الزفت الأبيض .. موت قاس

رواية الكاتبة السورية ماريا دعدوش "الزفت الأبيض" ناقوس إنذار شديد اللهجة، رواية لليافعين.
الكاتبة لم تعرض إدمان كنان بشكل مفاجىء للقارىء، بل مهدت له وجعلت القارىء يتوقع ماذا سيحدث مع كل خطوة يظهر فيها كنان مع غالي
الإدمان ليس مجرد حبوب مخدرة، وعقاقير هلوسة، تضني الجسد بل يمتد الإدمان إلى الروح

رواية الكاتبة السورية ماريا دعدوش "الزفت الأبيض" هي ناقوس اإنذار شديد اللهجة، رواية لليافعين، تحدثنا عن الإدمان ومخاطره بطريقة شيقة ومؤلمة في آن واحد، فالبطل هو كنان ذلك الصبي الذي لم تكتمل أعوامه السابعة عشر، يعاني من انفصال والديه منذ أن كان في السادسة من العمر، افترقت أمه عنه وسافرت بعيدا عنه وتركته في رعاية أبيه (الممرض الأمين زيدون) الذي يعمل فترتين، الأولى في المدرسة الثانوية التي يدرس فيها كنان، والفترة الثانية في مشفى خيري بعد الظهيرة، يرعاه ويتكفله ويطبخ له أيضا، لكنه رغم ذلك يفتقد وجود أمه الذي برر الأب ذهابها وانفصالها من خلال هذا الحوار البسيط والذي ينم عن عمق وفلسفة تتغلغل ثنايا الرواية في رشاقة ودون افتعال .
قال الأب: أترى اللون البرتقالي في إشارة المرور؟ ماذا تعتقد أنه سيأتي بعده؟
أجاب كنان: الضوء كان أخضر، الآن برتقالي، بعده يأتى اللون الأحمر.
قال الأب: البرتقالي فرصة لنا كي نفكر ونتريث ثم نقف عند الأحمر لو أضاء الأحمر، ولم نتوقف سنخسر الكثير.
حدث هذا الحوار حينما كان يودع كنان أمه، وهي تسافر بعيدا عنه للكويت حيث تتزوج مرة أخرى وتنجب توأم ولا تزور كنان إلا اسبوعين في الصيف من كل عام، حتى أنها تشعر أنها غريبة على عالم ابنها كنان، وتظل منسحبة من حياته مكتفية بتلك الزيارات السنوية مادام الأب يقوم بدوره ودورها أيضا.

ربما قصدت المؤلفة أن يكون العنوان صادما لجذب القراء، أيضا النهاية التي أنهت بها الرواية كانت صادمة ومفاجئة مثل حد السكين

بدأ إدمان كنان حينما تعرض لأزمة عادية في مدرسته، رسب في مادة الفيزياء والرسوب يعني حرمانه من المشاركة في مباراة كرة القدم بين فريق مدرسته والذي يبدو فعالا فيه، وفريق مدرسة المشرق المنافس العتيد، يشعر أن خسارة مدرسته سيكون هو السبب فيها، فيظهر له صبي يماثله في العمر لكنه يتميز بالقصر والنحول، وكأنه مصابا بنزلة برد على الدوام يعرض عليه المساعدة، والتي تكون فخا ناعما لينزلق فيه كنان إلى مصيدة ذلك الصبي الذي يدعى غالي الذي يردد مقولته الشهيرة؛ كن مع غالي ولا تبالي.
الكاتبة لم تعرض إدمان كنان بشكل مفاجىء للقارىء، بل مهدت له وجعلت القارىء يتوقع ماذا سيحدث مع كل خطوة يظهر فيها كنان مع غالي، رغم تحذيرات الصديق قيس لصديقه كنان، بضرورة الابتعاد عن غالي الذي سيكون سببا رئيسيا لفشله وسقوط والد كنان صريعا للمرض.
الإدمان ليس مجرد حبوب مخدرة، وعقاقير هلوسة، تضني الجسد بل يمتد الإدمان إلى الروح التي تعاني من الفقد العاطفي أو عدم التوازن النفسي مثلما حدث مع غالي الذي يبيع المخدرات (الزفت) كما أطلقت عليها المؤلفة، حيث يعاني غالي من مرض والده النفسي والمحتجز بمشفى ببلد غربي لعلاجه من الاكتئاب ومحاولاته الحثيثة والمتكررة للانتحار، رغم أن أمه طبيبة لكنه لم ينج من فخ الإدمان حتى تطور إلى أن يكون بائعا للمخدرات، يتصيد زبائنه بمهارة وإتقان للحصول على المال.
الرواية تعرض لنا عالم المراهقين الذي يشغى بالمشكلات المعقدة، النفسية والاجتماعية، لغة الرواية مناسبة ومتماسكة، لم تحاول المؤلفة استخدام تعابير معقدة بل حاولت التغلغل فى عالم الفتية، تراعى الفروق الحضارية والعمرية في رواية لليافعين، نتتبع مسار الأحداث بلهفة وتشوق رغم التنبؤ الذي تهبه المؤلفة للقارىء في بعض الأحيان لكن هذا لا ينفي أن الأحداث قد جاءت مشوقة، ومنطقية في بعض الأحيان، كنان البطل عانى كثيرا ليكتشف أن الادمان هو الضربة القاصمة لحياته وحياة أبيه الذي لا يستحق أن يعاين ابنه مدمنا، سجين المخدرات.
الزفت هو منتج من منتجات النفط الثقيلة التي يستحصل عليها من مصافي النفط بالتقطير التجزيئي للنفط، حيث غالباً ما تكون على شكل بقايا مرنة لزجة سوداء اللون، لكن في الموروث الشعبى يعتبر ذما وسبابا لاذعا. العنوان صادم، ربما قصدت المؤلفة أن يكون صادما لجذب القراء، أيضا النهاية التي أنهت بها الرواية كانت صادمة ومفاجئة مثل حد السكين.