"الرقص في الضوء" يبوح بقصة البالرينا المصرية ماجدة صالح

المعرض المقام في قاعة فيوتشر بالجامعة الأميركية بالقاهرة يضم ما يقرب من 35 لوحة أبيض وأسود أغلبهم من فترة الستينيات وهي معروضة بترتيب زمني.
المعرض يوثّق جزءا من الحياة والأجواء الثقافية في مصر في فترة الستينيات ومكانة المرأة في مصر
الفضل يعود لثروت عكاشة في تنسيق البعثة التي سافرت فيها ماجدة صالح وخمسة من زميلاتها لدراسة أصول البالية في البولشوي في روسيا

تعتبر الباليرينا ماجدة صالح أبرز رائدات فن الباليه مصريا وعربيا، التحقت بالدفعة الأولى لمعهد الباليه الذي تأسس في فترة وزير الثقافة د.ثروت عكاشة على يد الخبير السوفيتي الكسي جوكوف أحد راقصي البولشوي عام 1958، وقد اختار الدفعات الأولى من الراقصين والراقصات من الأطفال بنفسه، وقد سافرت في منحة إلى الاتحاد السوفيتي وخلال عدة سنوات من التدريب والعمل استطاعت أن تتربع على عرش البالية لتصبح الباليرينا الأولى في مصر حيث كانت باليرينا فرقة باليه القاهرة بين 1966 حتى 1972 وقد منحها الرئيس جمال عبدالناصر وسام الاستحقاق، حصلت على ماجستير الرقص الحديث من جامعة كاليفورنيا وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة نيويورك في تاريخ الرقص عند الشعوب، وقد تولت عمادة المعهد العالي للباليه ثم كانت أول مدير لدار الأوبرا المصرية.
وقد نظم مركز التحرير الثقافي بالجامعة الأميركية احتفالية لتكريمها أخيرا تحت عنوان "معرض الرقص في الضوء: قصة البالرينا المصرية ماجدة صالح" حيث عرض فيلم "هامش في تاريخ الباليه" من إخراج هشام عبدالخالق، ولكن قبل عرضه افتتحت البالرينا ماجدة صالح وأفراد من عائلتها ورئيس الجامعة الأميركية فرانسيس ريتشاردوني معرض صور يستعرض تاريخها الفني بصور أرشيفية من مجموعتها الخاصة.

في روسيا أمضينا عامين في معهد البولشوي، كانت دراستنا هناك أكاديمية ثقافية، وبلا أي مبالغة "غطسنا" في تقاليد الباليه القديم منذ وصولنا إلى روسيا

المعرض المقام في قاعة فيوتشر يشمل ما يقرب من 35 لوحة أبيض وأسود أغلبهم من فترة الستينيات وهي معروضة بترتيب زمني. الحائط الأكبر يشمل جزءا مخصصا لسنة 1962 أثناء الترتيبات في المعهد العالي للبالية، وهنا تتذكر ماجدة أنه من ـ تأسيس ثروت عكاشة الذي تتكلم عنه بالإعجاب والتبجيل الذي يكنه كل فنانين جيلها. وله الفضل في تنسيق البعثة التي سافرت فيها ماجدة وخمسة من زميلاتها لدراسة أصول البالية في البولشوي في روسيا، ولهذا تم تخصيص مجموعة من اللوحات تشمل صورا في روسيا أمام صرح البولشوي وصور لمجموعة من المقالات وأقاصيص الجرائد التي كتبت بالروسية والعربية والفرنسية  في 1963. 
والمجموعة الأخيرة في هذا الحائط الذي يمتد 5 أمتار يشمل مجموعة أخرى تشمل صور بالية باختياش ساراي الذي تم عرضه سنة 1966 في أوبرا القاهرة والذي حضر حفل افتتاحه الرئيس عبدالناصر وأعجب به لدرجة أنه منح في اليوم التالي للعرض جميع الفنانين جوائز الشرف والتقدير، وهي أيضا معروضة في إطار ذهبي في واجهة المعرض. وقد عبرت ماجدة أن هذه كانت سابقة لأن لأول مرة تعترف الدولة بالراقصين وتقدر دوررهم.
سبب المعرض أن الجامعة تهتم بتكريم الشخصيات التي لعبت دورا ثقافيا ورياديا في المجتمع خاصة للفتيات ودور المرأة في الحياة الثقافية المصرية التي أثرتها ماجدة كفنانة ثم عميدة لمعهد البالية ثم كمؤسسة لدار الأوبرا المصرية وأول مديرة لها قبل الافتتاح.
المعرض يوثّق جزءا من الحياة والأجواء الثقافية في مصر في فترة الستينيات ومكانة المرأة في مصر. وقد تذكرت الفنانة أن والدها لم يتقبل بسهولة فكرة احترافها الفن، ولكنها أصرت وتتبعت حلمها ووصلت لأعلى قمة حيث لا تزال هي المتربعة عليها نصف قرن بعد اقتحامها مجال الفن.
أما لوحة جيزيل وهي آخر باليه قدمته ماجدة صالح فقد تم تكبيرها لتشمل الحائط بأكمله، وهذا لأنها آخر باليه قدمتها ماجدة قبل اعتزالها الرقص، ولكنها الجوهرة علي التاج الذي يتمناه أي راقص لأن جيزيل أدت دورها كضيفة شرف مع فرقة البولشوي وهو تكريم وشرف تتمناه كل بالرينا وشرف لكل المصريين.

