بعد سوريا، النسخة الايرانية من التغيير
عندما يواجه الانسان حالة تهديد لحياته ولا يمتلك أي شئ يمكن أن يدافع به عن نفسه ويدرأ عنه هذا التهديد، فإن الخيار الوحيد الذي سيلجأ إليه هو الصراخ وطلب العون والنجدة من أجل إنقاذه، وهذا ما يحدث في إيران بعد عمليات قلع مخالبه في المنطقة وإجباره على الهروب هلعا من سوريا التي كان خامنئي يصفها بالعمق الاستراتيجي لنظامه.
التصريحات الصادرة من جانب القادة والمسؤولين الايرانيين وبشكل خاص من جانب خامنئي، تسعى من خلال خطب وتصريحات رنانة وطنانة أن توحي بأن الذي جرى مجرد سحابة صيف ستعدي على خير، وإن الامور ستعود لحالها السابق ستنتصر "جبهة المقاومة" التي يقولون إنها إنتصرت في غزة ولبنان، وبين إنتصرت وستنتصر هناك حبل متين من الكذب المفضوح الذي يمارسه حكام إيران في وضح النهار على أنفسهم قبل الآخرين.
عند قراءة متأنية للخطب والتصريحات الإيرانية الصادرة من طهران عقب الانتكاسات المؤلمة جدا التي حدثت للمشروع المشبوه من أجل إخضاع المنطقة لنفوذ طهران، فإن الخوف والحذر مما هو آت، يكاد أن يكون القاسم المشترك فيما بينها، ولاسيما وإن طهران لا تبدو كمن لم يأخذ بجدية ما قد قيل بعد الذي حدث في سوريا "اليوم في دمشق وغدا في طهران"، فهم يدركون ذلك جيدا. وهنا من المفيد التذكير بحالة الخوف والقلق التي إنتابت النظام الايراني في بدايات إندلاع الثورة السورية عام 2011، والتصريحات المختلفة التي صدرت من هناك وبشكل خاص من جانب حسن روحاني الذي كان رئيسا في حينها، والتي جسدت ذلك بكل وضوح، وكيف إن التدخل الايراني المشبوه في سوريا والوقوف الى جانب الدكتاتور الهارب بشار الاسد قد ساهم بجعل سوريا الجحيم بعينه حيث إضطر الملايين من أبناء الشعب السوري الى النزوح عن سوريا من جراء العنف والقسوة الممنهجة التي إستخدمها النظام السوري وقتها تبعا للنصائح والمشورات النوعية للإرهابي سيء الصيت قاسم سليماني، والمثير للسخرية إن طهران إستغلت الاوضاع السيئة جدا التي حصلت في سوريا من جراء تدخله فيها وإنعكاسها على المنطقة والعالم، فحذر مسؤولون إيرانيون من إن إنهيار النظام الايراني سينجم عنه فوضى عارمة أكثر سوءا وسلبية من الذي جرى في سوريا كما عبر عن ذلك محمد جواد ظريف عندما كان وزيرا للخارجية! بل وإن صحيفة "جوان" التابعة للحرس الثوري قد أشارت بصورة مباشرة الى هذا الامر في مقال تم نشره مؤخرا ينتقد فيه الدعوات للتفاوض مع أميركا، حيث كتبت تقول: "ما ينشر هذه الأيام في الفضاء الإعلامي للبلاد، ولاسيما في الفضاء الافتراضي، بشأن ضرورة التفاوض مع أميركا بأي ثمن، يعتمد على تقنية إخافة الشعب في إطار فرض ثنائية زائفة، وهي إما القبول بالاتفاق النووي الذي تريده أميركا، أو الوقوع في فخ الاتفاق النووي الداخلي وتحويل إيران إلى نسخة سورية"!
هذا الكلام أو بالأحرى هذا الاستنتاج الذي ثبت بطلانه بعد الذي جرى في سوريا وسقوط النظام في الثامن من ديسمبر2024، وتبين واضحا بأن ما جرى في سوريا عام 2011، وما تلاها، إنما كان بفعل الدور الايراني المشبوه فيها بل وحتى يمكننا القول بأنه كان سيناريو من إعداد وإخراج النظام الايراني. كما إن اللمز الايراني من حيث نظرية المؤامرة فيما حدث في سوريا أخيرا وإن مؤامرة بذات المعنى يتم إعدادها لإيران، هو كلام فيه الكثير الخلط والتمويه ولاسيما وإن الامر قد جرى تحت الاضواء وهو كسب ويكتسب تأييدا ودعما عربيا ودوليا مستمرا.
الملاحظة المهمة التي أجد من الضروري جدا أخذها بنظر الاعتبار والاهمية، إن منظمة مجاهدي خلق قد كانت لوحدها من أكدت بأن سقوط النظام الايراني لن ينجم عنه أي أحداث وتطورات سلبية كالتي حدثت في سوريا بعد عام 2011، وإن النظام الايراني يقوم بالترويج لهكذا إحتمال من أجل ضمان بقائه وعدم سقوطه، في وقت كانت المنطقة والعالم كله يصدقون بصورة وأخرى بما كان يروج له النظام، وهو قد أراد أن يحقق من خلال هذا الزعم هدفا ليس مهما بل وحتى استراتيجيا بجعل بلدان المنطقة والعالم يبتعدون عن دعم وتأييد تطلعات الشعب الايراني للحرية والتغيير وقبل ذلك الابتعاد عن أي دعم أو تأييد أو حتى مجرد علاقة مع منظمة مجاهدي خلق، واليوم، يبدو جليا بأن ما كانت تقوله وتؤكده مجاهدي خلق هو الحقيقة والواقع بعينه فيما كان ما يزعمه ويروج له النظام الايراني مجرد كذب وتمويه وخداع وما حدث في 8 ديسمبر 2024، أثبت ذلك، غير إن الاهم من ذلك بكثير هو إن ما سيحدث في إيران من أحداث مرتقبة يمكن أن تجعل من الحكم القائم أثرا بعد عين، ينجم عنه الفرحة العارمة التي ستعم إيران كلها وليس الفوضى والعبث كما زعم ويزعم النظام!