الرواية تنقذ الكاتبات العربيات من مخالب التابوهات

انتصار عبدالمنعم تدرس ملامح التجريب عند بعض الروائيين العرب الذين يعيشون في الغرب.
شذا الخطيب تؤكد أنه ليس كل من كتب رواية روائيًّا
عزة مصطفى: الرواية لا منافس لها من وجهة نظري لما تتمتَّع به من إرواء للقارئ
محمد داوود: كل رواية شهادة على الحياة، كل إنسان مجموعة متشابكة من الروايات

تتساءل الكاتبة انتصار عبدالمنعم في شهادتها المقدمة لملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي: ما التجريب، وما المقصود به؟ وهل كل تجريب محمود فقط كونه يسعى إلى المغايرة بحيث لا يشبه غيره؟ فإذا كان التجريب في الفن الروائي معنيًّا بالسرد والوصف والفضاء المكاني والزماني ورسم الشخوص، فما النتيجة التي يسعى إليها الروائي؟
هل يريد الوصول إلى الإشباع الذاتي في المغايرة أم يريد أن يصل بالقارئ إلى حد الدهشة التي تتولَّد من العثور على شيء جديد وسط هذا الكم الغزير من النتاج الروائي؟
إن هاجس التجريب يسيطر على شهادة انتصار عبدالمنعم في الجلسة التي تراستها الأديبة السودانية بثينة خضر مكي، فتمضي في طرح أسئلتها: هل طرائق التجريب في الروايات الصادرة بالعربية في المشرق العربي تختلف عن مثيلاتها في المغرب العربي التي تعتبر التجريب في الرواية سمة من سمات التأثر بالثقافات الغربية؟ وكيف طال التجريب الرواية التي يكتبها روائيون عرب يعيشون بالغرب ويكتبون بالعربية وغيرها من اللغات؟ هل كان لوجود هؤلاء الكتاب في فضاء مكاني بعيد كل البعد عن الثقافة العربية أثرٌ على طرائق التجريب التي لجؤوا إليها وهم يكتبون رواياتهم؟ وهل كان ذلك بطريقة متعمَّدة أم بطرق تلقائية؟ هل التجريب الذي طال الرواية العربية الحديثة خدم تاريخ الرواية وتطورها؟ أم خدم الكاتب في إثارة الانتباه إليه وزيادة عدد القراء والمتابعين؟
وفي شهادتي الأدبية تتوقف عبدالمنعم بعض ملامح التجريب في الرواية العربية الحديثة، متناولة هذه الملامح في عدة روايات مصرية وعربية من المشرق والمغرب العربي، ولأدباء عرب يعيشون في المهجر. 

