'الرجل من تورنتو' يتألق رغم الاعتيادية

صناع الفيلم يقدمون تجربة ناجحة، بل لعلَّها من أفضل تجارب العام كوميديًّا رعم الاعتماد على قالب مستهلك.

فيلم "The Man from Toronto" (الرجل من تورنتو) اعتيادي تمام الاعتيادية؛ يعتمد على واحدة من أقدم حبكات الدراما؛ وهي فكرة تبادل الدورين بين البطلين لموقف التباس. كلَّما استخدمت فكرة مُستهلكة زاد عليك عبء إجادتها وتقديم مبررات لإعادة تقديمها؛ لأنك ستبدو في موقف المفلس الذي وضعت نفسك فيه منذ البدء حينما قررت أن تتخذ هذه الطريق. لكنَّ صناع الفيلم الذي صدر 2022 استطاعوا أن يقدموا تجربة ناجحة، بل لعلَّها من أفضل تجارب العام كوميديًّا في هذا الفيلم المرح الظريف.

النجاح في تقديم البطليْنِ

في الفيلم الذي كتبه روبي فوكس وكريس بريمنر، وقام بإخراجه باتريك هيوز؛ نقابل شخصية تيدي جاكسون (كيفين هارت). وهو رجل متزوج يحاول شق طريقه في الحياة من خلال تقديم أفكار جديدة تسويقيَّة لإحدى صالات الألعاب الرياضيَّة. نجده على حالة يرثى لها؛ يحاول التعلق بأهداب الحياة ليصلح بعض أثاث بيته ويرضي زوجه ويظهر أمامها بصورة الرجل الناجح. ولعلَّ التقديم المختصر والناجح لهذه الشخصية جاء من مشهد مكون من لقطات تبين إخفاق البطل وقلة حيلته فيما يدَّعي البراعة فيه، ثم من كوميدية فكرة الملاكمة غير الاحتكاكية التي أتى بها جديدًا في عالم التسويق الرياضي. لقد كان تقديمًا جيدًا للبطل الأول.

ثم نقابل البطل الآخر وهو الرجل من تورنتو (وودي هارلسون)؛ الذي يعمل مأجورًا يستغل عامل الرهبة في استنطاق الناس عن أسرارهم جبرًا. ويبدو لنا رجلًا ذا مهابة، قادرًا يستطيع أن يدير شئونه، بل يبدو في صورة أقرب للأسطوريَّة. وفي مشهد واحد لتجربة استنطاق عميل في الاستخبارات عن أحد الأسرار نكتشف الكثير عن الرجل وعن مدى سمعته التي تسبقه. وفي مشهد تالٍ نجد أنه يعمل تحت إمرة امرأة تدبر له المهمات وتكلفه بها لينفذها. لقد نجحت هذه المحاولة أيضًا؛ رغم أن تقديم الرجل من تورنتو ظلَّ قائمًا في مشاهد أخرى قادمة عرفنا فيها -مثلًا- حبه لكلمات السر من شعر القرن التاسع عشر.

النجاح في تقديم الحبكة الاعتيادية

يبدأ الدخول في الحبكة من المشهد الرابع -تقريبًا-، وهو أمر يحسب للفيلم، ومن عوامل نجاحه. فرغم طول الفيلم الذي يمتد لحوالي الساعتين إلا أن الجزء الاستهلاكي المعتاد من قبل صانعي الأفلام الذي به يحشون الشريط السينمائي نجا منه هذا الشريط. فما خلص الرجل من تورنتو من مهمة الاستنطاق الأولى؛ حتى أبلغته رئيسته بالمهمة التي تمتد طوال أحداث الفيلم ليذهب إليها. وفي الأثناء نفسها نجد تيدي يبحث عن مكان الإجازة الذي حجزه لزوجته، وهو محتار في بعض الأرقام لرداءة الطباعة. ومن هنا يصل تيدي قبل الرجل المقصود ليحتلَّ مكانه، ويصير هو في نظر العملاء الرجل من تورنتو.

