النظام الشيوعي انتهى وبقيت نوبل لألكسندر سولجنتسين

الأديب الروسي يعد من الكتاب العالميين الذين حدث لغط كثير حول مواقفهم السياسية، بل إن البعض ربط بين حصوله على جائزة نوبل، وبين موقفه المعارض لنظام الاتحاد السوفيتي.

في علاقة المثقف بالسلطة والسياسة، ثمة دهاليز وانعطافات كثيرة قد تهدد مكانته ككاتب حقيقي، حين تتداخل مواقفه الوجودية والابداعية مع مواقفه الواقعية التي تؤيد نظام ما، أو تعترض على نظام ما. 
يُعتبر الكسندر سولجنتسين من الكتاب العالميين الذين حدث لغط ما حول مواقفهم السياسية، بل إن البعض ربط بين حصوله على جائزة نوبل، وبين موقفه المعارض لنظام الاتحاد السوفيتيي. بينما قسم آخر من النقاد اعتبر  سولجنتسين أحد أحفاد كتاب روسيا العظام، من أمثال جوجول وغوركي وتولستوي وديستوفسكي، ففي رواياته رصد لتناقضات الحياة الروسية وخباياها، على نحو يثير الشجن والتعاطف مع المهمشين والمضطهدين، وكأن هذه الحياة لم تتخلص بعد من أصداء حكم القياصرة، وفي روايته "جناح السرطان" أدان الكاتب الأطراف المتصارعة في الحرب العالمية الثانية، ولم يكن للتحيز إلى جانب دون آخر.
في عام 1994، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي قرر الكاتب الروسي الكسندر سولجنتسين أن يعود إلى بلاده، وسط حملة إعلامية ضخمة، وكأنه يتوج معارضاته للنظام السابق بهذا الإحساس الدفين بالاضطهاد، ككاتب منشق غادر بلاده لأكثر من عشرين عاماً، والحقيقة أن سولجنتسين لم يكن المنشق الوحيد من الأدباء الروس، فقد سبقه بوريس باسترناك، وكلاهما فاز بجائزة نوبل.
وقد وجدت أكاديمية السويد أن الوقت قد طال، بعد فوز باسترناك عام 1958، لترتب أوراقها من جديد وتعلن فوز سولجنتسين عام 1970، والذي لم يكن قد كتب سوى روايتين وبعض القصص القصيرة، كنوع من تأييد موقفه المناهض، لسياسات بلاده.
ولد الكسندر سولجنتسين في الحادي عشر من فبراير/شباط عام 1918، وانتمى إلى أصول ريفية، حيث ارتبط بالمساحات الزراعية الخضراء، وتربى يتيماً بعد أن قتل أبوه في حادث صيد قبل مولده، ورفضت أمه أن تتزوج من رجل آخر، وتفرغت لتربيته، وعندما بلغ الفتى الخامسة عشرة من عمره، أراد أن يصبح قساً وضابطاً، ولكنه قرر أن يكون كاتباً، فالتحق بكلية العلوم، ودرس الأدب في نفس الوقت، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، قبض عليه رجال ستالين، وأرسلوه إلى معسكرات العمل كي يعيش هناك ثماني سنوات، ويخرج بأفكار معادية للنظام الذي حول مفاهيمه عن الثورات والتاريخ، وحين عمل مهندساً في منطقة كازاخستان، خالطه الحنين إلى الكتابة، ونظم قصائده الأولى، ولكنه ما لبث أن تحول إلى النثر، والتقى بزوجته التي كان قد طلقها أثناء فترة الاعتقال.

وجدت أكاديمية السويد أن الوقت قد طال، بعد فوز باسترناك عام 1958، لترتب أوراقها من جديد وتعلن فوز سولجنتسين عام 1970