Cairo forum for creative fiction
الطريق والمنفذ لمواجهة الواقع الاجتماعي

وأنا أرى أن مشاركة انتصار عبدالمنعم أقرب إلى الدراسات الأدبية منها إلى الشهادات الأدبية الذاتية الحميمة، التي كانت وراء الهدف من عقد الملتقى سلسلة من شهادات الروائيين العرب على إنجازاتهم الروائية، ضمن جلساته المتعددة طوال أيامه الخمسة، لذا كان من الأفضل أن تضم مشاركة انتصار عبدالمنعم إلى الجلسات النقدية، وليس إلى جلسات الشهادات الأدبية.
وعن تجربتها الشخصية في العمل الروائي والتطور به عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قالت الكاتبة اليمنية شذا الخطيب في شهادتها: أصبح عالم التواصل الاجتماعي عبر شبكات النت الاجتماعية مجالاً واسعًا لينشر الكاتب أفكاره، سواء الأدبية أو المهنية أو النقدية، بأية صورة كانت. أي عبر مقاطع فيديو أو عبر صور تعبيرية أو جمل أو أفكار كتابية، وقد يجد الاستحسان حول ما يكتبه، وهذا يعود إلى قوة أفكاره وإلى علاقاته الاجتماعية والمهنية، وكذلك لاسم عائلته ومكانته الاجتماعية، والكثيرون يقومون بشراء متابعين لهم لوهم أنفسهم بأنهم أصبحوا من المشاهير ولزيادة عدد الإعجاب حول ما ينشرونه، ويظن المتابع أن هذا الكاتب أو المدوِّن يحظى بمتابعة ممتازة رغم سخافة أفكاره. 
وتتساءل الخطيب: من المسؤول عن وجود هؤلاء الدخلاء على مجال الكتابة؟ من الشريحة التي تتابع هؤلاء وكم يكتسبون من ذلك؟ وحيث الكثير يعرض على المشاهير أن يشتروا متابعين، وكنت واحدة منهم من عرض على شراء متابعين لكنني رفضت. 
وعن بداية تجربتها في مجال الكتابة قالت: خلقت لي أفقًا واسعًا وعلاقات مهنية واجتماعية جيدة جدًّا، وإنني أسعى من ذلك لنشر أفكاري ومبادئي وتحسِّن صورة وطني اليمن في كل القطاعات الإنسانية وبخاصة ما تمر به اليمن من صعوبات ومشاكل في الحرب وقبل الحرب. وتطرح من خلال مشاركتها في الملتقى تجربتها بالتفصيل، وما واجهها من صعوبات وتسهيلات وكيف سعت لكي تصل إلى ما هي عليه، وكيف يمكنها تطوير أدواتها الكتابية وعلاقاتها الاجتماعية وتوصيل كتاباتها إلى كثير من القراء، وحثَّ على من لا تستهويه القراءة أن يقرأ لها، فليس كل من كتب رواية روائيًّا.
وتقدم الكاتبة المصرية عزة مصطفى شهادتها تحت عنوان "التقدم في علوم الاتصالات والرواية .. شهادة روائية" فتقول: حازت رواية "حارسة الموتى" على المركز الأول في جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع، وتدور أحداثها في مقابر البلدة من خلال شخصية حمدية التي تقوم بتأجير البسط للزوار والعناية بأصص الزرع مقابل الرحمات كما تقوم بالغسل، حمدية الشخصية الرئيسية التي تدور حولها باقي الشخصيات.
المنافسة في جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع كانت قوية، عندما أعلن عن القائمة القصيرة وجدتني مع عمالقة محمد الغربي عمران من اليمن صاحب "ظلمة يائيل"، ومن اليمن أيضًا سمير عبدالفتاح وله باع في الرواية لا يستهان به، وسامر أنور الشمالي من سوريا، والمبدعة التونسية فاطمة بن محمود ورائعتها "الملائكة لا تطير"، كيف أجد لي موطئ قدم بين هذه القائمة.
وتوضح: تجمح بي الأحلام وأتوقع المركز الثالث ثم أتقهقر بعيدًا عن المراكز الثلاثة، تحدث المفاجأة: المركز الأول عن رواية "حارسة الموتى" مما أعاد لي الثقة فيما أكتب.

وتضيف: كتبت روايتين "روزيتا ولقاء"، روزيتا وهو اسم رشيد أطلقه عليها الفرنسيون، ويعني الوردة البلدي فقد كانت رشيد محاطة بجناين الفاكهة، حيث تفوح بأريج الزهور في بداية الربيع، نشرت روزيتا من قبل تحت عنوان "وردة النيل"، لكن طباعتها كانت رديئة فطبعتها مرة أخري بعنوان "روزيتا"، كتب عنها د. ثائر العذاري أكاديمي عراقي ود. أبو المعاطي الرمادي ود. محمد سمير عبدالسلام وناقشها مع الإذاعية الشهيرة هدى العجيمي الناقد أحمد عبدالرازق أبو العلا وبعض الزملاء ممن اجتهدوا في قراءتها لكن عمومًا أعمالي لم تأخذ حقها من النقد، وقد يكون اللوم عليَّ لأني بعيدة عن القاهرة.
وترى مصطفى أن رواية "لقاء" وهو اسم البطلة، ترتكز على شخصية محورية تقف في منتصف الطريق وتنظر إلى حياتها نظرة تأملية من أنا هل أعيش حياتي أم أتفرَّج عليها من بعيد، وقد تنتهي الأحداث ولا تجد إجابة.
وتوضح أنها كتبت القصة القصيرة والرواية والقصة القصيرة جدًّا، الرواية هي الأقرب إلى روحها، حيث رحابة السرد وتعدُّد الأصوات والشخصيات مساحة واسعة تتحرَّك فيها بحرية أكثر من القصة، ولكن القصة أيضًا لها جمالها ورونقها، حبها للرواية لا يقلِّل أبدًا من روعة القصة.
وتقول إن القصة القصيرة جدًّا هي الأخرى ممتعة تتميَّز بالتكثيف وينطبق عليها مقولة كلما ضاقت العبارة اتسعت، لكني لا أتوقع لها مستقبلا شعبيا مثل الرواية، الرواية لا منافس لها من وجهة نظري لما تتمتَّع به من إرواء للقارئ.
الروائية الكويتية فاطمة يوسف العلي تقول في شهادتها "سؤال الكتابة.. لامرأة مصرَّة": لأني مدركة تمامًا للواقع الذي أعيشه وحدود مساحات الحرية التي أستطيع التحرك في إطارها ولا أحيد عنها بقانون الرقابة الذاتية التي ألزمت نفسي وقلمي بهما ولحذري وتخوفي من العقول المتحجرة ومن فكرها الأحادي الذي يحولها كثيرًا إلى كور مدمرة تجاه خطابنا الروائي، ولأن مجتمعي ليس بمركز القيم في العالم لوجود شرائح كبيرة ما زالت لا تؤمن بالرأي والرأي الأخر على الدوام، ولأني امرأة مسلمة وزوجة وأم وخليجية وما زلت أكنى بـ "أم ناصر" ولمحاكم التفتيش التي لا تكل ولا تمل وتفرِّخ على الدوام. 
لكل ما سبق وغيره من الأسباب وجدت في تطور الرواية الجديدة وتداخل الأنواع فيها نجدة من السماء ومنفذًا ألجأ إليه مؤمنة بـ "كن مع الله ولا تبالي"، فالرواية الجديدة لم تخدم شباب الألفية الثالثة فقط، بل خدمت المرأة العربية المبدعة في النفاذ من مخالب التابوهات السلطوية والدينية والسياسية.
وأضافت: حاولت وسعيت لانتقال الرواية من أفق اليقين إلى أفق الشك في محاولة بعدم تجاوز جماليات العبارات والتراكيب، بل أن تكون مجموع ما أبعثه من أحاسيس تؤجِّج حيوية المتلقي وتدعوه للدهشة والرعشة على رؤية الجمال في فن الحكي عندي، على ألا تكون رواية صعبة متسائلة، بل تكون رواية جديدة تعبر بشكل واضح عن أزمة الإنسان، ساعية أن تتحلى بالظواهر الجديدة في تفجُّر الخطاب واختفاء الواقعية والزمن وخلطت الواقع مع الخيال مع التجريب، ووجدتني داخل النص.
وترى العلى أنه بعد مرور أربعة عقود ما بين روايتها الأولى "وجوه في الزحام" سنة 1971 الرواية النسائية الأولى في وطني الكويت، وروايتها الأخيرة "غرف متهاوية" سنة 2018 وما بينهما من إصدارات "أجدني في السرد الذي هو الطريق والمنفذ لمواجهة الواقع الاجتماعي وحال المرأة والرأي الآخر المستبد". 

