الدراما الرمضانية في مواجهة الارهاب

يأس النخبة الثقافية من ممارسة دورها بصورة صحيحة، ويأس الناس من الإصلاح، مكنا المتطرفين من التسلل إلى قاع المجتمع.

ربما يكون الكاتب وحيد حامد، من أوائل من انتبهوا لأهمية الفن في مواجهة الإرهاب، قبل أن يستفحل خطره، كما هو ظاهر الآن. قدم عددا من الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية التي تطرقت إلى هذه المسألة باقتدار. لكن القضية حيوية وتحتاج مواجهة مستمرة، تتخطى حدود الفن إلى الثقافة بمعناها الذي يمس تغيير السلوك العام وتوجيهه نحو التحضر.

هناك حوالي ستة أعمال معروضة على محطات فضائية مختلفة في موسم رمضان الحالي، اقتربت من زوايا سياسية وأمنية وثقافية مهمة لها علاقة بملف الإرهاب. تؤكد حصيلتها أن لدينا سلاحا لم يتم استخدامه جيدا منذ فترة. سلاح كان من الضروري أن ينتبه بكثافة للمخاطر التي ينطوي عليها انتشار غول الإرهاب. لو تم توظيفه جيدا، ربما تغيرت مشاهد العنف التي مارسها المتطرفون ضد رجال الجيش والشرطة والقضاة وقطاع كبير من المواطنين الأبرياء.

لا أملك القدرة على التحليل الفني لما يعرض من مسلسلات على عدد من الشاشات المصرية والعربية، فهذا له ناسه. غير أنه من متابعتي لبعض الأعمال، وجدت أنها تفتح بابا واسعا لحالة كان من الواجب الالتفات إليها، من خلال التوسع الفني والثقافي، أفقيا ورأسيا، في طرح القضايا التي لها علاقة بالإرهاب وروافده المتعددة.

مهم أن يتم فضح طرق تجنيد الشباب، والتعرف على طبيعة الإغراءات التي تقدم إليهم، ماديا ومعنويا، وطريقة استقطابهم عبر حيل فكرية مشبوهة، مستندة لتفسيرات دينية مغلوطة. مهم أيضا تقديم هذه النماذج للمُشاهد للعبرة وتعميم الفائدة.

المضمون الذي يجري تقديمه، يكشف عن ارتفاع الوعي والمسئولية الأدبية والأخلاقية عند صناع الدراما، وهم يسبقون العاملين في مجال السينما بخطوات، حتى لو كان منهم من يعمل في المجالين معا.

ما يقدم حاليا في هذا الفضاء مختلف عن أفلام المقاولات التي أغرقتنا خلال السنوات الماضية بمزيد من الاسفاف والتضليل والفساد. قدمت نماذج مشوهة، تعامل معها بعض الشباب على أنها قدوة. منهم من قلد أبطالها في التسلق والبلطجة والرغبة في الرزق السريع. وكان كل من فيلم "هروب اضطراري" و"الخلية" استثناء في هذه الحالة مؤخرا.

الاهتمام بالأعمال الدرامية التي تتطرق لقضايا الإرهاب، عملية مكملة لما يقدمه الجيش والشرطة من تضحيات جسيمة، لكسر دابر المتطرفين في مصر. نجاح المهمة باقتدار يحتاج إلى تضافر الجهود الفكرية والدينية والسياسية مع الأمنية، ليستعيد المجتمع عافيته وتتقدم الدولة إلى الأمام.

إذا كان هؤلاء يقومون بأدوارهم على جبهات عديدة وبالطريقة التي تتواءم مع طبيعة عملهم، فعلينا جميعا عدم التخلف عن مساندة التحركات المبذولة لتوفير أعلى درجات الأمن والاستقرار في مصر. الدراما بدأت تنتبه وكرّست جانبا من أعمالها لمعالجة هذه القضية المحورية.

السينما عليها اللحاق بهذا الركب في الوقت الراهن عبر تقديم المزيد من الأعمال التي تتناول تفاصيل عميقة، في المحتوى والمعالجة. ولا أحد ينكر امساكها مبكرا بطرف الخيط لمكافحة المتشددين في أفلام، مثل "المصير" و"الإرهاب والكباب" و"الإرهابي" و"حسن ومرقس" و"الإرهاب" و"عمارة يعقوبيان" و"دم الغزال" و"مولانا".