وقد ضمن سولجنتسين أوراقه حقائق معسكرات الاعتقال في فترة حكم ستالين، وهذا ما نجده في روايته "يوماً من حياة إيفان دنيسوفيتش" عام 1962، و"الدائرة الأولى" 1968، ليعلن الكاتب عن موهبته الممزوجة بروح انتقادية ساخرة.
واجه سولجنتسين معركة مع سلطات بلاده، بعد أن زادت جرعة الانتقادات، وفي عام 1967 وجه رسالة مفتوحة إلى مؤتمر اتحاد الكتاب الروس هاجم فيها السلطة الرقابية، وقال: "إن صيحة واحدة تكفي أحياناً أن تذيب الجليد من فوق الجبال، وهو بذلك اختلف عن باسترناك الذي اقتصدت انتقاداته بين طيات أعماله الأدبية، بينما تجاوز سولجنتسين ذلك إلى الانتقاد الصريح خارج النص الأدبي.. وهكذا أصبحت أعماله ممنوعة داخل الاتحاد السوفيتي، ليتم تسريبها إلى الخارج، وكان من الطبيعي أن يحتفي الغرب بكاتب منشق، دون الأخذ في الاعتبار قيمته الأدبية، وإن كان سولجنتسين يمتلك موهبة أدبية متفردة، ولكن ذلك يخرج من نطاق الاحتفاء الغربي بأعماله.
وعندما فاز سولجنتسين بنوبل، منع من استلام الجائزة، في الوقت الذي تعاظمت فيه شهرته، بعد نشر رواية "أوت 1914" في باريس عام 1971، وترجمت إلى الإنكليزية عام 1972، على أنها أولى حلقات سلسلة من الروايات التي تدور أحداثها حول الحرب العالمية الأولى.
وفي 28 ديسمبر/كانون الاول 1973، نشرت في باريس لأول مرة الأجزاء الأولى من كتاب "أرخبيل الغولاج" وسط ضجة إعلامية وسياسة هائلتين، وهي النسخة التي هربت من الاتحاد السوفيتي، بعد أن صادرت الشرطة السرية هناك، بعض النسخ من المخطوطة الأصلية، ولكن سولجنتسين تمكن من نشر المجموعة كاملة باللغة الإنكليزية بين عامي 1974، 1978 ، و"الغولاج" هو الاسم المركب لجهاز السجون، ومعسكرات العمل التأديبي المعمول في الاتحاد السوفيتي، ويعد الكاتب سفر أدبي لمعاداة الكاتب لهذا الجهاز الذي بدأ عمله مع قيام الثورة البلشفية عام 1917، ثم اتسع نطاقه في عهد ستالين ضد المنشقين بين عامي 1924، 1953.
ويضيف سولجنتسين في هذا الكتاب، أساليب الاعتقال التعسفي، والتحقيق بالإكراه، والضغط والإدانة الكيفية لضحايا النظام، وذلك من خلال تجربته الخاصة واعتقاله بتهمة الخيانة، حتى إطلاق سراحه بضغط شديد من الدوائر الغربية، وذلك في 12 فبراير عام 1974، ليطلق سراحه في نفس العام، ليذهب إلى السويد ويتسلم جائزة نوبل بعد أربعة أعوام من إعلان فوزه بها.. وكان عام فوزه بالجائزة قد شاهد صعوبات عديدة، لاحقت الكاتب، خاصة على المستوى العائلي، حيث تزوج للمرة الثانية، لينجب فيما بعد ثلاثة أبناء، واستطاع في ذلك الوقت أن يسرب روايته "أغسطس 14" إلى خارج البلاد، وعاد الحرج مرة أخرى إلى السلطات الروسية، عندما أعلن فوزه بالجائزة، كما حدث مع باسترناك، وكانت هناك ترتيبات لترحيل سولجنتسين خارج البلاد.
وفي المنفى هاجم الكاتب بضراوة النظام الشيوعي، وتتابعت أعماله في ذات الموضوع، مثل "الترس الأحمر"، "لينين في زيورخ"، و"أشجار السرو والأمنية" ومجموعة قصصية تحمل عنوان "أصوات تحت الركام".
وبظهور "البروستريكا" فقد سولجنتسين دعائم وجوده في الغرب، وصار في مأزق انحسار الضجة الإعلامية من حوله، مما دفعه إلى القيام بحركة جديدة، عندما قرر العودة إلى بلاده من جديد.
وبعد مرور سنوات على عودة سولجنتسين، انحسرت عنه الأضواء، ولم يعد في نظر الغرب سوى مشهد عابر، أو ورقة احترقت من كثرة الاستعمال، والتندر بسوءات النظام السوفيتي السابق، وتلاشى عنه الضجيج الإعلامي، وعدم الاحتفاء بمقالاته الرافضة لمبادئ الحريات العامة والديمقراطية، والتي تكرس لنظام سلطوي عفا عليه الدهر. (وكالة الصحافة العربية)