تقول ماجدة عن بدايتها في حوار لها مع الكاتبة ناهد فريد بمجلة صباح الخير عام 1984 "بدأت تعلم رقص الباليه قبل أن تفتح مدرسة الباليه، والتي تحولت فيما بعد إلى المعهد العالي للباليه.. كان عمري 7 سنوات عندما التحقت بالمدرسة الإنجليزية في مصر الجديدة، كانت هناك مدرِّسة إنجليزية تدرس لنا الرقص، حسب قواعد "ايزادورا دنكان" وهي تعتمد على الحركة المنطلقة في الرقص. هذه بدايتي الأولى، بعدها عين والدي د.أحمد عبدالغفار عميدا لكلية زراعة الإسكندرية، فانتقلت الأسرة كلها إلى هناك، وفي الاسكندرية كان يوجد معهد الكونسرفتوار وبه قسم الباليه، يتولى التدريس فيه مدرسات إنجليزيات من الأكاديمية الملكية للرقص، كان على مستوى عال من التدريس الأكاديمي، ودرست في هذا القسم سنتين، ووجد المدرسات هناك أنني أمتلك موهبة الرقص فرشحوني للسفر وإكمال دراسة الباليه في إنجلترا. وبالفعل حصلت على منحة عام 1956 وسافرت إلى إنجلترا وكانت مدرسة الباليه تقع في الريف الإنجليزي وهي عبارة عن قصر قديم وجميل داخل حدائق واسعة جدا. وللأسف لم تستمر التجربة سوى شهرين، لأنه حدث العدواني الثلاثي على مصر، وبالتالي عاد كل الموجودين هناك إلى مصر مرة أخرى.
وتضيف ماجدة أنه عقب العودة وجدت أن مدرساتها في مدرسة الباليه أيضا غادرن فحاولت إكمال دراستها بمدرسة إيطالية لكن المحاولة لم تستمر طويلا وتركت بعدها دراسة الباليه حتى زار الاسكندرية مستر ايجر مرييسيف على رأس فرقة الفنون الشعبية السوفيتية المعروفة باسم "موييسيف" ورآني أرقص، شجعني وأخبرني أن خبيرا سوفيتينا سيجيء العام المقبل لافتتاح مدرسة للباليه في مصر، وهذا ما حدث بالفعل وحضر البروفيسور "اليكس جيكوفا" وهو راقص سابق في فرقة البولشوي.  

Dialogue in art
مواسم ثقافية عظيمة

وتشير ماجدة إلى أن الاختبار الذي تم كان اختبارا تقليديا عبارة عن كشف لمعرفة مدى لياقتنا واستعدادنا لدراسة الباليه. وقد دخلت الاختبار مع 35 زميلا وزميلة منهم شقيقي طارق صالح لنكون الدفعة الأولى في مدرسة الباليه المصرية. وفي عام 1963 سافرنا نحن الدفعة الأولى من طلبة المعهد في بعثة إلى موسكو لإكمال دراستنا العليا هناك. وفي روسيا أمضينا عامين في معهد البولشوي، كانت دراستنا هناك أكاديمية ثقافية، وبلا أي مبالغة "غطسنا" في تقاليد الباليه القديم منذ وصولنا إلى روسيا، خاصة أن مدرستنا هناك، البولشوي، كانت عتيقة ولها تاريخ وتقاليد قديمة، فتركت فينا انطباعا نفسيا عظيما. وعند عودتنا إلى مصر سنة 1965 اعتبروا السنتين دراسة في روسيا معادلتين لسنتين دراسة عليا في مصر، وبالتالي التحقنا بسنة رابعة باليه. لحسن حظنا كانت هناك في الستينيات مواسم ثقافية عظيمة، فقد شاهدنا ونحن طلبة فرق البولشوي وفرق البراليه العالمية الكبرى من مختلف دول العالم والتي كانت تجئ لزيارة مصر.. هذه النماذج تربينا على حبها ونحن صغار. 
وتسرد ماجدة حكاية أول باليه لطلاب معهد الباليه والذي حضره الرئيس جمال عبدالناصر وكرم فنانيه بأوسمة ونياشين في ديسمبر/كانون الأول 1966، تقول "لم نكن وقتها نعتبر فرقة للباليه بالمعنى الصحيح ولكن كنا المجموعة التي أنهت دراستها أو الدفعة الأولى مع بقية الطلبة في المعهد الذين اشتركوا في جميع الأدوار. وقدمنا يومها باليها كاملا من أربعة فصول بعنوان "نافورة باختشي سراى"، قمت أنا فيه بأداء الدور النسائي الرئيسي. وكان العمل الثاني الذي قدمناه هو باليه "جيزال" وهو من أقدم الباليهات الرومانتيكية في العالم، وكذا باليه "كسارة البندق"، و"دون جوان" و"دون كيشوت".