الدبلوماسية الصينية والعلاقات السعودية الإيرانية

دخول صيني ناعم من خلال قضية العلاقة بين الرياض وطهران المليئة بالمشاكل. واشنطن المستفَزة تراقب.

شكل الشرق الأوسط في الدبلوماسية الصينية نقطة تحوّل في سياستها الخارجية التي اخذت منحى انفتاحيا اشد وضوحا لجهة المرامي والاهداف وبالتالي التداعيات والخلفيات. وقد حققت في وقت قياسي اشواطا نوعية مهمة في المستوى الاستراتيجي من خلال التعاطي مع دول تشكل بُعدا جيوسياسيا إقليميا ودوليا متميزا، كالعلاقات مع الخليج وغيرها من دول الشرق الأوسط.  

ويأتي الدخول الصيني لتقريب ذات البين في العلاقات السعودية الإيرانية نتيجة بارزة لهذا التحوّل، ومن خلال ملف يعتبر من اهم وابرز ملفات العلاقات في المنطقة، وهو في الأساس يشكل تحدّيا لمستقبل دول المنطقة والدخول الصيني المباشر الذي تم التمهيد له مؤخرا وفي ظروف إقليمية ودولية مناسبة لمختلف الاطراف.

لقد رسخت الصين علاقة استراتيجية مع ايران من خلال اتفاقية الشراكة الاستراتيجية والتي تمتد زمنيا لربع قرن والمتضمنة اتفاقات تجارية واقتصادية لا تخلو من أبعاد امنية وعسكرية. وقد شكلت هذه الاتفاقية تحديدا، مدخلا صينيا لمنطقة هي الأشد حساسية للولايات المتحدة ويعتبر الاقتراب المباشر منها مسا بالمجال الجيوسياسي الأميركي في المنطقة. علاوة على ان الاتفاقية أتت في ظروف استثنائية جدا ان لجهة التوقيتين الإقليمي والدولي الذي كان يمر بظروف حرجة لا زال الكثير منها قائما حتى الآن.

في المقابل، استتبعت الصين دخولها الناعم الى الخليج عبر بناء علاقة استراتيجية أخرى مع المملكة العربية السعودية من خلال اتفاقية شراكة كاملة شملت ثلاثين اتفاقا بحجم أكبر من خمسين مليار دولار، وقعت في خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ الى الرياض في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2022، والتي اعتبرت من ابرز التحوّلات الصينية والخليجية التي يمكن البناء عليها في نطاق السياسات الصينية المعتمدة في العقود الثلاثة الماضية.

لقد مهدت بكين دخولا آمنا الى حد بعيد وسط قلق أميركي واضح برز في عدة مواقف تصعيدية لم تخلُ من تهديدات امنية وعسكرية مباشرة للصين، ان لجهة قضايا حقوق الانسان او لجهة بحر الصين وتايوان وحتى غيرها من القضايا الثنائية ذات الصلة عالميا، الى ان وصلت لاحقا لمستويات تصعيدية غير مسبوقة بعد اندلاع الازمة الروسية الأوكرانية ومواقف الصين وايران منها.

وتأتي الخطوة الصينية في محاولة ترميم العلاقات السعودية الإيرانية بعد ست سنوات ونيف من الانقطاع، لتسجل علامة فارقة في سياساتها الشرق أوسطية بعد التعامل الدبلوماسي المرن والحذر التي اتصفت بها سياسة بكين الشرق أوسطية، وهو حراك دبلوماسي يتقاطع حاليا مع ظروف إقليمية ودولية حساسة جدا ولا يقف بالتأكيد عند حدود العلاقات الثنائية الصينية الخليجية. على ان ثمة مؤشرات قوية وواضحة ان نتائج التقارب المبدئي بين طهران والرياض سيترك آثارا واضحة ومؤثرة في العديد من ملفات المنطقة الرئيسية والفرعية الساخنة في المنطقة.

وبصرف النظر عن حجم الدور الصيني، ثمة عوامل مساعدة ومؤثرة أسهمت في ابراز هذه النتائج الواعدة، ومنها اللقاءات والزيارات والمواقف الموازية للوساطة الصينية، من بينها على سبيل المثال لا الحصر لقاءات بغداد مؤخرا التي جمعت مسؤولين سعوديين وايرانيين برعاية من دول خليجية كالامارات وقطر وسلطة عُمان واقليمية كتركيا ودولية كروسيا.  

وبصرف النظر أيضا عن حجم الآمال المعلقة على هذه الوساطة ونتائجها المحتملة، لا شك يعتبر بناء جسور التواصل الثنائي السعودي الإيراني امرا ذات أهمية كبرى، بالنظر لحجم الدولتين في المستويين الإقليمي والخليجي تحديدا، وما يمكن ان يفتح آفاقا واعدة لتسوية العديد من الملفات الإقليمية التي تعج بها المنطقة منذ عقدين ونيف من الزمن، والتي تحتاج الى المزيد من الرعاية اللصيقة لما تشكل من آثار بالغة الحساسية والتداعيات؟