الدكتور سلـطان بن محمد القاسمي يوثق بداية حكم العُـتوب للبحرين

الدراسة كُتبت بأسلوب سردي شائق ونسج محكم فائق، ردا من حاكم الشارقة على حديث استمع إليه من أحد المتحدثين عن بداية حكم العتوب للبحرين.

أصدرت منشورات القاسمي كتابا جديدا للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، بعنوان "بدايةُ حُكمِ العُتوبِ للبَحْرَينِ"، والكتاب دراسة موثقة ومحققة من مصادر معاصرة لبداية حكم العتوب للبحرين، في عام 1785، وهذه الدراسة كُتبت بأسلوب سردي شائق، ونسج محكم فائق، ردا من حاكم الشارقة على حديث استمع إليه من أحد المتحدثين، عن بداية حكم العتوب للبحرين، فيقول "وجب عليّ أن أوضح ما جرى"، فجاء هذا الجهد البحثي، لكشف ملابسات الحدث كما حصل، وليسلط الضوء على أدق الوقائع، وأبرز التفاصيل، وهذه الدراسة هي الإصدار الـ83، لسموّه، والخليج تنشر لقرائها اليوم نص الدراسة كاملة.

في التاسع من شهر سبتمبر/أيلول عام 1782، قامت مجموعة من العتوب من الزبارة الواقعة على الساحل الغربي لشبه جزيرة قطر، قبالة جزيرة البحرين، بمهاجمة البحرين، التابعة للشيخ ناصر المطروشي حاكم أبو شهر، انتقاما لمقتل مولى تابع للشيخ محمد بن خليفة والذي كان قد أرسله لشراء سعف النخيل من بلدة سترة على ساحل البحرين المقابل للزبارة.

خاضت مجموعة العتوب معركة قصيرة، أُزهقت فيها الكثير من الأرواح من كلا الطرفين، اضطر الشيخ ناصر بن ناصر بن مذكور، نائب شيخ أبو شهر في البحرين، وهو ابن حاكم بندر الرق المتشيع، حليف الزند، وهو ابن الفارسية، والتي هربت بعد مقتل زوجها، وكانت حاملاً بطفل، أطلق عليه ناصر، إلى الشيخ ناصر حاكم أبو شهر، وقد تربى في كنفه، للانسحاب إلى قلعة البحرين، أما العتوب فقد قاموا بنهب وتدمير المدينة، ومن ثمّ عاد العتوب المهاجمون إلى الزبارة.

في اليوم الثالث من بعد الهجوم السابق، استولى العتوب على سفينة من سفن أبو شهر، كان قد أرسلها الشيخ ناصر حاكم أبو شهر إلى البحرين لجمع الجزية التي فرضها على أهالي الجزيرة.

ترتيبات

في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 1782، قام الشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، بوضع ترتيبات، لمهاجمة الزبارة بواسطة شيوخ بندر الرق وجناوة وديهستان، بعد أن أخذ الموافقة من أصفهان، لكن الشيخ ناصر قد اضطر لإرجاء الحملة حتى الثاني عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1782.

بعد أن أصبح أسطول الشيخ ناصر حاكم أبو شهر، مكونا من أربع سفن للشحن وحوالي ثلاثة عشر مركبا، والتي حملت حوالي ألفي مقاتل من عرب الساحل الفارسي، تحت قيادة ابن أخيه، ويدعى الشيخ محمد، أبحرت السفن إلى البحرين، وبعد مضي أيام قليلة، لحقت بها ثلاث سفن من بندر الرق، يقودها شيخ بندر الرق.

على الرغم من اعتبار تلك القوة بأنها كافية لاحتلال منطقة الزبارة، إلا أنه لم يحدث شيء قط من ذلك القبيل، الأمر الذي يؤكد أن الفكرة العامة هي أن الشيخ ناصر كان يرغب في إجبار العتوب على القبول بشروطه، والضغط عليهم من خلال إغلاق ميناء الزبارة، وتعطيل مسيرة تجارتهم.

في تلك الفترة، وصل أسطول فارسي لمساعدة الشيخ ناصر حاكم أبو شهر، والذي تمّ وضعه لكي يتولى تمشيط المنطقة بشكل متواصل بين البحرين وبلدة الزبارة. لم تكن قوة العتوب قوية بما يكفي لكي تقاوم تلك الحشود.

كان شيخ بندر الرق يقوم بالوساطة بين العتوب والشيخ ناصر حاكم أبو شهر، حيث رفض العتوب عرض الشيخ ناصر، ولكنهم تعهدوا بأن يعيدوا إلى الشيخ ناصر كل ما تم نهبه من البحرين، إذا ما عمد للاتفاق معهم على السلام.

