الخطوط العسكرية الدفاعية العراقية أوهى من خيط العنكبوت

لا معنى لعسكرة كل العراق في محاولة لمواجهة الارهاب إذا كان العسكريون يفرون مع أول مواجهة.

قبل ايام اعلنت الحكومة العراقية عن الشروع بأقامة سياج من الاسلاك الشائكة يتضمن خندقاً بطول 600 كم وبعرض 6 أمتار مزود بكاميرات حرارية وحواجز وطائرات استطلاع مسيرة.. الخ من المستلزمات بهدف منع المتسللين والمهربين والارهابيين من اختراق الحدود العراقية في المستقبل حسب تصريح ادلى به العقيد أنور حميد نايف المتحدث باسم قيادة قوات حرس الحدود في محافظة الانبار لوكالة فرانس برس للانباء على أن يطلع عليه – المشروع - خبراء عسكريون عراقيون واميركان فيما بعد. تناولت وسائل الاعلام العالمية سريعاً النبأ، وقالت صحيفة ديلي تلغراف اللندنية ان العراق يبني سياجاً على امتداد الحدود مع سوريا بابعاد الجهادديين. ويقضي بناء الخط الدفاعي الكبير هذا تخصيص فرق من الجيش العراقي والحشد الشعبي وافواج الطوارئ ومقاتلي الحشد العشائري السني، أضافة الى اسلحة اخرى لحماية الحدود وبالاخص في قضاءي القائم والرطبة وناحية الوليد الى الغرب من محافظة الانبار المحاددة لسوريا وقضاء البعاج وسنجار الى الغرب من محافظة نينوى. ومن خلال البيانات العراقية يتبين ان الحدود تلك ستحمى شبراً شبراً وليس كيلومتراً كيلومتراً، ويا لطول تلك الحدود وطول السور الذي يذكرنا بسور الصين العظيم!

وفي الداخل العراقي، راحت الحكومة العراقية تتخذ اجراءات مماثلة لاسيما على الطرق الدولية بغداد – كركوك وبغداد - صلاح الدين – الموصل وبغداد ديالى الى الشرق من العاصمة العراقية، علماً ان مشاريع دفاعية سورية عدة سبق وان طرحت في الماضي منها اقامة سور حول بغداد بطول 69 كيلومتراً وسور حول كركوك واخر حول نينوى الا ان الحديث عن اقامة الاسوار هذه تراجع وحلت مشاريع تأمين الطرق الدولية داخل البلاد محلها. ومن تصريحات القادة العراقيين يتبين، ان تكلفة حماية تلك الطرق باهظة من حيث الاموال والعسكر، وتم تسمية الاسلحة لحماية هذه الطرق مثل الشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع وقيادة عمليات صلاح الدين والفوج الثالث مغاوير من عمليات ديالى فضلاً عن قوات مكافحة الارهاب. ولايخفى على احد ان الطرق هذه بدورها طويلة تقدر بين 400 – 450 كيلومتراً ومن سير وتجوال المفارز الامنية عليها والذي يكاد لا يتوقف ليل نهار، ما يعني تخصيصاً هائلاً للاموال والرجال عدا هذا فان هناك ما يشبه الخطوط الدفاعية تلك، وهو حماية مواكب زوار الاربعينية وغيرها حيث خصص لها جمهرة من العسكر وقدرات عدد من الوزارات مثل الصحة والداخلية.. الخ لنقل الزوار وحمايتهم والاهتمام بصحتهم.. الخ.

ولا شك ان المشاريع الدفاعية هذه على اختلافها تستنزف العراق الكثير من الاموال والطاقات والثروات البشرية، والعراق وشعبه، يعانيان الجوع والعطش والفقر وانعدام الامان والاستقرار وكل السيئات في العراق توصف على وزن افعل كما تعلمون اضافة الى ما ذكرت فان كل الخطوط والاجراءات العسكرية السابقة كان ما لها الفشل. فعلى سبيل المثال، لم تتمكن (6) فرق عسكرية وفرقة للشرطة الاتحادية يوم 10-6-2014 من الثبات بوجه بضع عشرات او مئات من مسلحي داعش الذين احتلوا الموصل في التاريخ المذكور، ولا ننسى ان المعنويات اليوم هابطة بشدة بسبب انتشار الفساد وتمزيق الجبهة الداخلية العراقية بشكل غير مسبوق، فروح الدفاع عن الوطن تكاد تنعدم لدى الفرد العراقي الذي يرى بان الدفاع عن الوطن دفاع عن كراسي المسؤولين وجيوبهم المنتفخة بالمال الحرام.

