحروب ممكنة في العراق لو لم تعالج الولايات المتحدة أسبابها التي صنعتها بنفسها.