"الخطاب ع الباب" فضاء ثقافي بالمدينة العتيقة

عطور البن والثقافة تفوح بفضاء "مقهى السوق..الخطاب ع الباب" بالمدية العتيقة لتونس.
"الخطاب على الباب" مسلسل تونسي عرض لأول مرة في رمضان 1996 في موسمه الأول
جمال الديكور والأثاث وانسيابية الحكاية مع أنفاس الرجل الفنان الإنسان المثقف صاحب الفضاء عادل المنوشي

ألق التواريخ وفسحة الزمان والمكان. المكان مكانة وللذاكرة تجوال آخر في ضروب من الحنين وحميمية العناصر والتفاصيل المكان هنا شرفة للقلب على المدينة. تصعد إلى الأعلى في الطابق الأخير فتطل على الأكوان. هي المدينة العتيقة  لتونس. تقف عند هذا الهيجان الجمالي المحتشد في هذا الحيز من النظر. ما بناه الأسلاف وما أبدعوه وفق معمار الروح حيث الجمال سيد اللحظة. المدينة بكامل بهائها النادر.
مقهى السوق "قهوة الخطاب على الباب". نهج سوق اللفة المدينة العتيقة لتونس مكان بديكور تونسي قديم فيه تزويق وتخريجات فنية لتعلو الموسيقى بعزف لفنانين على إيقاع الأصيل الكامن فينا من الأغاني والألحان التونسية والتراثية.
"الخطاب على الباب" مسلسل تونسي عرض لأول مرة في رمضان عام 1996 في موسمه الأول، وتواصل الموسم الثاني في رمضان عام 1997 على قناة تونس 7 وهو من إخراج صلاح الدين الصيد، وإنتاج التلفزة التونسية .يتألف المسلسل من 30 حلقة، أي 15 حلقة في كل جزء، وهو يروي أجواء الأحياء العتيقة بالعاصمة (الحومة العربي) خاصة في شهر رمضان المعظم، مما يدخل الفكاهة سوى من الشيخ تحيفة وسطيش، أو من عبودة وتصرفاته المضحكة عند صليح النجار أو في المقهى مع أولاد الحي عندما يحين موعد الإفطار ليحلو السهر في "قهوة السوق". كما يروي المسلسل قصة حب بين فاطمة بنت الشاذلي التمار، والطالب أحمد المقيم بتونس، وهذا مع طرح عدة قضايا أخرى.
أتذكر الآن هذا وأنا أعود لجولة صباحية صحبة الشعراء الأصدقاء بالمدينة العتيقة السورية بدمشق. فجأة باغتنا جمال "مقهى ع البال الثقافي". دخلنا المكان وكان صوت فيروز منبعثا وفق أغنية شهيرة لها هي "ع البال" التي صارت عنوانا واسما وشعارا للفضاء. أقف أمام نصوص ومقالات في الجدار هي لفنانين وشعراء مروا منه لاحتساء قهوة أو لفسحة مع "الأرقيلة (النارجيلة)". نصوص عن المكان للشاعرين أدونيس وشوقي بغدادي وغيرهما. أتذكر كل هذا المناخ الشرقي الناعم وأنا أتأمل شيئا من حكايات الفضاء الأنيق "مقهى السوق... قهوة الخطاب ع الباب". جمال الديكور والأثاث وانسيابية الحكاية مع أنفاس الرجل الفنان الإنسان المثقف صاحب الفضاء عادل المنوشي وهو يأخذنا إلى سنوات عديدة مرت ليتحول الإنجاز إلى مشروع لا ينتهي الحلم الثقافي فيه بعد أن كان فكرة وكلاما.
السيد عادل المنوشي ابن جربة الأصيل يبعث هذا المعلم الذي أخذ اسم المسلسل الشهير "الخطاب ع الباب" الذي ظل في عمق ذاكرة الدراما التلفزية التونسية لأسباب جمالية فنية وصدق عميق في الحكاية بين الراحل المخرج الباذخ صلاح الدين الصيد والشاعر الأمهر علي اللواتي الرجل الموهوب متعدد الألوان الثقافية بين الشعر والنقد والفن التشكيلي والتاريخ وأحوال تونس قديما وحديثا.

الفضاء في قلب المدينة العتيقة  وشهد أنشطة متعددة بين الثقافة والفنون ويسعى لدعمها بالفضاء العلوي المعد للمحاضرات واللقاءات الشعرية والأدبية والفنية. "قهوة الخطاب ع الباب" مجال للإمتاع والمؤانسة بعطور البن وجلال الشاي وعشبة النعناع وبهاء الجلوس والمياه العذبة. ومرة أخرى تحتفي المدينة العتيقة في بهائها النادر بالضيف والزائر للمكان وهو  في هيئة من الجمال المفعم بحميمية العناصر والاشياء.
"عشبة النعناع
فاجأها المساء في فنجان شاي...
ودعتني إلى
عرشها...
وردة..."
كانت المدينة بأزقتها وحوانيتها وصخب أطفالها وأقواسها وأبوابها المزركشة في حالة من الوجد. عروض شتى، فنون وإبداع ...الراحة، ضيوف من جهات مختلفة جاءوا فرادى وجماعات يبحثون والملاذ هنا. بعيدا عن صخب العواصم والحياة اليومية في سياق اختلاط الأنماط والأنواع والأعمال للعروض والمسارح والأمكنة التي تعودها الناس للفعل الثقافي والفني هناك فضاءات أخرى. مجاورة منها دار لصرم. الطاهر الحداد. السليمانية. العاشورية. قصر خيرالدين وحدائقه. وبيت الشعر ونعني دار الجزيري قديما تحديدا.
هناك مجال ثقافي للاطلاع على التجارب الثقافية والتاريخية والإبداعية وفق برنامج قادم يحرص عليه عادل المنوشي ومنه إطلالات على تاريخ المدينة الفني والثقافي وبعنوان "العلييان.. اللواتي والزنايدي.. وحكايات أخرى عن المدينة" وذلك إلى جانب الفنون والآداب. أنشطة سابقة انتظمت منها ليلة العيد في "سهرة العيد وختام ليالي رمضان مع الفنان والعزف صلاح سلطان  ونخبة من الفنانين.
فضاء "الخطاب ع الباب" جولة تونسية بنبرة صوت الطفل الحالم عادل المنوشي الذي يحرص على تحويل المكان إلى مركز ثقافي فيه تجوال حارق بين الفنون بإيقاع جمالي وبرائحة البن لتشهد "المدينة العربي" بتونس امتدادها الآخر عند الشباب المتطلع للاعتزاز بحيز من تراثه وأصالته وجمال الذاكرة التونسية العريقة.