فشلت مساعي شيخ بندر الرق، فاتجه الشيخ ناصر، شيخ أبو شهر، إلى الشيخ راشد بن مطر القاسمي، حاكم رأس الخيمة، وأعطاه سلطات واسعة لتسوية كل الأمور على النحو الذي يرضي الأطراف المتناحرة.

وصل إلى أبو شهر في الثالث والعشرين من شهر فبراير/شباط عام 1783 الشيخ عبدالله بن راشد بن مطر القاسمي، والذي كان يحمل رسالة من والده الشيخ راشد بن مطر القاسمي، للشيخ ناصر حاكم أبو شهر، بخصوص موضوع التسوية.

استعد الشيخ راشد بن مطر القاسمي، حاكم رأس الخيمة، للسفر إلى البحرين، لترتيب السلام بين الشيخ ناصر حاكم أبو شهر وبين العتوب في الزبارة، والذي كان من المتوقع أن يبرم الاتفاق على السلام في بداية شهر مارس/آذار عام 1783. (1)

في منتصف شهر مايو/أيار عام 1783، كان الشيخ راشد بن مطر القاسمي قد وصل إلى البحرين، والتقى الشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، هناك، وفي صباح اليوم السابع عشر من شهر مايو/أيار، بعث الشيخ راشد بن مطر القاسمي بابن أخيه الشيخ محمد بن رحمة بن مطر القاسمي على سفينة بتيل، إلى الزبارة لترتيب السلام بين الطرفين المتحاربين، ومعه ثمانية عشر نفرا بين بحارة وحراس.

وقفت السفينة البتيل قبالة مدينة الزبارة، بانتظار وصول أحد من المدينة إليهم، حيث إن المياه قبالة الزبارة ضحلة إلا من ممرات متعرجة خطرة.

معركة

في تلك الأثناء، وإلى الشمال من الزبارة، حيث البحر مفتوح، وتستطيع السفن الكبيرة الاقتراب من الشاطئ، نزلت القوات الفارسية، حيث توقعوا أن تكون في مواجهتهم بالشاطئ معارضة قليلة، أو حتى قد لا توجد، إلا أنهم ما كادوا ينزلون على الشاطئ، حتى فوجئوا بقوة ضخمة من العتوب، هاجمتهم في الحال.

بعد قتالٍ شديد لبعض الوقت، قُتل فيه العديد من الرجال في كلا الجانبين، ألقى الفرس بسلاحهم، وهربوا إلى مراكبهم، بزوارق صغيرة، وهم يحملون معهم جثة الشيخ محمد، ابن أخ الشيخ ناصر حاكم أبو شهر، الذي قُتل في الاشتباك.

التفت العتوب إلى سفينة البتيل، المتوقفة أمام الزبارة، وهاجموها، فقُتل في الحال الشيخ محمد بن رحمة بن مطر القاسمي ابن أخ الشيخ راشد بن مطر القاسمي، واستولى العتوب على سفينة البتيل، وقطعوا رؤوس الثمانية عشر، من البحارة والحراس المرافقين للشيخ محمد بن رحمة القاسمي، وقد كانت السفينة البتيل تابعة للشيخ عبدالله المعيني، شيخ هرمز وقشم.

في نفس ذلك اليوم، وصل أسطول من القرين (الكويت)، من قبل شيوخ القرين العتوب، أبناء عمومة العتوب الذين في الزبارة.

كان أسطول القرين يتألف من عدد من المراكب المسلحة، وعند وصولهم إلى جزيرة البحرين، أحرقوا البلدة، ونهبوها، وأجبروا القوة التي تركها الشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، لحماية الجزيرة، على التراجع إلى الميناء في البحرين.

وصلت تلك الأخبار للشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، بعد ساعات قليلة من احتلال أسطول القرين للبحرين ومن محاولته غير الناجحة بالهجوم على الزبارة، فقرر مغادرة قواته الساحل العربي في الحال.

في التاسع والعشرين من شهر مايو/أيار عام 1783، وصلت القوات الفارسية، والشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، إلى بلدة الديّر، قرب خور بردستان إلى الغرب من بلدة كنغون.

نشاط

من بلدة الديّر، اتجه الشيخ ناصر إلى مدينة عسيلوه، حيث رست السفينة التي كانت تُقِل الشيخ راشد بن مطر القاسمي، وقيل إنهما كانا يعتزمان البقاء حتى يتمكنا من جمع قوات كافية ليعودا مرة أخرى إلى الزبارة.

نشط الشيخ راشد بن مطر القاسمي لجمع أكبر قوة سيقوم بها ضد العتوب في الزبارة، انتقاما لمقتل ابن أخيه.

