الزعماء الأكراد في العراق يرفعون راية الفساد

الواجهة العمرانية البراقة في كردستان العراق لا تخفي حقيقة الفساد المستشري هناك.

الزعماء الأكراد في العراق خائفون من أن يطيح الحراك الشعبي بنظام المحاصصة. إنهم خائفون على مصالحهم. فهم في ظل ذلك النظام يأخذون أكثر مما يستحقون. ذلك النظام يوفر لهم حرية الاستيلاء على الأموال التي تخصص للكتلة العرقية التي يمثلونها من غير أن يكونوا منصفين في توزيعها.

إنهم يشاركون في حفلة فساد عامة.

غير أن لديهم مشكلة أخرى تكمن في مكان آخر. فهم في حقيقة موقفهم الحالي لا يفكرون في الانفصال عن العراق الضعيف الذي هو عبارة عن بقرة حلوب. في المقابل فإن قيام عراق قوي سيعيدهم إلى حجمهم الطبيعي وسيضعهم تحت الرقابة والمساءلة المالية وهو ما سيشكل عنصر ازعاج لهم.

في الوقت نفسه فإن الزعماء الأكراد يدركون أن الانفصال عن العراق لن يكون ممكنا إذا ما عاد العراق تحت الحماية الأميركية.

إنهم يخشون سقوط النظام الطائفي لأن الأوضاع كلها ستعود إلى الحلبة الأميركية. ذلك ما سيجعلهم يرضخون لما يمكن أن تقرره بغداد التي ستكون قد تحررت من الهيمنة الإيرانية.

كان الدعم الأميركي للأكراد مشروطا ببقائهم ضمن العراق، من غير التفكير بإقامة دولتهم المستقلة. وقد وجد الأكراد في خضوع بغداد للهيمنة الإيرانية مناسبة للتحرر نسبيا من ذلك الشرط، ليتمتعوا بامتيازاتهم التي أقرها الدستور من غير أن يكون اقليمهم عمليا جزءا من العراق.

ذلك سيكون جزءا من الماضي فيما لو أعيد النظر في الدستور.

سيكون من الضروري هنا أن أشير إلى أن الزعماء الأكراد حين يتحدثون عن عراق ديمقراطي فإنهم يقصدون ديمقراطية مفصلة على مقاساتهم. اما الديمقراطية التي يتمتع من خلالها الشعب العراقي بحريته في اختيار مَن يحكمه بطريقة نزيهة تضمن سيادة القانون والارتقاء بمبدأ المواطنة والتوزيع العادل للثروات والتمسك بقيم العدالة الاجتماعية فإنهم غير معنيين بها.
بكلام محدد يمكن القول إن أولئك الزعماء ينظرون إلى المسألة العراقية باعتبارها شأنا محليا خاصا ببلد جار لا تربطهم به سوى الأموال التي ينفقها عليهم. وهي علاقة غير طبيعية لا يمكن استمرارها إذا ما استعاد العراق عافيته بعيدا عن التدخلات الإيرانية ونظام المحاصصة الطائفية.

كان مسعود البرزاني ومسرور البرزاني واضحين في التعبير عن قلقهما بسبب ما يمكن أن تؤدي إليه الانتفاضة الشبابية من تسريع قي عملية إعادة النظر في فقرات من الدستور والغائها أو إعادة كتابتها.

ذلك موقف سيء فهو يضمر قدرا من العداء لطموحات الشعب العراقي في أن يستعيد حياته السوية التي حطمها الفساد المستشري في مفاصل دولة لم يُقم أساس ولا يمكن أن ترى النور في ظل استمرار الفاسدين في استنزاف ثروات العراق.

في ذلك الموقف هناك شيء من الخشية على مصير الدولة الطائفية الفاسدة وهناك أيضا خوف من أن تنتشر الاحتجاجات مثل عدوى في إقليم كردستان الذي يعاني شعبه هو الآخر من التمييز بسبب الفساد الذي يرعاه الحزبان الكبيران المحتكران للسلطة ولحصة الإقليم في الموازنة العراقية ولإيرادات النفط المهرب التي تذهب إلى حسابات السادة الكبار وهم رعاة الفساد الذي لم يسلط عليه الضوء اطلاقا.

فإقليم كردستان بالرغم مما يبدو عليه من نهضة عمرانية يقاسم سكانه العراقيين فقرهم وعوزهم وشعورهم بالظلم بسبب غياب العدالة في توزيع الثروات والتفاوت الطبقي بين الحزبيين وأبناء العشائر الكبرى وباقي أفراد الشعب.

ينظر الزعماء الأكراد إلى إمكانية سقوط النظام الطائفي وانتهاء الوصاية الإيرانية بقلق شديد متناسين حقيقة أن ذلك الشعب الذي يناضل من أجل أن يبني دولة المواطنة على أسس ديمقراطية هو الذي دعمهم في مطالب شعبهم في التمتع بحقوقه على أرضه التاريخية.

يرفع الزعماء الأكراد راية الفساد بوجوه العراقيين عربا وأكرادا وتلك هي حقيقتهم.