Cairo forum for creative fiction
كل رواية شهادة على الحياة

وفي شهادته قال الكاتب المصري محمد داوود: كل رواية شهادة على الحياة، كل إنسان مجموعة متشابكة من الروايات، ويمكن لكل كاتب أن يضيف رواية على الأقل حول علاقته بالكتابة. أشعر أن بالإمكان كتابة رواية عن كل رواية كتبتها، وهذه هوامش على كتاباتي. 
"قف على قبري شويا": هذه روايتي الأولى. حين صدرت في 2003 قاطعني أحد أصدقائي وفقدت صداقته لظنه أن شخصيتين في الرواية تقصده هو ووالده. 
"السما والعمى": أصل هذه الرواية قصة قصيرة، بدأت بها ثم حذفتها من الرواية التي تعد تكملة لما جرى بعد المشهد الذي صورته القصة. 
"فؤاد فؤاد": في ندوة لمناقشة هذه الرواية انتظرني أحد الذين حضروها، وفوجئت بأنه هو شخصيتها الرئيسية، فؤاد نفسه. 
"أمنا الغولة": في أوائل أيام دخولنا مشرحة كلية الطب تنوعت ردود الفعل المعبرة عن الدهشة أساسًا، بعد ذلك فقد الطلاب الدهشة. نعتاد على بشاعات كثيرة، وفي هذه الرواية تناولت موضوعًا لم أفقد الدهشة تجاه بشاعته؛ الالتهام المتبادل بين البشر. 
"بار أم الخير": دي رواية بالعامية. ماحدش بيسأل ليه وازاي لما يطلع ديوان شعر عامية، واتمنى ييجي اليوم اللي لما تطلع رواية بالعامية الناس تستقبلها عادي، زي شعر العامية.
"صخرة بيتهوفن": هذه الرواية كانت مشروعًا منسيًّا، وكنت أقلب في فولدراتي وفايلاتي القديمة، وعثرت عليها، قرأتها وجددت انفعالي بها، وأنهيتها في بضعة أشهر.
القصص القصيرة: نشرت بعص القصص في دوريات هنا وهنا، ولأكثر من مرة جمعت بعضها في مجموعة، وأعدت الكتابة مرارًا؛ ثم تراجعت عن نشرها.
 المقالات: مؤخرًا، غيَّرت أحد مبادئي القديمة في عدم الكتابة خارج النطاق الجمالي، ونشرت مقالات في الشأن العقلي. 
ما لم أنشره: دائمًا هناك ما لم أنشره، وما لن ينشر قط، لكن الكتابة مستمرة.