"الحياة الأدبية في غينيا" يدرس التراث التقليدي والإنتاج الأدبي

كبا عمران تؤكد قلة الدراسات التي تهتم بآداب هذه المنطقة من العالم إما جهلاً بها وإما إهمالاً لندرة الأبحاث حولها.
الباحثة المصرية سعت في دراستها إلى تقديم خمسة أنواع أدبية في الأدب الغيني وهي: الشعر، الأمثال، القصص، الرواية، المسرحية
الباحثة اختارت أسلوب المنهج الوصفي التحليلي حيث تعرض الأنواع الأدبية بعد تعريفها ووصف أقسامها

تسعى د. كبا عمران في كتابها "الحياة الأدبية في غينيا" إلى تقديم دراسة  تعني بآداب أفريقيا جنوب الصحراء منوهة في مقدمتها للكتاب إلى قلة الدراسات التي تهتم بآداب هذه المنطقة من العالم "إما جهلاً بها لقلة اهتمام الكتاب والباحثين بها، وإما إهمالاً لندرة الأبحاث حولها، علمًا بأن تلك الآداب التي تأثرت شعوبها عبر قرون متعاقبة بثقافات الشرق الإسلامي وبثقافات الغرب الاستعماري ما زالت تتمتع بحقائقها وغزارة موضوعاتها".
سعت الباحثة في دراستها إلى تقديم خمسة أنواع أدبية في الأدب الغيني وهي: الشعر، الأمثال، القصص، الرواية، المسرحية. ويلفت انتباه القارئ أن الدراسة تعمل على إبراز ما هو كمين في الآداب الشعبية الشفهية من تلك الأنواع، فتضمها إلى ما كتب فيها باللغات المحلية والعربية والفرنسية، إنها دراسة تشمل التراث التقليدي والإنتاج الأدبي، وبيان أقسامها وتحليل خصائصها، وذكر نشأتها وتطورها. 
واختارت الباحثة أسلوب المنهج الوصفي التحليلي حيث تعرض الأنواع الأدبية بعد تعريفها ووصف أقسامها، وتسرد الإنتاجات الأدبية على نسق ظهورها الزمني بعد ترجمة وجيزة لكتابها، ثم تختتم بدراسة تحليلية في الخصائص الفنية، والمعنوية، والموضوعية، والوظائفية لكل من الأنواع الشعبية والإنتاجية.
تقول: إن مصطلح "الأدب الإفريقي" حديث الوضع، وقد أدى إلى ظهوره حاجة المستفرقين إلى دراسة أدب قارة إفريقيا، وبخاصة أدب جنوب الصحراء الكبرى. وله – أيضاً - مفهوم عام وخاص: أما مفهومه العام فبمعنى "أدب قارة إفريقيا" بمقابل قولهم: أدب أوروبي، وآخر آسيوي، وهكذا. وأما بمعناه الخاص فمقتصر على آداب المناطق الواقعة جنوب الصحراء الكبرى حتى التقاء القارة بالمحيط في أقصى جنوبها، وأدب زنوج الكاريبي بأميركا الجنوبية. وهذا بإجماع المستفرقين، وذلك بمقابل أن ثمة أدباً إنجليزيًا وآخر فرنسيًا، وهكذا دواليك. ومن الواضح أن هذه التفرقة الأخيرة بين شمال وجنوب القارة من وضع سياسية استعمارية لم تزد على مضي قرن واحد، وقد ساعدت فروق أساسية بين الأدبين الاستعمار على هذا التقسيم، إذ إن الشمال عرف بأدب مغربي عربي، والجنوب معروف بأدب إفريقي زنجي.

