الدولة الفلسطينية قبلة الحياة لإسرائيل

المبالغة في الحرب على حماس والابتعاد عن لب المسألة وهو الحق الفلسطيني في دولة مستقلة، إنما يصبان الزيت على نار التطرف.

يبدو رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو وكأنه يقلد الافلام الهندية والعربية التي يتم فيها حل المشكلة والعقدة الاساسية فيها في اللحظة الاخيرة، لكن مع ثمة ملاحظة مهمة أيضا يجب الانتباه لها وهي إنه يسعى من أجل جعل تلك اللحظة دراماتيكية على الطريقة الهوليودية بحيث تجعل من نتنياهو وكأنه كما سلفستر ستالون في أفلام "رامبو". لكن الذي فات على رئيس الوزراء الاسرائيلي هو إن المسافة الزمنية المحددة لهكذا لحظة ليست بهذا الاطناب الذي يبعث على الملل والضجر وحتى الحنق!

بذل نتنياهو والقوات الاسرائيلية كل ما في الوسع من أجل تحقيق نصر "رامبوي" على حركة حماس الاخوانية المتورطة بتحالفها مع النظام الإيراني. لكن الخطأ الكبير جدا الذي وقع فيه نتنياهو هو إنه تمادى في تجاهله للدعوات الاقليمية والدولية التي تطالبه بكبح جماح إندفاعه الدموي الجنوني في غزة في البداية والان في رفح، وهو بذلك يرتكب خطئا تاريخيا بوضع الاصوات المعتدلة والداعية بحق لحل أزمة الشرق الاوسط على أساس من المنطق والعقلانية في نفس كفة الارهابيين والمتطرفين.

أتساءل؛ لو كان اسحاق رابين مثلا، على رأس الحكومة الاسرائيلية مع إندلاع الحرب في غزة، هل كان يتمادى ويعمه في ردود فعله الجنونية والحمقاء كما يفعل نتنياهو؟ حرب غزة بقدر ما أرادت حركة حماس وسنوارها المجنون أن تقلب الطاولة على رأس الحكومة الإسرائيلية، فإنها قلبت الطاولة أساسا وبصورة أشد وأقوى على رأس السنوار وحركة حماس بل وحتى على رأس حركة الاخوان المسلمين، الداعم والمحرك لحماس وأخواتها. وفي هكذا حالة كان على نتنياهو أن يستغل هذه الفرصة الفريدة من نوعها ويضع الاخوان المسلمين وحماس وأخواتها بل وحتى التطرف الاسلامي في زاوية ضيقة، بيد إنه قد فعل العكس تماما وهذا ما يبدو إن عقلاء إسرائيل قد لاحظوه ولايبدو إنهم يريدون أن يتمادى نتنياهو في ذهابه أبعد من ذلك.

كل ما يفعله ويقوم به نتنياهو حاليا هو إنه يضيف لنيران التطرف الاسلامي المزيد والمزيد من الوقود، وهو بذلك، شاء أم أبى، يدفع بإتجاه جعل الحل الحاسم لأزمة الشرق الاوسط مبنية على أساس ديني بحت، وبنفس السياق يقدم خدمة لا يمكن أبدا أن تقدر بثمن للتطرف الاسلامي بأن يدعوه للمنازلة مع التطرف اليهودي الذي بات يجسده بأوضح صوره، ذلك إن على نتنياهو أن يفهم فيما لو أصر على منطق "من النهر الى البحر" فإن هناك منطق "وإن عدتم عدنا" كما في الآية 4 من سورة الاسراء، وهو ما يعني الدخول في دوامة التطرف الديني من الجانبين وهذا بطبيعة الحال رهان غير مأمون العواقب، وعلى نتنياهو تداركه قبل أن يتسبب في مشكلة عويصة ستجعل حل الأزمة تخرج من أيدي العقلاء من الطرفين وتجعله في يد ما هو أسوأ من حماس ونقصد تحديدا بذلك المتربص شرا بهذه المسألة في جماران!

يجب على عقلاء إسرائيل النظر مليا الى الجانب الآخر من الصورة، ذلك إن حماس قد إنتهت فعلا وإن نتنياهو هو من يعمل على إبقائها حية، وبرأينا فإن طلقة الموت التي يمكن توجيهها لرأس حماس وسنواره هو بقبول إسرائيل بالدولة الفلسطينية كأمر واقع لأنها وتحديدا بعد كل الذي قام به نتنياهو بمثابة قبلة الحياة لإسرائيل، وستثبت الايام ذلك حتما.