كيف روى المخرج الفيلم؟

الفيلم ذو سرد مستقيم. لكن المخرج اختار تقسيم الأحداث سردًا على اختلاف الأماكن في الأحداث. وأظهر هذا كتابةً على الشاشة: يوتا، يورك تاون، تورنتو، بورتوريكو... وكذا اعتمد المخرج في روايته للأحداث على صناعة وحدة الفيلم "المشهد" بصورة متوازنة ليروي لنا القصة من جهة، والأهم هو بث روح الكوميديا من جهة أخرى.

كيف صنع المخرج كوميديا الفيلم؟

اعتمد المخرج على كوميديا الحوار الذي يمتد بين البطلين؛ ومن ألمع مظاهر اعتماده هذا استخدامه الشعر الكلاسيكي الذي يستخدمه الرجل من تورنتو في كلمات سرِّه، وقد أدخله في أكثر من مشهد. كما اعتمد على كوميديا الحركة التي برز فيها طريقة الملاكمة غير الاحتكاكية التي أدَّاها الممثل كيفين هارت. وفي الاعتماد على كوميديا الحركة أيضًا نجد تصميمه لأكثر من مشهد حركي قدَّم فيه العنف الكوميدي.

لكنَّ الاعتماد الأكبر في صناعة الكوميديا كان على الاختلاف إلى حد التناقض بين شخصيتَيْ البطلين. وهو عماد حبكة التبادل التي بُني عليها الفيلم؛ حيث تبديل العناصر يصنع أثره من خلال اختلاف كل شخصية عن الأخرى، وكيفية التعامل من قِبَل كل منهما. وقد كان للضعف والجُبن اللذين تميزت بهما شخصية تيدي الأثر الكبير في إمداد الحبكة القديمة روحًا جديدة.

ولقد استطاع كيفين هارت بمهارته التمثيلية الكوميدية المعهودة أن يُنفذ مشهد التبادل الأول في البيت على أفضل ما يكون، ثم تلاه بمشهد غاية في الكوميدية حينما ذهب ليعرف أي المختطفين هو الرجل المقصود بالاختطاف؛ وهو من أبرع مشاهد الفيلم من حيث الكوميديا. والاختلاف بين المشهدين يتمثل براعةً في أنه لم يكن يعرف أي شيء عن الأحداث وسياقها في المشهد الأول، بينما كان يمثل قصدًا شخصية الرجل من تورنتو في المشهد الآخر.

وبالبراعة نفسها استطاع المُخرج استغلال فارق الحجم بين كيفين هارت وبين وودي هارلسون في إظهار -أو محاولة إظهار- شعور الهيبة الذي تتمتع به الشخصية الأصلية.

قدَّم الفيلم مشاهد جيدة محبوكة: مثل مشهد القتال في آخر الفيلم الذي كان مضحكًا، ومشهد القتال في الطائرة الذي امتاز بالكثير من المبالغة لتوليد الكوميديا، ومشهد القتال في المتجر الذي كان الأسوء وظهر فيه استخدام الشاشة الخضراء بشكل واضح.

لماذا فيلم "The Man from Toronto" ناجح؟

لم تعد صناعة الكوميديا بسيطة كما كانت سابقًا. فالكثرة الكثيرة من الأفلام الكوميدية على مدار عقود صارت تصعِّب المهمة جدًّا على الصانعين في سبيل إنجاز فيلم يتصف بالنجاح الكوميدي. وقد استطاع "The Man from Toronto" أن يصيب نجاحًا لأنه قدَّم الكثير من المكونات؛ من أنواع الكوميديا المتعددة، ومن تكوين بطليه، ومن توليف مشاهد مطاردة ناجحة في توليد الكوميديا.

ومن ألطف ما في الفيلم أنه يظهر البطلين في أوله؛ وهما على طرفَيْ نقيض، لكنه مع تطور أحداثه يطور علاقة البطلين لنكتشف أن كليهما شخص لم يستطع تحقيق الإنجاز الخاص به في الحياة؛ رغم ظهور الرجل من تورنتو على أنه القادر النافذ، وظهور الفشل واضحًا على تيدي. وكم نكتشف أثناء سيرنا في الحياة عن أنفسنا!