كانت مراكب أبو شهر، وبندر الرق، وجناوة، قد عادت إلى بنادرها تباعا. (2)

في الثاني عشر من شهر يونيو/حزيران عام 1783، عاد الشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، إلى أبو شهر.

في الخامس من شهر أغسطس/آب عام 1783، كان الشيخ ناصر النائب عن الشيخ ناصر المطروشي حاكم أبو شهر في البحرين، متوجها إلى أبو شهر قادما من البحرين، وكان قد أُجبر على التنازل وتسليم قلعة البحرين للعتوب في اليوم الثالث والعشرين من شهر يوليو/تموز عام 1783. وعادت كذلك الحامية الفارسية التي كانت في البحرين إلى أبو شهر.

كانت الاستعدادات تجري لترتيب حملة لإخضاع الزبارة، حيث كان أسطول أبو شهر على استعداد للإبحار إلى ميناء عسيلوه في الخامس من شهر أغسطس/آب عام 1783، لكن جاءت رسالة من شيراز للشيخ ناصر حاكم أبو شهر، تبلغه بأن علي مراد خان ملك فارس، سيبعث بستة آلاف رجل لمساعدته على إخضاع الزبارة، وطرد العرب منها.

أُفيد في ذلك الوقت أن الشيخ عبدالله المعيني، من هرمز، والشيخ راشد بن مطر القاسمي، من رأس الخيمة، سيتحركان بعد فترة قصيرة إلى عسيلوه لمقابلة الشيخ ناصر، حاكم أبو شهر. (3)

في الثاني عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 1783، وصلت الأنباء من كنغون، وهي بلدة على الساحل الفارسي، تذكر وصول أكثر من ستين مركبا وقاربا إلى هناك، تعود للشيخ راشد بن مطر القاسمي، شيخ رأس الخيمة، لتنضم للشيخ ناصر، شيخ أبو شهر، ضد الزبارة وعرب القرين (الكويت).

لم تكن الستة آلاف من الرجال، الذين قيل إن علي مراد خان سيبعث بهم لمساعدة الشيخ ناصر، قد وصلت، ولذلك لم يتقرر متى سيتحرك الشيخ ناصر حاكم أبو شهر لينضم إليهم.

كان شيوخ بندر الرق وجناوة، قد انشغلوا بالحرب الدائرة بين الأتراك وعرب بني كعب حول شط العرب، حيث كان الشيخان يناصران بني كعب، أما أسطول الشيخ عبدالله المعيني، شيخ هرمز وقشم، فلم يصل إلى أبو شهر.

كان أسطول الشيخ راشد بن مطر القاسمي، وبعد أن طال انتظاره، قد قام برحلة بحرية إلى البصرة، دون إفصاح عن نيته. (4)

استعدادات:

في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1784، بدأت الاستعدادات لحملة جديدة ستنطلق ضد العتوب في الزبارة والبحرين، وكان بحارة أسطول الشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، يستعدون لتلك الحملة، ومن المفترض أن ينضم إلى الشيخ ناصر حاكم أبو شهر، كل من الشيخ عبدالله المعيني، حاكم هرمز وقشم، والشيخ راشد بن مطر القاسمي، حاكم رأس الخيمة.

وفي الثاني عشر من شهر فبراير/شباط عام 1785، غادر الشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، مدينته برّا إلى بلدة كُنغ، أما أسطوله، وأسطول بندر الرق، فقد توجها بحرا إلى كُنغ، وسيلحق بهم، في كُنغ، كل من شيخ هرمز، وشيخ رأس الخيمة، وعندها سيهجم الجميع على البحرين والزبارة.

كان علي مراد خان ملك فارس، وهو ابن أخت كريم خان زند، سيتوجه إلى كُنغ، ومعه قوة صغيرة، وسيشترك في الهجوم على البحرين والزبارة، لكن الأخبار التي وصلت إلى كُنغ أفادت بأن علي مراد خان قد توفي في السادس والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني عام 1785 وهو على بعد مسيرة خمسة أيام من طهران، بينما كان في طريق عودته إلى أصفهان. عاد الشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، أدراجه إلى أبو شهر، وقد أجّل حملته المنشودة ضد عرب العتوب في الزبارة والبحرين لبداية الشهر التالي.

تمكن: 

مرض الشيخ ناصر، حاكم أبو شهر، مرضا شديدا أقعده عن العمل، فلم يستطع قيادة الحملة التي كان قد أعدها، ثم تلا ذلك أن قامت الحرب بين الأمراء في فارس، حيث اشتركت فيها جميع الأطراف التي كان من المفروض أن تشترك في الحملة على الزبارة والبحرين، وبذلك تمكّن العتوب من البحرين والزبارة. (5)