كي تكون المعالجة ذات مروحة عريضة وتحقق أهدافها البعيدة بشأن تنظيف المجتمع من ذوي الأفكار المريضة، من الضروري أن تتكاتف جميع القطاعات. النجاح الذي حققته الدراما هذا العام، والمبادرات المحدودة التي قدمتها السينما، تؤكد أننا بحاجة إلى رؤية واضحة وشاملة. رؤية تشارك فيها مؤسسات الدولة، من إعلام وتعليم ورجال دين، وثقافة طبعا.

ما يقدم حتى الآن من أعمال، يبدو لكثيرين تصرفات فردية، لا تنم عن تبلور إستراتيجية دقيقة، ترمي إلى القضاء على الإرهاب من جذوره. غالبية المحاولات الرسمية في هذا المجال كانت نتيجتها بائسة أو لم يحالفها التوفيق.

بعضها تعثر ولا يزال يكابد عناد البيروقراطية وسعي الكثير من الجهات للحفاظ على نفوذها التقليدي، وتمنع من يحاول تصحيح الأخطاء، حتى لو كانت هذه الأخطاء منهجية، وأفضت إلى كوارث مجتمعية، وتجهض الدور الوطني الذي تقوم به الجهات الأمنية والسياسية.

البعض الآخر، استسلم وأصابه إحباط عندما وجد أن التيار المناهض أقوى من إمكانياته. المشكلة أن اليأس، هو الباب الرئيسي لدخول المتطرفين إلى عقول وقلوب نسبة كبيرة من المواطنين، والجناح الذي يجري توظيفه ليبقى الحال على ما هو عليه. قبول بواقع مرير يجلب لنا كوارث، وسوف يؤدي إلى كوارث أشد، ما لم يتم إصلاحه تماما.

يأس النخبة الثقافية من ممارسة دورها بصورة صحيحة، ويأس الناس من الإصلاح، مكنا المتطرفين من التسلل إلى قاع المجتمع الذي يمثل الشريحة العريضة، ومنه تتسرب الكثير من الأمراض التي يستغلها من يريدون الهيمنة على مقاليد الأمور في هذا البلد. من يتاجرون في الإرهاب، ويسمحون لأفراده بالحركة، ويمدونها بعناصر تضفي عليها حيوية جديدة كلما اقتربت من التلاشي.

الخطة المطلوبة، يجب أن تتجاوز الميراث السلبي الذي لعب دورا في تمهيد الطريق أمام التطرف. تنطلق من إرادة وعزيمة ورغبة تأخذ في حسبانها عنصر الوقت، فهو ليس في صالحنا. التطرف أصبح له رعاة في الداخل والخارج. تقوم عليه مصالح قوى وجماعات وتعتقد أنه النافذة التي تجهز على مقدرات الدول.

الفرصة مواتية. قد تكون الدراما حملت الشعلة ودقت جرس انذار حاولنا صم آذاننا تجاه صوته لعدم الاستماع إليه. قدمت طوق نجاة لمن بيدهم الحل الحقيقي. عليهم عدم التخلف عن الجهود المبذولة وتحويلها إلى عملية منظمة ومقصودة. إذا كانت المحاولات الفردية أزعجت رعاة الإرهاب، فما بالنا بالموقف لو هناك خطة فنية وثقافية، تكون الحكومة مسئولة عنها؟

بالطبع الحكومة مدت يد المساعدة، لكن دورها لا يزال منقوصا. لم يحمل رؤية متكاملة، تشتغل من خلالها دوائر متباينة، وفقا لتصورات وتوجهات صارمة. ترفض الاستسلام لإحباط يأتي من هنا أو إخفاق يحدث هناك، أو تقف مكتوفة أمام جهة تأبى أن تفرط في ما حصلت عليه من مزايا قدسية بحكم العادة. الفرصة متاحة، عبر الفن والثقافة، لتصحيح أخطاء الماضي والالتفات إلى المستقبل.