ينسحب قول ماركس على الواقع العراقي "الوطن للحاكم". واذا علمنا ان الجوع يأخذ بخناق العراقيين، عليه والحالة هذه فان روح الدفاع عن الوطن تنعدم لديه، وليس بوسع الجياع الدفاع عن الوطن. فكما يقول نابليون "الجندي يحارب بمعدته". ومعدة الجندي العراقي والمواطن العراقي اصبحت خاوية منذ سنين وفوق هذا وذاك لا يغيب عن البال ان اقامة السور الحدودي المنوه عنه تتم وسط قاعدة اجتماعية مناهضة للحكومة العراقية موالية لداعش لا الحكومة العراقية وان هذه القاعدة الاجتماعية سوف تقضي على السور وتنهب محتوياته، ساعة نضوح الظروف وظهور السبب المباشر لوقوع الحرب. واذا كانت الحكومة العراقية يزين لها بناء الخنادق والسور، فان عليها التفكير باكثر من سور وخندق كيلومتري والاولى بها ان تفكر بما يجري في الحدود الشمالية للعراق. فعلى امتداد هذه الحدود يقف السكان يومياً على قصف مدفعي وجوي تركي. فانتشار للقواعد والمراكز والثكنات العسكرية التركية، في حين ليس لداعش قواعد ومراكز بمواصفات القواعد التركية في الحدود الشمالية للعراق. ترى اما كان الاولى ببغداد ان تفكر بمعالجة الوضع على حدوده الشمالية المحتلة من جانب تركيا بدل التفكير بمشروع سور وخندق بطول 600 كيلومتر على حدود العراق الغربية؟ ثم لماذا لا تقدم سوريا على بناء هكذا مشروع؟ سؤال اخر يدمغ القادة العراقيين السياسيين منهم والعسكريين: لماذا تقوم الطائرات الحربية العراقية بقصف مواقع داعش داخل سوريا في حين لا تقوم الطائرات الحربية السورية بقصف مواقع داعش داخل العراق؟

كان حرياً بالحكومة العراقية من قبل ان تشرع ببناء السور الحدودي ان تراجع قصص وحكايات الاسوار والمعسكرات الجيوش الضخمة مثل خط ماجينو الفرنسي الذي لم يقدر على الثبات بوجه القوات الالمانية في الحرب العالمية الثانية اكثر من 9 ايام وخط بارليف الاسرائيلي ذي الثبات الاقل من خط ماجينو بوجه القوات المصرية وليضعوا نصب اعينهم أيضاً سقوط معسكرات النظام العراقي السابق الجبارة، معسكر اربيل، وسبيلك والسليمانية.. الخ التي رغم اسلحتها الحديثة والقتالية الاستراتيجية لم تقدر على الصود بوجه الجماهير العزلاء المنتفضة في انتفاضة اذار 1991.

ان كل الدلائل تشير الى مضي الحكام العراقيين قدماً نحو عسكرة البلاد ومنها ما يتردد عن تنصيب حكام عسكريين للمحافظات العراقية والسنية منها على وجه الخصوص. وارى انه عند اعلان عن ساعة الصفر لبدء المعركة، فان الخطوط الدفاعية الحدودية والداخلية للعراق لن تصمد سوى دقائق وساعات لا اكثر. لذا ووفقاً لكل التجارب عن لا جدوى السلاح والعسكر والاسوار والخنادق فلقد حان الوقت لكي يفكر حكام العراق بوضع شعبهم المزري، والتوجه الى الحل السياسي ونبذ العسكرة وهدر الاموال وان الخيانة التي سلمت الموصل بفرقها العسكرية والبوليسية الى بضع عشرات أو مئات من مسلحي داعش ان هذه الخيانة النائمة (على وزن الخلايا الداعشية النائمة) ما زالت قائمة ومتأهبة في أن تسلم الاسوار والخنادق واشكال السلاح الى اصغر مئة مهاجمة.