الحكمة «ضالة» الإخوان

الحكمة أن تنسحب كل تيارات الإسلام السياسي من المشهد وتتوارى خلف الصفوف فهم متخاصمون مع الحكمة وهي عنوان الحكم الرئيسي فإذا كان هذا الكره والقتل هو منهجهم في الخصومة والخلاف فكيف نأمن على المعارضين والمختلفين في الدين والعقيدة والملة والمذهب؟

بقلم: عادل نعمان

من تعريفات الحكمة «فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي» وهو تعريف لابن القيم الجوزية أحد أئمتهم المهديين، وتعريف آخر «إتقان الأمر وتصويبه وتهذيبه» وثالث «رجاحة العقل في الحكم وفي التصرف» ومعنى كلمة «ضالة» هو كل ما ضل أو تاه أو فقد أو ضاع أو خرج عن الصراط، ومعنى العنوان أن «رجاحة العقل والتصرف مفقودة وضائعة وتائهة عند الإخوان، ويفعلون ما لا ينبغي، في الوقت الخطأ وعلى الوجه المقلوب وليس الصحيح» هكذا تعودنا منهم، واعتادوا عليه، والحكمة من مهمات الرسل والأنبياء والقادة والحكماء.. في الآية «ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة» وأيضا الآية «وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة» والآية «ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا»، فإذا فقدها نبي أو رسول أو قائد أو حكيم، انحرفت الرسالة، ونقض الدين عهده، واضطرب الحكم، واختلت الحكمة، وتاقت الشعوب للشيطان ينقذها من الجهالة وغباء الحكام والحكماء وورثة الأنبياء، إلا أن المشايخ حاولوا تعريف الحكمة «بالفقه»، حتى يتساوى عندهم الرأي البشري مع التشريع الإلهي، ويرفعون الاجتهاد منزلة النص والتنزيل، وهو خطأ كبير ولنا فيه لقاء.

والحكمة دومًا تائهة عن الإخوان، يضللونها وتضللهم، لا يجتمعان في وعاء، ولا يتصالحان في خصومة، ولا يتشاوران في مصلحة، كل منهما في طريق، وما مر موقف عليهم إلا وأدير بغباء وحماقة وتهور وسفه، وكانت أيقونة وشكل وخلقة ردود الأفعال تشير إليهم، مهما أنكروا أو كتموا او حاولوا ستر أنفسهم، وأصبح عنوان الحقيقة أن الجريمة المكشوفة العارية الغبية هي جريمة إخوانية وكأنها علامة تجارية، في مقتل القاضي الخازندار، واغتيال النقراشي باشا، ومحاولة اغتيال عبدالناصر في المنشية، ومقتل السادات، كل الأيدي خرجت في وقت واحد، المحققون والمشاهدون والناس أجمعون، صوبتها تجاههم وأمسكت بتلابيبهم دون عناء.

وهم يقرون ويعترفون بالتفصيل دون ضغط أو إكراه، شعور من يأتي عملا صالحا يقربه إلى الله، بل وصل الأمر إلى أن يعلنوا عن أنفسهم قبل أن تشير الأيدي إليهم، أو ترفع أصابع الاتهام تجاههم، حين أعلن رئيسهم عن سلامة «الخاطف والمخطوف»، وحين أعلن البلتاجي عن الإرهاب في سيناء الذي ينتهي في الساعة التي يتم فيها الإفراج عن رئيسهم، فصاح الناس في نفس واحد وصوت واحد «هؤلاء هم الخاطفون وهؤلاء هم القتلة».

كم أتمنى أن تنسحب كل تيارات الإسلام السياسي من المشهد وتتوارى خلف الصفوف، فهم، متخاصمون مع الحكمة وهي عنوان الحكم الرئيسي، فإذا كان هذا الكره والقتل هو منهجهم في الخصومة والخلاف. فكيف نأمن على المعارضين والمختلفين في الدين والعقيدة والملة والمذهب؟ وإذا كان هذا التأييد والمخادنة منهجهم للتيارات التكفيرية المتطرفة إخوة العقيدة، فكيف نأمن على أولادنا وجنودنا أن يكونوا يوما وقودا لحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، أو يأتي يوم نحارب بجوار داعش أو القاعدة أو طالبان، وكان يوما مقدرا ومقررا لنا مع سوريا، أليست هذه أممية إسلامية وغيابا للحكمة والاتزان والرشاد، «وطظ في مصر»؟

راجعوا الخطاب الجماهيري الشهير في الصالة المغطاة في ستاد القاهرة احتفالا بنصر أكتوبر، والذي حضرته كل الفصائل التكفيرية، والعمم الجهادية الأفغانية، والغطرة الوهابية المقدسة، والسراويل القصيرة المحرمة، تنادي «لبيك سوريا» كيف غابت الحكمة عن كل هؤلاء؟ وهل يؤتمنون على حكم شعوبهم، ويخلصون لأوطانهم أو لقبيلتهم؟

فصائل الجهاديين القتلة في سيناء وغزة تنعي الزعيم وتصلي صلاة الغائب، لا مانع لدينا فالصلاة على الموتى واجبة، إلا أنها تشير إلى نفس الغباء ونفس الانتماء ونفس الأيدي، هؤلاء من هؤلاء، وهذا الأذى من ذاك الشرير، وهذا السم من هذا التاجر، وهذا القتل من ذاك القاتل، وهؤلاء الأشبال من هؤلاء الأغبياء، وكان الأولى ستر أنفسهم، وتغطية الوجه والكفين، يكذبون به ويقسمون عليه، أما وكانت صلاة الغائب صفوفها من الدواعش والحمساوية والسلفية والوهابية والأتراك والقطريين فقد نزعتم ما ستر من الوجه ورأينا الحقيقة كاملة سافرة عارية أنكم جميعا ملة واحدة، ومذهب واحد، وغطاؤكم واحد، ولباسكم واحد، وقتلاكم جميعا بأيد واحدة، وتكتمون الحق وأنتم تعلمون.

سأقص عليكم قصة قصيرة، وهي عن مقتل عثمان بن عفان، خليفة المسلمين، ذي النورين، أحد المبشرين بالجنة، لما تسور الثوار بيت الخليفة وقتلوه ونزعوه من يد زوجته «نائلة»، منعوا دفنه ثلاثة أيام، ولما أذنوا لأهله بدفنه، سارت به ابنته خفية ليلا تحمل سراجا، ودفنوه في «حوش كوكب» وهو حائط لدفن فقراء اليهود، يرافقها أربعة، مروان بن الحكم وزيره، وثلاثة من مواليه فقط، ودفن الخليفة بلا صلاة أو جنازة، هكذا كانوا يتعاملون ويعاملون، كل موتاكم أسعد حظًا من الخليفة عثمان، ولا تستحقون الدفن في المقابر بل تستحقون الحرق في ميدان عام.

المصري اليوم القاهرية