في غينيا وجدت آداب متكاملة، من الأدب المنطوق التقليدي إلى المكتوب باللغات المحلية أو المدون بالعربية والفرنسية

وبالرغم من هذا الإيضاح  تعود الباحثة لتؤكد أن مصطلح "الأدب الإفريقي" - بمعناه الخاص - ما زال متهماً بالقصور، لأنه تفسير جغرافي أو عرقي، وكلاهما عجز في تفسير الأدب، والعجز يكمن في أن ثقافة "الأدب الإفريقي" لا تنتمي إلى شعب واحد بل إلى شعوب مختلفة، ولا إلى لغة واحدة بل إلى لغات متباينة، وإن كانت تنتمي إلى أسرة لغوية كبيرة تسمي بـ "الأسرة الكونجولية الكردوفانية". ولذا نجد هناك فريقين: يميل أحدهما إلى المفهوم الجغرافي فيطلق عليه أحياناً "أدب جنوب الصحراء الكبرى" بدليل تسليمنا بالأدب الألماني أو الإيطالي – مثلاً - وكلاهما أقرب إلى تسمية جغرافية لا غير، ويميل فريق آخر إلى المفهوم العرقي فيطلق على المصطلح: "الأدب الزنجي"، وهو يشمل أدب زنوج الكاريبي أيضًا، والعبرة باللون الأسود أساس فيه، وله دعاة اشتهروا بحركاتهم الأدبية والفكرية.
الأدب الغيني
يكشف الكتاب أن مصطلح "الأدب الغيني هو" تسمية جغرافية بالاعتماد على العنصر المكاني بغض النظر عن قبائلها التي توجد بعض روافدها في الدول المجاورة. وقد وضع هذا المصطلح لأول مرة من قبل المستفرقين الفرنسيين في العصر الحديث، وذلك عندما بدا لهم بعد الاستقلال أن يفردوا لكل الدول الإفريقية دراسة أدبية.
تلفت الباحثة النظر إلى  استقلال غينيا بأدب تختص به من الآداب الإفريقية، كما أن فنونها الأدبية قد تختلف أحيانًا عن آداب الدول المجاورة لها وإن اتفقت معها في جلها، إذ تنفرد غينيا ببعض اللغات المحلية الخاصة بها، لا توجد في غيرها من الدول كلغتي "صوصو" و"لاندوما" في غينيا الساحلية ولغتي "غيريزي" و"طوما" في الجنوب مثلاً، بل إن العادات قد تختلف بين قبائل شعب واحد نظراً إلى البيئة التي تعيش فيها تلك القبائل، كاختلاف العادات بين الفولانيين في غنينيا ومالي والسنغال مثلاً، وأن نتاج الكتاب الغينيين يوصف بـ "الأدب الغيني" بغض النظر عن الشعب أو القبيلة التي ينتمون إليها.
فمنذ وجود الإنسان الغيني في هذه البيئة كانت تسير معه آدابه التقليدية تحت تراثها الشعبي الشفهي، وهذا النوع من الأدب المتميز بالعراقة والغزارة لا يمكن تحديد بدايته ولا تقدير كميته. وقد تتميز فيه كل المجموعات اللغوية بآدابها الخاصة وإن اتفقت جلها في الأنواع والصور التقليدية، علماً بأن الدول المجاورة قد تشارك غينيا في هذا الأدب التقليدي لما بينهن من لغات مشتركة، كلغتي الفولة وماندي.
وبعد دخول الإسلام البلاد، وبعد أن اعتنقه من اعتنق، جاء توافق نسبي بين آداب غينيا العليا والوسطى لشيوع التعاليم الإسلامية العربية في أوساطهما، فأنتجوا لأول مرة أعمالاً أدبية مكتوبة باللغة العربية وببعض اللغات المحلية المكتوبة بالحروف العربية.
هكذا تأثرت الحياة الأدبية في غينيا بالإسلام وبالاستعمار لدى من كان ذا صلة بهما، وبخاصة في المدن. أما بغيرهم من المستقرين في عقر ديار القرى القاصية فمازالوا محافظين على آدابهم التقليدية، التي لم تتأثر إلا بشيء من التغيير المساير بتطور الحياة الاجتماعية والعقلية. ومنذ تلك المرحلة وجدت في غينيا آداب متكاملة، من الأدب المنطوق التقليدي إلى المكتوب باللغات المحلية أو المدون بالعربية والفرنسية، ولتشعب الأنواع الأدبية، التقليدية منها والحديثة، رأت الباحثة أن يكون محور هذا الكتاب مقتصراً على هذه الأنواع الخمسة: الشعر، الأمثال، القصص، الرواية والمسرحية.
يذكر أن كتاب "الحياة الأدبية في غينيا" للباحثة د. كبا عمران صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة "أفريقيات". (وكالة الصحافة العربية)