النسر وليس مخلبه
في 24 أبريل 1980، وبعد قيام النظام الايراني بإقتحام السفارة الاميركية في طهران وإحتجاز 52 من طاقم السفارة الاميركية في طهران، أمر الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر، بتنفيذ عملية "مخلب النسر" لإنقاذ الرهائن، وهي العملية التي فشلت بسبب عصفة رملية. وفي 25 أبريل 1980، وبعد أن أعلن البيت الابيض فشل العملية، أدان الخميني كارتر وقال بخصوص العملية "إن الله أنعم على الحكومة الاسلامية بمعجزة العاصفة الرملية"، وهو يلوح بأن النظام محمي من السماء ولا يمكن التعرض له!
هذه العملية التي يبدو إن الاميركيين قد تسرعوا فيها كثيرا وكان ينقصها المزيد من التخطيط والامور والاستعدادات الى جانب الوقت الذي كان في غير صالح الاميركيين والعامل الزمني في هكذا عمليات بالغ الاهمية من مختلف النواحي وقطعا فإنه قد خدم الخميني ونظامه في ذلك الوقت كثيرا.
توقيت وفشل هذه العملية ليس كتوقيت وفشل عملية "سقوط النسر" التي قامت الجستابو الالمانية بتنفيذها عشية الحرب العالمية الثانية من أجل إختطاف رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، في وقت كان في عز تألقه وإمساكه بزمام الامور، حيث قامت الجستابو بتنفيذ خطة أعدت بموجبها شبيه لتشرشل يحل محله بعد إختطافه، وكان من المزمع تنفيذ العملية أثناء ما كان تشرشل يزور أحدى الكنائس وإختطافه من هناك، لكنه لم يزر الكنيسة وساد إرتباك بين عملاء الجستابو لهذا التطور وسرعان ما إنكشف أمرهم وإنتهت العملية الى الفشل، مع الاخذ بنظر الاعتبار إن نجاح العملية كان من الممكن أن يغير من مسار الاحداث والتاريخ نفسه.
عند الحديث عن هاتين العمليتين اللتين أعتقد بأن الموساد الاسرائيلية درستهما من مختلف الجوانب وعرفت عيوبهما وثغراتهما لتخطط في ضوئهما بصورة أدق والى أبعد حد ممكن سيناريوهات ولكن بسياقات وأهداف مختلفة، يأتي في وقت شهد العالم كله أهمية العامل الاستخباري في تحقيق أهداف استراتيجية بالغة الأهمية. ومن هنا فإن الموساد الاسرائيلية قد أثبتت جدارتها بهذا الصدد إذ وبعد إختطاف نصف طن من الوثائق المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني من طهران وبعد إغتيال أب البرنامج النووي الايراني فخري زادە في طهران أيضا، جاءت عملية إغتيال اسماعيل هنية في طهران أيضا، والعملية الاخيرة للموساد هي الاخطر وحتى إنها بمثابة رسالة لخامنئي نفسه من إنه قد يكون الهدف التالي، وهذا في حد ذاته قد يكون سببا ليس لتأخر الرد الايراني للثأر لإغتيال هنية بل وحتى إلغائه!
الصخب والفوضى العبثية اللذان أحدثتهما وتحدثهما الفصائل التابعة لملالي إيران في بلدان المنطقة ولاسيما حزب الله اللبناني الذي يبدو إنه قد ذهب أبعد ما يكون عن الحدود المرسومة له وبات يتصرف وكأنه كملالي إيران لا يعترف بالحدود والانظمة والقوانين الدولية المرعية، ولعل جعله لبنان واحدة من الدول الفاشلة بسبب من دوره ونشاطه المشبوه في هذا البلد وكذلك دوره ونشاطه في العراق واليمن وسوريا اللواتي أيضا أصبحن ببركة النظام الايراني من الدول الفاشلة، فإنه وبعد كل الذي قيل ويقال عن حصانته ومناعته جاءت حرب صيف 2006، لتجعله يتعظ ويعرف حجمه لكنه وكما يبدو وبعد ما أشيع أن ملالي إيران قاموا بإرسال ما يقارب من 13 مليار دولار من أجل إعادة ما خرب من جراء تلك الحرب، فقد عاد الى سابق عهده فجاءت الهجمات الاسرائيلية المتتالية لتصفية كوادره القيادية بحيث لم يعد هناك من قائد ذي إعتبار إلا حسن نصرالله!
في طهران خامنئي مهدد وفي بيروت حسن نصرالله تم اغتياله، واللعبة ما زالت مستمرة والمثير للتهكم إن خامنئي يصف الصمت العربي الاسلامي على ما يجري لحزب الله بأنه "مخزي"، وينسى أو يتناسى بأن من جاء بحزب الله كمصيبة وبلاء على لبنان وشعبه والمنطقة والعالم، هو نظامه وإن ما يجري الان هو حاصل تحصيل للدور "المافيوي" لعصابة وليس حزب حسن نصرالله وإنهم يحصدون ما زرعوه، وإن الدائرة التي باتت تضييق بملالي إيران ورموزه في المنطقة بل وحتى أنه لم يعد الهدف مخلب النسر بل النسر ذاته، وفي ظل الصمت المعتاد لبكين وموسكو، فإن صورة المنطقة للأعوام التالية ستتوضح أكثر، إما ذهاب النسر أو نتف ريشه كله!